Sunday 29 July 2018

هل أحب أحمد لطفي السيد مي زيادة؟

هل أحب أستاذ الجيل أحمد لطفي السيد مي زيادة؟ ..

بقلم الكاتب والباحث مولود بن زادي – بريطانيا

في شهر كانون الثاني/يناير 1962 نشر مدير تحرير مجلة الهلال طاهر الطناحي مقالاً بعنوان "غرام لطفي السيد" محدثا ضجة في أرجاء مصر والوطن العربي. ما كان أحد يتوقع أن تكون أيقونة الأدب العربي ميّ زيادة (1886-1941) قد أسرت قلب الأديب الحكيم، والمفكر العظيم، أحمد لطفي السيد (1872-1963)  مثلما فعلت مع نخبة من كبار الأدباء والمفكرين.

إعجاب من أوّل نظرة
في عام 1911، كان لطفي السيد يصطاف بلبنان. وبينا كان يتناول عشاءه في فندق بسول ببيروت رفقة صديقه خليل سركيس ووالده سيد باشا أبو علي، شاهد مي تتحدث مع قنصل فرنسا بمصر. أثارت اهتمامه، فسأل عنها صديقه، فابلغه أنها ماري زيادة ابنة الصحفي الكبير إلياس زيادة صاحب صحيفة "المحروسة".

مي زيادة لم تكن تتقن اللغة العربية!
كانت مي تتحدث مع القنصل الفرنسي بالفرنسية بطلاقة. وما كان ذلك مطلقا من باب الصدفة. فقد كانت ثقافتها ثقافة فرنسية حيث اطلعت على الأدب الفرنسي وسير نوابغه في المدرسة التي كانت الدراسة فيها بالفرنسية. "فلما شهد والدها إتقانها الفرنسية، وعدم إجادتها اللغة العربية وهي عربية المنبت، بدأ ينبهها ويحثها على ضرورة إجادة لغة قومها..." (مي زيادة سيرة حياتها وأدبها وأوراق لم تنشر)
الحديث عن عدم إتقان مي زيادة لغةٍ كتبت بها قد يفاجئ الوطن العربي لكن ثمة ما يبرر ذلك إذا ما تأملنا ظروف نشأتها وثقافتها ومؤلفاتها. دفعني الفضول إلى إلقاء نظرة على إحدى روايتها وجدتها بالمصادفة، فقرأت في أولى صفحاتها: "لو عاشت ابنتنا لكانت بلغت إلى هذا العمر" (رجوع الموجة - ص9) فِعل "بلغ" متعدّى ينصبُ مفعولاً ولا يحتاج إلى حرف "إلى": "بلغ الشيءَ بلوغا: وصل إليه (معجم الوسيط) وهذا مثال بسيط يبرر مؤاخذات والدها ولطفي السيد معا.

لطفي آخذ مي زيادة على أخطائها اللغوية!
لم يكن والدها الوحيد الذي انتبه إلى ضعفها وعاتبها. فقد لاحظ ذلك لطفي السيد نفسه عندما بدأ يقرأ لها. فقد تجدد اللقاء بينهما بعد عودتهما من بيروت حيث أهدته نسخة من روايتها بعنوان (ابتسامات ودموع) التي ترجمتها من اللغة الألمانية.
وكانت مي زيادة تنشر مقالات بعنوان "يوميات فتاة" في صحيفة والدها. فراح لطفي السيد يتابعها باهتمام، فيشير إلى أخطائها ويبعث لها بملاحظاته ومؤاخذاته اللغوية.

من خصاله القدرة على التأثير
أخذ يلتقيها ويتحدث معها عن اللغة والأسلوب وينصحها بقراءة القرآن وكتب الأدب العربي لتحسين الأسلوب. ووفر لها كتبا عربية مثل ديوان محمود سامي البارودي. وأعانها على الاهتداء إلى مناهل الثقافة العربية. ومرن لسانها وقلمها على التعبير والقراءة وجعل القرآن سبيلها في تعلم البيان. فتمكنت بفضل تأثيره من إجادة العربية قراءة وكتابة وتحسين الأسلوب، وهو ما اعترفت به مي زيادة نفسها: “ابتدأت أفهم من لطفي السيد اتجاه الأسلوب العربي...".

