Tuesday 30 June 2015

البوكر 2015 : رد الاعتبار لأسلوب السرد الكلاسيكي في رواية الطلياني ل شكري المبخوت

مقالات نقدية\( الجزء ٢ من الدراسة)


رواية: الطلياني للكاتب شكري البختي الفائزة بجائزة البوكر ٢٠١٥

بقلم: الكاتب والمترجم: مولود بن زادي - المملكة المتحدة 

الصحيفة المنشورة فيها: يومية جزان نيوز السعودية 


إليكم مقالتي النقدية التي تتناول رواية الطلياني الفائزة بجائزة البوكر منشورة في اليومية السعودية "جزان نيوز"  أتقدم بخالص الشكر والتقدير للقائمين على هذه الصحيفة الموقرة وأخصّ بالذكر الكاتب القدير محمد المنصور. 

في هذا الجزء ستكتشفون:
- أسلوب شكري المبخوت في رواية الطلياني 
-أي فئة ستهتم بهذه الرواية 
-هل وفق شكري المبخوت فيما فشل فيه رواد الأدب العربي وهو تجنب الأخطاء اللغوية خاصة وأنه كاتب أكاديمي ومترجم وناقد؟ 
-ما السر في تألق هذه الرواية وتفوقها على 179 رواية مشاركة في مسابقة البوكر؟ 

بقلم مترجم وكاتب صاحب معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية الأول من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي 

المقالة:

