Friday 3 February 2017

دونالد ترامب منع السفر وبناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك

دونالد ترامب سياسة الهجرة بناء الجدار العازل على الحدود مع المكسيك...
عندما تختارُ الولايات المتحدة بزعامة دونالد ترامب سياسةَ بناءِ الأسوارِ الواقية العنصرية، بدلاً من الحكمةِ والدبلوماسيَّةِ والإنسانيَّة!..

يقول الطبيب الإسرائيلي: "لقد تطوّرَ الطب في إسرائيل حتى بات بإمكاننا اليوم أن نزرعَ كبد شخص في جسد شخص آخر، وفي ستة أسابيع يتعافى المريض ويتطلّع إلى العمل!"
ويقول الطبيب الألماني: "هذا الإنجاز لا يساوي شيئا أمام إنجازنا! ففي ألمانيا أصبح باستطاعتنا أن نزرع جزء من دماغ شخص في رأس شخص آخر، وفي أربعة أسابيع ترون المريض يبحث عن عمل!".
ويقول الطبيب الروسي: "أيها السادة، لقد بات في استطاعتنا اليوم في روسيا أن نزرع نصف قلب لشخصٍ ما في صدر شخص آخر، وخلال أسبوعين فقط يشرع المريض في البحث عن عمل!".
وينفجر الطبيب الأمريكي ضاحكا: "أيها السادة، كل إنجازاتكم هذه لا تساوي شيئا مقارنة بما انجزناه نحن  في أمريكا. فقبل أيامٍ قليلة فقط، أحضرنا شخصا من غير عقل، ولا قلب، ولا كبد، واستطعنا مع ذلك أن نجعله رئيسا للولايات المتحدة، فصارت البلاد كلها تبحث عن عمل!"
هذه نكتة ترجمتُها لكم من اللغة الإنجليزية وهي إحدى النكت الكثيرة التي راجت مؤخرا في وسائل التواصل الاجتماعي، استقبل بها العالم دونالد ترامب بعد فوزه المفاجئ بكرسي رئاسةِ أعظم قوة سياسية في العالم، الولايات المتحدة.

وفي الحقيقة، لم يستقبل العالم دونالد ترامب بالنكت الطريفة الساخرة فحسب وإنما بالانتقاد والتنديد. فها هو رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك يعلن أن الولايات المتحدة أصبحت أحد المخاطر الخارجية التي تهدد سلامة الاتحاد الأوروبي واستقراره، رفقة روسيا والصين والإسلام الراديكاليّ!
واستقبلت شعوب العالم الزعيم الأمريكي الجديد أيضاً بمسيرات ضخمة ومظاهرات صاخبة - لم يسبق للعالم أن شاهد مثلها في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأمريكية - هزت أكبر العواصم العالمية ومنها لندن التي طارت منها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماري ماي إلى الولايات المتحدة للقاء الرئيس الأمريكي لتكون أول زعيم يلتقي هذا الرجل المثير للجدل والذي استهل عهدته هذه بتنفيذ وعده ووعيده بمنع مواطني سبع دول لها أغلبية مسلمة من دخول الولايات المتحدة، وبدء مشروع بناء جدار عازل على الحدود مع المكسيك وهو مشروع يبدو خياليا إذا نظرنا إلى حجمه وحجم تكلفته، فهو يمتد على مسافة تقدّر ب 1300 ميل! وتقدر تكلفة بناء الميل الواحد منه بنحو 16 مليار دولار! ويأتي في وقت تعاني فيها الولايات المتحدة من مشاكل اقتصادية!
زيارة رئيسة الوزراء البريطانية هذه لا تبدو اختيارية وإنما من باب الحاجة. فالمملكة المتحدة في حاجة إلى شريكها التقليدي في الجهة المقابلة للمحيط الأطلسي أكثر من أي وقت مضى بعد تصويت مواطنيها بالخروج من الاتحاد الأوروبي. لكن تيريزا ماي – التي تواجه ضغوطات كبيرة من أعضاء البرلمان البريطاني والمجتمع المدني وهي تحاول تنفيذ قرار استفتاء 23 حزيران / يونيو بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي المثير للجدل – أكدت أنها لا توافق على سياسة منع الهجرة التي صادق عليها دونالد ترامب، حسب تقرير صحيفة "الجارديان" البريطانية في عددها الصادر يوم 28 كانون الثاني / يناير. لكنها وجّهت له دعوة لزيارة لندن وهو ما واجهه البريطانيون باحتجاجات واسعة شهدتها شوارع لندن ومدن أخرى، إضافة إلى عارضة تدعو إلى منع هذه الزيارة حطمت رقما قياسيا خلال أيام قليلة من صدورها حيث وقّعها ما يناهز مليونين شخص! وهذا التجاوب الساحق مع العارضة يفرض على مجلس العموم البريطاني مناقشتها في اجتماع مقرر الشهر المقبل!
قرار منع رعايا سبع دول غالبية سكانها من المسلمين من السفر إلى الولايات المتحدة يبدو غريبا وغير منطقي لأن هذه القائمة لا تحتوي أساسا على بلدان أثبت تورط مواطنيها في الإرهاب. وعلى سبيل المثال فإنّ منفذي اعتداء 11/11 كانوا من أفغانستان وهو ما أكدته الإدارة الأمريكية من قبل، ومع ذلك بقيت أفغانستان خارج هذه القائمة! ومنفذو اعتداء 7/7 كانوا بريطانيين من أصول باكستانية وباكستان ليست في هذه القائمة!... ولم تشمل هذه القائمة الغريبة أوزبكستان التي كانت وراء الاعتداء على السفارة الأمريكية (2015)، ولا تركيا حيث حصل اعتداء على سفارتها في أنقرة (2013)، ولا تونس (اعتداء 2012)، ولا كينيا (1998 وغيرها) ، والقائمة طويلة إذا ما نظرنا إلى الأحداث التاريخية التي مست الولايات المتحدة مباشرة. أما إذا نظرنا إلى الدول التي تسود فيها مشاعر معادية للولايات المتحدة والدول الغربية، فإننا لن نجد حدا لهذه القائمة!
وما يشدّ نظرنا في هذه القائمة التي اختارتها إدارة دونالد ترامب هو وجود العراق، وهو ما استغربت له الحكومة العراقية ودول أخرى، وكيف لا والعراق دولة ديمقراطية، علمانية، شاركت في مكافحة الإرهاب وسمحت بالتدخل الأمريكي داخل أراضيها في سبيل قهر الإرهاب!