من خصالها حسن الإصغاء، وتقبل الآراء
ومن صفات مي النبيلة  حسن الإصغاء والظن، وتقبل النصح والنقد، وعدم التعصب. وهي من الصفات التي يفتقدها كثير من الأدباء، الذين لا يتقبلون نصائح، ولا آراء، ولا حتى نقد بناء من شأنه أن يعود عليهم بالفائدة. بل بلغت سعة صدرها حد تقبل اقتراحه تلاوة القرآن، ولم تكن مسلمة، للاستفادة من فصاحة أسلوبه، وبلاغة معانيه. فقالت: "ابتدأت أفهم من لطفي السيد ما في القرآن من روعة جذابة ساعدتني على تنسيق كتابتي، ورقي أسلوبي."

تعلق لطفي السيد بمي زيادة
وإن كان لطفي قد أثّر في مي زيادة إلى هذا الحد، فقد كان لقربها منه أثر في نفسه أيضاً، حتى أنه اشتاق إلى رؤيتها بعد أسبوع واحد من الفراق، فعبّر لها عن ذلك في رسالة 15 تموز/يوليو 1913 الشهيرة: ""سيدتي، مضى أسبوع كامل من يوم كنت عندكم أستأذن في السفر إلى الإسكندرية، وما كان من عادتي أن أغيب عنك أكثر من أسبوع. إذا مضى كان يدفعني الشوق إلى حديثك الحلو وأفكارك المتينة الممتعة، إلى زيارتك. فلا غرو أن أستعيض عن الزيارة غير المستطاعة بهذه الرسالة السهلة الكلفة، كتابي يلقى إليك في صحة وسلامة وصبر على هذا الحر الذى ربما شبهه بعض أصحابنا الشعراء بشوق المحبين، يقص عليك أنني أذكرك دائماً كلما هبت نسمات البحر، وقابلت بينها وبين لوافح القاهرة، وكلما تجلى علينا البدر يضيء البر والبحر على السواء، ويملأ العيون قرة، والقلوب رضا، وكلما جلست على شط البحر أتعشى وسط أصحابي كما كانت حالي وقت أن رأيتك لأول مرة، وسمعنا حديثك وأعجبت بك، أذكرك كلما خطر ببالي النظر في حال المرأة الشرقية ومستقبلها وعلى من نستطيع أن نعتمد في المساعدة على انتقالها إلى الأفق الذى نرجوه. وكلما قرأت من الشعر ومن النثر أفكاراً تتناسب مع أفكارك أو تختلف عنها...."
أمضى لطفي السيد ما يناهز شهرين في الإسكندرية ثم قفل إلى بلدته (برقين) حيث راسلته مي فردَّ عليها بخطاب أيلول/سبتمبر 1913، مما جاء فيه: "جاءني كتابك اليوم وأنا في الجنينة، جاءني ولا أكذبك أنى كنت في انتظاره فقرأته، ثم قرأته، وذكرت تلك الليلة التي لها في حياتي تاريخ ومركز خاص، وذكرت إذ استمتعت برؤيتك وتهولني قدرتك على هذا الشباب الغض"
وتواصلت رسائله إليها تفيض بمشاعر المودة والحنين. قال لها في إحداها بتاريخ 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1913: "ما أسعد حظ الشعراء. مازال طيفك يسرى معي، وكلانا تغمره أشعة القمر الباهتة، ويظرفه السكون الشامل حتى وصلت البيت، وكأن الطريق قد انطوى تحتي، فلم أحس طوله. والوقت قصر فلم أشعر بأجزائه، بل ندمت على أنى اتبعت الطريق المستقيم وكان أولى أن أقطع المسافة خطاً متكسراً يطول به وقت الائتناس بك. أشكرك، وأرجوك ألا تظني أن طيفك الرقيق الحاشية، الجريء القلب الذى ينزل علىّ ليسايرني وسط الخلاء المخيف في الليل، لا تظني أنه يغنى غناء قلمك فتتباطئين في رد كتابي كما عودتني بعض الأحيان."