ويبدو النص خبريا أقرب إلى التقارير الصحفية التي تطالعنا بها الجرائد والمجلات منه إلى السرد الروائي الفني الذي عادة ما يحرص فيه الأديب على انتقاء الألفاظ والتعابير وإدراج الصور البيانية، وهي جوهر الأدب، بما يسمح بالتعبير عن الأحاسيس والهواجس والمخاوف والأحلام والتطلعات ونقلها إلى القارئ والتأثير في المتلقي. فإنِ اقتطعنا أجزاء من هذه الرواية ومزجناها بالمقالات التقريرية لما تيسّر للقارئ - الذي لم يطّلع بعد على هذه الرواية - تمييزها منها. ولعل أبسط مثال على ذلك ما ذكره الروائي في الصفحة 16: " كان يرى، بمنطق رجل الاقتصاد والخبير المطّلع على الاقتصاد العالمي وتوجهاته، أنّ المسألة ترتبط باختيارات محدّدة للتموقع في الفضاءات الاقتصادية وبالخصوص في علاقة الاقتصاد التونسي بالاقتصادات الأوربية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا. ويركز على أن السياسة الاجتماعية في التعامل مع الملف الاقتصادي مجرد شعبوية أدّت إلى أزمة مع الاتحاد العام التونسي سنة 1978 وإلى أحداث الخبز سنة 1984."  فكأنّنا نطالع تقريرا صحفيا في أحد الجرائد اليومية.
فيا ترى ما هي الفئة التي يحتمل أن يثير اهتمامها مثل هذا المؤلَّف؟ يردّ على هذا السؤال بعض النقاد فيقول إنّ الرواية موجّهة إلى كل فئات المجتمع، وهذا، في اعتقادي، تصوّر خاطئ لا أساس له. فالأمر يتعلّق برواية سياسية تاريخية أسرف المؤلِّف في ملئها بالأحداث والأحاديث السياسية وانعكس ذلك على الحوارات فبدت مثقلة بالحديث السياسي الإيديولوجي وكثرت فيها المصطلحات السياسية وأسماء الأعلام، وهو عادة ما يستدعي شرحا وتوضيحا ويثير نقاشا واسعا وجدلا حادّا في المعاهد والجامعات. ومثال على ذلك هذا الوصف في الصفحة 54: " كانت تمجد كاوتسكي والحال أن جميع كتابات لينين تسبّه. تتحدّث حديث العارف عن روزا لوكسمبورغ وبانكوك وكارل كورش وجماعة فرانكفورت. ذكرت أسماء كوسترياديس وإدغار موران. قالت كلاما مختلفا عما قرأته وسمعته في شأن ألتوسير وغرامشي."
ومثال آخر في الصفحة 69: "مفاهيم عديدة لبيار بورديو" و"الهابيتوس"و"رأس المال الرمزي".
ويتكرّر ذلك كثيرا في هذا العمل، وهو ما يجعلنا نقول بكل ثقة إنّ الرواية قطعا موجّهة إلى الفئة الأكاديمية المثقفة وليس لعامة الناس. ولو أنّها ستحظى لا محالة بترويج ثقافي هام يشجّع على قراءتها ويثير فضول الجماهير على اختلاف مستوياتهم لمحاولة مطالعتها واكتشاف أسرارها وتلمس جمالياتها والتعرّف على الرواية التي هزمت كلّ الروايات المنافسة الأخرى لتفوز بجائزة في حجم البوكر.
وأخيراً نتساءل إلى أي حدّ وفّق شكري المبخوت فيما فشل فيه كبارُ الروائيين وهو تجنّب الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر، كما أوضحنا بالأدلة والشواهد في مقالاتنا النقدية السابقة، وهي أخطاء وصفتها الشاعرة البحرينية المشاركة في لجنة تحكيم جائزة البوكر " بروين حبيب " بالأخطاء الفادحة في حق اللغة العربية. نحن نعلم أن المبخوت باحث وأكاديمي ومترجم وسيد من سادة النقد الأدبي، وهو ما جعل صحيفة الصباح تقول إنّ روايته مجرّدة من الأخطاء. وإذا بها تخطئ في حكمها، فشكري المبخوت لم يكن معصوما من الأخطاء والهفوات، فقد أحصيتُ منها في الجزء الأول من الرواية ما يلي:
الصفحة 14:
"يربح الوقت حتى يقفل راجعا إلى سويسرا بعد يوم أو يومين": " قفل راجعا إلى المكان" خطأ والصواب أن نقول: " قفل إلى المكان" لأنّ فعل " قفل" يتضمّن الرجوع فلا نحتاج إلى تكراره كما جاء في لسان العرب: (قَفَل يَقْفُل إِذا عاد من سفره؛ " فإذا قَفَل الجيشُ إِلى دار العدوّ نالوا الفُرْصة منهم فأَغاروا عليهم". وقيل: "يحتمل أَن يكون سُئل عن قوم قَفَلوا لخوفهم أَن يَدْهَمَهم من عدوّهم مَن هو أَكثر عدداً منهم فقَفّلوا ليَستَضيفوا لهم عدداً آخر من أَصحابهم، ثم يَكُرُّوا على عدوّهم.")
الصفحة 15: "عبد الناصر لا يريد الحديث في أي شيء": الصواب: يتحدّث عن الشيء وليس فيه. وهذا التركيب بلا شيء من تأثير اللهجات العامية. جاء في تعريف معجم الغني: (تَحَدَّثَ: تَحَدَّثْتُ، أَتَحَدَّثُ، تَحَدَّثْ، مص. تَحَدُّثٌ تَحَدَّثَ الخَطِيبُ: تَكَلَّمَ تَحَدَّثَ عَنْ سَفَرِهِ: أَخْبَرَ بِهِ. "تَحَدَّثُوا عَنِ الأَحْدَاثِ الأَخِيرَةِ")
الصفحة 19: "في التلفاز تدور قناة للصور المتحركة":
الخطأ الأول: لا تدور القناة على الإطلاق وإنما تبث برامجها من حصص وأفلام وغير ذلك.
الخطأ الثاني: لا يقال "صور متحركة" وإنما "رسوم متحركة" وهو تعبير أجنبي ويُترجم إلى مختلف اللغات على ذلك النحو، فنجده مثلا في الفرنسية (dessins animés) وليس (photos animées) والتقنية تعتمد أصلا على الرسوم وليس الصور.