إن محاولة الاحتماء من خطر العنف والعدوان بغلق الحدود والتحصّن خلف جدران عازلة وهمية مكلفة، يشبه إلى حدّ ما محاولة النعامة الاحتماء من الخطر بإخفاء رأسها في التراب! فالأسئلة التي يثيرها مثل هذا القرار كثيرة وتوحي كلها بعدم جدوى مثل هذا المشروع. فكم سيستغرق بناء جدار عملاق كهذا يمتد على مسافة 1300 ميل؟! وماذا لو قرر الرئيس الأمريكي المقبل التخلي عن هذا المشروع بعد سنوات من العمل والجهد لأنه يتعارض مع سياسته الخارجية السلمية؟! ألا تكون الولايات المتحدة قد أهدرت أموالا طائلة في شيء لا طائل منه؟! ثم، هل من الضروري استثمار أموال طائلة في جدار قد يكون مصيره في يوم ما السقوط مثلما سقط جدار برلين سنة 1989 أحد أكبر رموز الحرب الباردة والتي لم تتوقف بتأثير مثل هذه الحواجز وإجراءات منع السفر وسياسة تحديد الحريات الشخصية وإنما بتفوق العقل والمنطق والحكمة؟! وهل إجراءات بناء الجدار ومنع سفر الأجانب إلى الولايات المتحدة، ستمنع المهاجرين حتماً من دخول بلاد شاسعة في حجم الولايات المتحدة يبلغ طول سواحلها نحو 95,471  ميل؟! وها هو تقرير "أن بي سي نيوز" بعنوان "المهاجرون يلجؤون إلى البحر لدخول الولايات المتحدة بطريقة غير شرعية" (2010) يؤكد  توافد المهاجرين غير الشرعيين على الولايات المتحدة بحراً وأنّ الهجرة غير الشرعية إلى الولايات المتحدة لا تقتصر على البر!

في عالم متعدد الأجناس والأديان والتوجهات مثل هذا الذي نحيا فيه جميعا، لا مفر للأمم  من الإيمان بالتعايش والتسامح والسعي لزرع بذور المحبة وتقبُّل الآخر في نفوس أفرادها، والتعاون مع أمم أخرى حفاظاً على القيم الحضارية وعزْلاً للعناصر المتطرفة من كل الديانات التي يغذي أذهانَها ويسيّر سلوكَها تفكيرٌ أحادي ولا تؤمن قلوبها بحق غيرها في الحياة إلى جانبها.
لن يتحقق العدل والتعايش مطلقاً من خلال عقاب جماعي في حق شعوب اختار بعض أفرادها سبيل التطرف والعنف، فيدفع لذلك كل مواطن فيها الثمن، سواء كان صالحا أو طالحا، متسامحا أو متشددا، متدينا أو ملحدا.
ولن يتحقّق العدل والتعايش مطلقاً من خلال التمييز العنصري أو الديني الذي تستطيع أن تستخدمه القوى المتطرفة لأغراض الدعاية فيكون بذلك وقودا يلهب سعير المشاعر المعادية للولايات المتحدة والغرب، ويعزّز التفرقة بين الشعوب والحضارات، ويهدد أمنها جميعاً.
ولن يتحقق العدل والتعايش مطلقاً من خلال منع أسفار شعوب بأسرها دون غيرها وتحديد حريات مواطنيها على منوال سياسة دونالد ترامب الأمريكية، وإنما من خلال التعاون البناء والمثمر بين الأمم والسعي لجذب القوى المؤمنة بالتسامح، والمُحِبَّة للسلام في كل الأديان، والحوار البناء الذي يتقبل رأي الآخر وإن اختلف معه، والتعاون مع أفراد الجاليات المهاجرة لتعزيز مناعتها في مواجهة فيروس التطرف والإرهاب وعزل العناصر المتطرفة فيها، فيقلُّ بذلك تأثيرها.
وبدلاً من الاستثمار في بناء جدران عازلة ضخمة مكلّفة، ينبغي استثمار تلك الأموال الطائلة في بناء جسور تخدم البشرية مثل جسر الدانمارك – السويد الذي قرّب الشعوب الإسكندنافية، وحفر أنفاق مثل نفق المانش بين بريطانيا وفرنسا الذي ربط الجزر البريطانية بأوروبا، وتسهيل تقارب الشعوب ومدّ الجسور بين الثقافات.. كل ثقافات العالم بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين مع مراعاة مبادئ الديمقراطية والعدل والحرية والإنسانية.

مولود بن زادي – كاتب جزائري بريطاني مقيم في المملكة المتحدة

No comments:

Post a Comment