الأكثر انسجاما:
من بين كل الأدباء والمفكرين المحليين المحيطين بمي زيادة ، انفرد أحمد لطفي بأنه الأكثر تحرراً. فقد عُرف باسم "أبو الليبرالية المصرية"، و"رائد حركة النهضة والتنوير في مصر". ولم يخطئ العقاد حينما لقبه "أفلاطون الأدب العربي". وكيف لا والرجل كان يقدس العقل. وكان متأثرا بمفكرين غرب من أمثال كونت وجان جاك روسو، مؤيدا الحضارة الغربية، ولم يكن متعصبا لأي معتقد.. وقد بلغ ولعه بالغرب حد رغبته في الحصول على الجنسية السويسرية. ومثلها، كان يحسن اللغة الفرنسية ومنها ترجم مؤلفات أرسطو إلى العربية. فكان بشخصيته هذه الأقرب إلى شخصية مي المتحررة والمنفتحة على الغرب مقارنة بمعجبين آخرين من كالعقاد والرافعي المحافظين..

إن لم يكن أبديا فهو ليس حقيقيا:
لكن هل كان هذا التآلف كافيا لبناء صلة حب حقيقي دائم بينهما؟ الجواب يكون حتما بالسلب  لجملة من الأسباب، نذكر منها:
. اختلاف الظروف الشخصية: ففي الوقت الذي كانت فيه مي زيادة عزباء متحررة من الأعباء الأسرية، كان أحمد لطفي السيد مرتبطا بأطفال. ولم يكن يبدو مهتماً بالتورط في علاقة مع امرأة ثانية بعد وفاة زوجته. ومعروف من سيرته أنه بقي أعزب بعد وفاة زوجته إلى آخر عمره.
. فارِق السن: اختلاف السن بينهما كان معتبراً، إذ كان لطفي يفوقها بنحو 14 سنة مقارنة بجبران (3 سنوات فحسب).
. الانشغال بالنشاط السياسي والفكري: كان لطفي منشغلا بعمله السياسي وقضية التحرر. فبعد ثورة 1919، سافر مع الوفد المصري إلى باريس للمشاركة في مؤتمر السلام المنعقد في فرساي. واشتغل مديرا لدار الكتب، ووكيلا للجامعة المصرية الأهلية، ولاحقا رئيسا لمجمع اللغة العربية حتى وفاته.
. تعلّق مي بجبران: التقت مي لطفي السيد سنة 1911. ومعروف أنه في تلك السنة بدأت المراسلات بينها وبين جبران. فقلبها كان متعلقا بالأديب المهجري الذي كان يحيا بعيداً عنها.

التوافق لا يعني التفوّق:
فلا شك أنَّ من بين كل الأدباء والمفكرين المعجبين بمي زيادة، انفرد أحمد لطفي السيد بأن يكون الأقرب إليها بشخصيته المتفتحة والمؤيدة للغرب والمتقبلة للأديان الأخرى والمدافعة عن حرية المرأة.
لكن هذا التوافق لم يكن كافيا ليفضي إلى علاقة حب حقيقي دائم لما كان بينهما من اختلافات في السن والظروف الشخصية، فضلاً عن ارتباط لطفي السيد بنشاطه السياسي وقضية التحرر، وتعلق مي زيادة بأديب آخر يحيا في مغارب الدنيا يدعى جبران، فلا نرى شيئا يذكر من مي يوحي بتعلقها به.
وإن تأملنا رسائل أحمد لطفي إليها وجدناها في مجملها تصب في مجرى المودة والاحترام والتقدير، وعلاقة المدرِّس بتلميذته، عدا القليل منها كرسالة 15 تموز/يوليو 1913 والتي بلا ريب تعبر عن مشاعر قوية لكن عابرة قد تستبد بأي رجل يجد نفسه بجوار فتاة ساحرة في مقام مي زيادة، والنفس البشرية ضعيفة، تتلاطم في أغوارها أمواج الأحاسيس والرغبات والفانتازيا. لكنّ لطفي السيد كان معروفا بنظرته العميقة الواقعية التي سرعان ما نبهته أنّ حياته المليئة بالمشاغل والمسؤوليات لا مكان فيها لامرأة اسمها مي زيادة، ولا لأي امرأة أخرى بعد وفاة زوجته، ما يفسر فتور مشاعره تجاهها لاحقا وتخليه عنها في ساعة الشدة عندما وجدت نفسها وحيدة محطمة في مستشفى العصفورية. وهو من بقي أعزب مدى الحياة.