الصفحة 19: أهمل الكاتب استعمال أدوات الربط البلاغية فبدت الجملُ متقطّعة، فيفقد النص بذلك توازنه وجماله وبيانه وتأثيره، والكاتب في غنى عن ذلك، فاللغة العربية ثرية بأدوات الربط التي تضفي على النص تماسكا ووضوحا وجمالا مثل: "لم يكد يفعل كذا حتى حدث كذا" و"ينما كان يفعل كذا وقع كذا"، والفاء و"لذلك"... وحتى اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والإنجليزية التي تعتمد عادة على جمل قصيرة فإنّنا لا نرى فيها مثل هذه الجمل الممزقة. ومثال على ذلك هذا النص الممزّق الذي يشبه نشر قائمة أحداث: "أمامه ترمس قهوة. في التلفاز تدور قناة للصور المتحركة. كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة صباحاً. سأله أسئلة عادية عن أحواله وصحته. شكره على الزهور التي أخذ يتأملها. قال وهو يصب له فنجان القهوة."
الصفحة 27: " كان الوحيد الذي يستطيع أن يدعوَ أصدقائه إلى البيت." هذا خطأ نحوي، والصواب أن نكتب الهمزة على السطر لأن الاسم منصوب وليس مجرورا، فنقول: "يدعو أصدقاءه ". 
الصفحة 34: "ما خفي عن الأم أن الأب قد اتفق سرا مع ابنه." لا يقال "خفي عنه الأمر" وإنما يقال "خفي عليه الأمر" كما جاء في تعريف المعجم الوسيط: (خَفِي الشَّيْء خَفَاء وخفية استتر وَيُقَال خَفِي عَلَيْهِ فَهُوَ خَافَ وخفي وَهِي خافية (ج) خفايا وَيُقَال هُوَ خَفِي الْبَطن ضامره).
الصفحة 40: "لا أتبرّم البتة من وضعي.": تبرّم بالشيء وليس منه كما جاء في تعريف لسان العرب: (وقد أَبْرَمَهُ فلان إبْراماً أي أَمَلَّه وأَضْجَره فَبَرِمَ وتَبَرَّم به تَبَرُّما. ويقال: "لا تُبْرِمْني بكَثرة فُضولك.")
الصفحة 41: "وإن كان الكثير مما سمعته لا يروق لي." يقال: "راقه المنظر" وليس "راق له"  كما جاء في تعريف الصحاح في اللغة: (راقَني الشيءُ يَروقُني، أي أعجبني.)
الصفحة 46: "ولا تدخل إلى المراحيض في أوقات الاستراحة لتعمّر رأسها. "عمّر رأسه" تعبير مأخوذ من العامية وليس بالعربية الفصحى، وكلمة "عمّر" لها معاني مختلفة أبعد ما يكون عن المعنى الذي يقصده الكاتب وهو "نشوة التدخين". فقد جاء في المنجد في اللغة والأعلام: (عمّر المنزل: جعله آهلا، وعمّر الثوب: أجاد نسجه أو غزله، وعمّره أرضا: جعلها له طول عمره، وعمّر الرجل: عاش زمنا طويلا، وعمّره الله: أبقاه.)
الصفحة 68: "تخدم أجندات مشبوهة": استعمل الكاتب كلمات أجنبية في روايته العربية مثل كلمة " أجندات " نسبة إلى كلمة (Agenda) وهو في غنى عن ذلك لوجود ما يقابل هذه الكلمة في اللغة العربية مثل "برامج، مخططات، مشاريع" واختصاصه في اللغة والترجمة يتيح له معرفة المقابلات والفصيح منها، وكثير من الأمم يمنع استعمال ألفاظ أجنبية إن توفّرت مقابلاتها في اللغة!
الصفحة 69: "سروال الدجينز": "دجينز" خطأ والصواب "جينز" وهي الترجمة المتفق عليها لكلمة (Jeans)   والمستعملة حتى في برامج الترجمة الشهيرة مثل برنامج جوجل للترجمة.
وخلاصة القول إنّ رواية الطلياني قد أثبتت من الناحية اللغوية أنّ الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية باتت ظاهرة تلاحق أعمالنا الأدبية لا يفلت من قبضتها لا الكاتب الأكاديمي ولا الأديب غير الأكاديمي، مع ملاحظة هامة وهي أن أخطاء الكاتب الأكاديمي تبدو أقل عددا وفداحة من أخطاء الكاتب غير الأكاديمي.
وإن كنتُ أعيب على الكاتب استعمال ألفاظ عامية وأخرى أعجمية هو في غنى عنها لثراء اللغة العربية وحمايةً لها، فإني أحيّيه لاستعماله لغة عربية سهلة وواضحة ومشوّقة والدخول في الموضوع من غير لف أو دوران.
وبينما إعتقدَ بعضُ النقاد أنّ الأسلوب الكلاسيكي قد ولّى للأبد بعد ظهور الأسلوب الشعري في الرواية، ها هي رواية الطلياني تفوز اليوم بالجائزة العالمية بأسلوبها السردي الكلاسيكي البسيط وهو الأصل والأفضل لكتابة رواية الذاكرة ووصف الواقع.
لرواية الطلياني وزنها الخاص ومقامها المميّز بما تحمله من أفكار مرتبطة بتاريخ تونس والواقع التونسي وهذا بلا شك السر في تألقها وفوزها بالجائزة، فالتاريخ يشهد على أن الكثير من الأدباء العالميين بلغوا العالمية انطلاقاً من خصوصية ارتباط أعمالهم بواقع مجتمعاتهم، ومن هؤلاء أذكر الروائي الفرنسي باتريك موديانو مؤلِّف رواية "الشخص المفقود" الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 2014، وهو من وُصف في تقرير لجنة نوبل بـ "أديب الذاكرة". وقبل ذلك مُنحت الجائزة للفرنسي جان ماري غوستاف لو كليزيو سنة 2008 ولماريو بارغاس يوسا الإسباني الجنسية سنة 2010 لأعماله الواقعية التي تناولت هموم بلده الأصلي البيرو وسياسته. فالأدب لا يتمثّل في ملء صفحات الكتاب بالصور البيانية والخواطر والأشعار وما شابه ذلك وإنما هو قبل كلّ شيء تعبير عن أفكار ووصف واقع وتذكر.
----------------------
مولود بن زادي - كاتب جزائري مقيم في بريطانيا