مولود بن زادي - طيور مهاجرة حرّة - بريطانيا

Saturday 14 July 2018

الأدب الجزائري رواية ما وراء الأفق الأزرق للكاتب مولود بن زادي



" يا من أهملتني وأنكرت وجودي

ورميتني بطلب الشهرة والخلود

من بعد سهادي وعنائي وجهودي

لخدمة اللغة والأدب بغير حدود

اعلمْ أن كل تهميش أو جحود

لا يعني مطلقا أني غير موجود

اعلمْ أن إرادتي صماء كالجلمود

وأن إبداعي فضاء لا يقيَّد بقيود "

مولود بن زادي أقلام مهاجرة حرة (لندن)

من رواية " ما وراء الأفق الأزرق"
فصل (حرب الرواية الجزائرية).. حرب اشتعلت لمدة سنوات بين موقعي أبوليوس في الجزائر والرواية الجزائرية من لندن قال فيها مدير أبوليوس متحدثا عن الكاتب مولود بن بنزادي"مهم التأكد انه لا وجود لهذا الاسم في عالم الكتابة!" لكن الكاتب #مولود_بنزادي واصل الصراع لأجل البقاء في الكتابة مؤكدا احترامه لكل النشطاء في هذا المشهد.. وبلغ الأمر حد تعرضه للتهديد بالأذى عند زيارة الجزائر.. الكاتب مولود بن زادي بعد سنوات من الصراع يعلن من خلال حوار ملحق بمذكرة تخرج ماستر عن قراره الانسحاب من المشهد الأدبي مقدرا أن دخوله بالقصف سيكون مكلفا والامر لا يستحق كل ذلك لأنه يحترم هذا المشهد وأبناء جلدته..وقال إنه يرغب في مواصلة نشاطه كقلم مهاجر حر في خدمة المحبة والإنسانية والحضارة بعيدا عن أجواء مكهربة بلغت حد التهديد (ليكون أول كاتب يتخذ قرارا بالانسحاب من المشهد الأدبي لبلاده)

Friday 13 July 2018

محمود عباس العقاد و مي زيادة القدس العربي


٭ جديد!💥 New 📰


إعتمادا على بحث متعدد المراجع!📚💥💥🌹🌷


٭ مقالتي في صحيفة "القدس العربي" اللندنية في موضوع علاقة مي زيادة ومحمود عباس العقاد


شهادات أقرب الناس له ترجِّح نظرية العلاقة الرومانسية: العقاد ومي زيادة حب يتأرجح بين خيارين


 

لم يخطئ من لقب مي زيادة (1886-1941) «عروس الأدب العربي»، هذه المرأة الوسيمة، المتحررة، فريدة عصرها، التي بلغ شغفها بالأدب حد فتح صالون أدبي في بيتها (1913)، يحضره الثلاثاء من كل أسبوع كبار الأدباء والنقاد والمفكرين من أمثال أحمد لطفي السيد والمنفلوطي ومصطفى صادق الرافعي، تشرئب الأعناق إليها، وتخفق القلوب لها، وترتاح النفوس بجوارها، وكل منهم يسعى للتقرب منها، وكسب ودها. فكان حظ محمود عباس العقاد (1889-1964) الشاب الذكي، الأنيق، في أواخر العشرينيات من عمره، أوفر حيث جمعته وإياها علاقة مميزة. فما طبيعتها؟ وما أسباب تعثرها؟


هل أحبَّ العقاد مي ؟


ما برحت هذه العلاقة تثير أنظار الباحثين. يميل كثيرٌ من هؤلاء إلى الاعتقاد أنّ ما جمع العقاد ومي زيادة علاقة حب، على شاكلة الكاتب المصري خالد محمد غازي الذي قال: «كان في رسائل العقاد إلى مي من الشعور العميق ما يؤكد وجود مشاعر حب بينهما.» ويذكر كتاب (الذين أحبوا مي وأوبريت جميلة) شهادة صديق لازم العقاد ثلاثين عاماً قال فيها: «يمكنك أن تقول إن الحب عصف بقلبها وقلب العقاد.»

ويخالف هذا الرأي الأديب الجزائري واسيني الأعرج الذي أعلن خلال مشاركته بمعرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ49 أنَّ العقاد أراد أن يقيم معها علاقة جنسية.


الأقرب بعد جبران


ما ذهب إليه الفريق الأول من المحللين له ما يبرره في الواقع. فمن بين كل الرجال المترددين على صالون مي، كان العقاد أول صديق يحظى بفرصة الخروج معها. يقول عن ذلك: «دعوتها إلى السينما، فقبلت الدعوة، واشترطت أن تذهب إلى سينما الكنيسة»، مضيفاً: «إنّ هذه أول مرة تخرج فيها مي بصحبة صديق لها وتقضي معه وقتا في السينما.» ونال العقاد من مي زيادة ما لم ينله غيره. فمع أنَّها كانت ضنينة بقبلاتها على كل من أحبوها، فقد نال قبلة على جبينها، أو قبلة على جبينه.


نلتمس عبارات الشوق والحنين أيضاً في رسائله وأشعاره واعترافاته: «ولقد حدثت بيننا جفوة، وأصرت على ألا أتصل بها، ولكني شعرت بحنين إليها» بل كان يبلغ به الأمر حد التأثر: «وانحدرت من عيني مي الدموع، وحسبتها دموعي أنا، لا دموع مي… فقد كان البكاء يخنقني.» 

فالمشاعر الفياضة التي كانت تملأ خطاباته، فضلاً عن اعترافاته وشهادات أقرب الناس إليه، توحي بوجود حب وترجِّح نظرية العلاقة الرومانسية على نظرية العلاقة الجنسية.


سارة القنبلة الموقوتة


لكننا إذا ما سعينا لتقييم هذه العلاقة من زاوية أخرى اعتمادا على ما علمناه عن سيرة العقاد وعلاقاته، أدركنا أنه في الواقع لم يكن واضحا في مواقفه، ثابتا في قراراته، صادقا في مشاعره تجاه مي. فقد كان متعلقا بامرأتين في آن واحد! والغريب في الأمر أنه في الوقت الذي بعث لمي برسالة تموز/يوليو 1925 الشهيرة – التي تطفح بعبارات الشوق والحنان والأمل وهي مسافرة خارج مصر – كان غارقا في حب امرأة لبنانية أخرى تدعى (سارة) دون علم مي زيادة! وقد بلغ ولعه بها حد تخليد اسمها بكتاب دون غيرها! وقد تأثرت مي زيادة عندما علمت بهذه العلاقة، وهي من قالت في مخطوطة (مي ليالي إيزيس كُوبيَا) لواسيني الأعرج: «لا أقبل الشريكة، أو الشريكات. الشراكة في الحب في صف الجريمة.» فكانت علاقته السرية بسارة قنبلة موقوتة مدمرة للثقة والعلاقة.


الاختلاف الثقافي


الاختلاف الثقافي بين العقاد ومي لم يخدم هو أيضاً علاقتهما. مي زيادة، التي كانت تتقن ثماني لغات أجنبية وكانت تسافر إلى أوروبا، كانت بالتأكيد أكثر تحرراً وانفتاحاً وتفهما من العقاد – ابن أسوان – الذي «كان في بعض الأحيان يبدو متشددا أو متزمّتا محافظا» (في صالون العقاد كانت لنا أيام).


تباين في الآراء


وقد تباينت أفكار مي زيادة والعقاد في مسائل شائكة كالديمقراطية وحقوق المرأة، ما آل بهما إلى الصدام والخصام. يذكر العقاد: «كنت أرشح نفسي للانتخاب، فأشارت إلى حق المرأة في الانتخاب للمجالس النيابية، فقلت لها إنني لو ملكت الأمر لما سمحت للمرأة بهذا الحق. قالت: ولم؟ فأجبتها: لاعتقادي أن المرأة بفطرتها غير ديمقراطية… فأنكرت ذلك أشد الإنكار.»


ذلك الرجل العنيف


يعترف العقاد نفسه أن مي زيادة لم تحب جانب السياسة والعنف في شخصيته: «لقد كانت مي تحب العقاد الأديب الكاتب الشاعر، لكنها لم تكن تحب العقاد السياسي، وحاولت أن تقنعه بترك الكتابة في السياسة.» ويؤكد أن مي زيادة كانت تخشى عواقب عنف حملاته على الحكومة وخصومه: «كانت تخشى أن تجرني هذه الحملات إلى السجن، وكثيرا ما رجتني في أسلوب رحيم رقيق أن أخفف من غلوائي، وأنا أهاجم خصومي، حتى لا يلقوا بي في السجن، وتتعرض حياتي للخطر.»


في المقابل، «كانت مي ذات عاطفة مرهفة» مثلما أكد الأستاذ طاهر الطناحي. وقالت عنها هدى شعراوي: «كان فيها إلى جانب علمها وفنها جوانب كثيرة وحواس رقيقة من اللطف والدعة واللين والرقة».


فالتناقض الصارخ بين شخصية مي زيادة المسالمة الوديعة وشخصية العقاد العنيفة الثائرة أعاق علاقتهما. فلا عجب ارتاحت مي أكثر رفقة جبران البعيد عنها الذي بدا، من خلال كتاباته، رومانسيا، هادئا، متسامحا، مراعيا مشاعر الآخرين.


أحبت أكثر من رجل!


وكانت مي زيادة محاطة بكوكبة من المعجبين والعشاق، يحومون حولها كما تدور الكواكب حول الشمس. يقول العقاد: «عندما أقول لك إنّ ولي الدين ليس هو الوحيد الذي أحبته مي، فأنا أعرف ماذا أقول.» وكان على رأس هؤلاء جميعا الأديب المهجري جبران الذي خلب لبَّها بأفكاره المتحررة التي صقلتها بيئة المهجر. ولم تكن مي زيادة في واقع الأمر في عجلة من أمرها للارتباط الأبدي برجل واحد قد يقيدها أو يخيب ظنها، وسط كل هؤلاء العشاق.


كثيره يقتل


وقد أثارت مي زيادة غيرة الأدباء من حولها بثقافتها وأدبها ورقتها، متعمدة ذلك أحياناً، مثلما اعترفت في رسالتها. وقد كان لهذه الغيرة عميق الأثر في نفوس بعض أصدقائها. فقد دفعت الغيرة الرافعي إلى مقاطعة صالونها وقطع الصلة بها. وأثَّرت في نفس العقاد أيضا ولم تخدم علاقته بها. مي زيادة كانت تعلم أنَّ العقاد يحترق غيرة، وكانت تستمتع بذلك مثلما أكدت له في رسالتها له من ألمانيا بتاريخ 30 أغسطس/آب 1925: «لا تحسب أنني أتهمك بالغيرة من جبران، فإنه في نيويورك لم يرني، ولعله لن يراني، كما أني لم أره إلا في تلك الصور التي تنشرها الصحف. ولكن طبيعة الأنثى يلذ لها أن يتغاير فيها الرجال وتشعر بالازدهاء حين تراهم يتنافسون عليها! أليس كذلك؟! معذرة، فقد أردت أن أحتفي بهذه الغيرة، لا لأضايقك، ولكن لأزداد شعورا بأن لي مكانة في نفسك، أهنئ بها نفسي، وأمتع بها وجداني…»


نستخلص من سيرة العقاد وشهادات أقرب الناس إليه وآثاره الأدبية واعترافاته، أنَّه لم يكن يبحث عن علاقة جنسية، ولا عن صلة صداقة، وإنما علاقة حب، وهو القائل: «ليس الحب بالشهوة؛ لأن الإنسان قد يشتهي ولا يُحِب، وقد يُحِب وتقضي الشهوة على حبه. وليس الحب بالصداقة؛ لأن الصداقة أقوى ما تكون بين اثنين من جنس واحد، والحب أقوى ما يكون بين اثنين من جنسين مختلفين.»


غير أنه، لم يكن ممكنا تجسيد هذه العلاقة أو ربما على الأقل مواصلة تجسيدها في الواقع. فقد وجد هذا الرجل المحافظ، الثائر، المتعصب لبعض أفكاره، نفسه أمام امرأة متحررة، مستقلة بأفكارها، مدافعة عن حقوق المرأة. وكانت مي محاطة بمجموعة من كبار الأدباء والمفكرين، حاضرة معهم بجسدها، غائبة عنهم بقلبها المتعلق بكاتب متحرر يحيا بعيدا عنها في مغارب الدنيا يدعى جبران.


العقاد من جهته لم يكن صادقاً في مشاعره تجاه مي. إذ أنَّ قلبه ظلّ متعلقا بامرأة أخرى أثناء علاقته بمي زيادة، وخصّ تلك المرأة بأحد مؤلفاته («سارة» إصدارات 1938)» دون غيرها. وما يؤكد هشـاشة هذا الحب تخلي العقاد عن مي زيادة، ساعة الضيق، عندما زُجَّ بها في مستشفى العصفورية حيث لامته في مذكراتها التي جمعها واسيني الأعرج.


٭ كاتب جزائري مقيم في بريطانيا


#الرواية_الجزائرية

#الأدب_الجزائري


#الأدب_العربي

#الأدب_المهجري