رابط المقالة:

https://m.facebook.com/JazanNews/posts/879692718792240:0

Wednesday 24 June 2015

جائزة البوكر 2015: فوز رواية الطلياني للكاتب شكري المبخوت فوز رواية الذاكرة وأسلوب السرد الكلاسيكي


مقالات نقدية\( الجزء الأول من الدراسة)
الجزء الثاني سينشر في عدد الغد إن شاء الله 

رواية: الطلياني للكاتب شكري البختي الفائزة بجائزة البوكر ٢٠١٥

بقلم: الكاتب والمترجم: مولود بن زادي - المملكة المتحدة 

إليكم مقالتي النقدية التي تتناول رواية الطلياني الفائزة بجائزة البوكر منشورة في اليومية السعودية "جزان نيوز"  أتقدم بخالص الشكر والتقدير للقائمين على هذه الصحيفة الموقرة وأخصّ بالذكر الكاتب القدير محمد المنصور. 

المقالة:

     البوكر 2015: انتصار رواية الذاكرة وأسلوب السرد    الكلاسيكي

"الطلياني" هو عنوان أوّل رواية للكاتب الأكاديمي التونسي شكري المبخوت شارك بها في مسابقة الجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2015، ورغم قلّة خبرته في عالم الرواية، استطاعت أن تتقدّم كلّ الأعمال المشاركة في المنافسة وعددها الإجمالي 180 رواية لتعتلي منصّة التتويج، فترتقي منها عاليا في فضاء التألق والمجد والخلود، الذي لا تحدّه حدود، من غير قيود.
ومنذ البداية اختلفت ردود الأفعال والمواقف فيها، وأثير فيها التجادل والتساؤل عما إذا كانت حقا الرواية الأفضل والأجدر بالفوز من بين كلّ الأعمال المشاركة في مسابقة (البوكر).
زكّى فوزَها واستمات في الدفاع عنها البعضُ من أمثال صحيفة الصباح التونسية التي هبّت تهاجم أولئك الذين شككوا في مصداقية النتيجة واعتبروا الروائي السوداني حمور زيادة أحق بالفوز، وما زالت تشيد بأسلوبها وبمكتسبات مؤلِّفها، فقالت عنها: "سلامة اللغة وروعة الأسلوب هي نقطة قوتها... فالمؤلف مختصّ في اللغة وله كتب في أجناس أدبية أخرى ومنها النقد، بخلاف أغلبية الروايات الأخرى المشاركة في المسابقة التي أثقلتها كثرة أخطاء التراكيب والرسم والنحو وركاكة الأسلوب، وإنّ قبول مثل هذه الأخطاء، حتى وإن كان أسلوب كتابة الرواية شيقا وجميلا، جريمة في حق اللغة العربية."
وحمل عليها آخرون فقالوا إنّها ضعيفة الأسلوب، تفتقر إلى جماليات الرواية، ولا تقدّم جديداً في مسيرة الرواية العربية لا من حيث البناء أو اللغة أو الخيال. قالت عنها جريدة البديل "إنّها رواية كلاسيكية أشبه ما تكون بـ ' كان يا ما كان في قديم الزمان'، فعندما يكتب أكاديمي رواية تخرج لنا رواية أكاديمية بعيدة عن أي دهشة أو جمال، سواء من ناحية الأحداث أو الشخصيات واختيار السارد ليكون صاحب البطل والبطلة."
من خلال الفقرات المقبلة سأسعى لعرض قراءة وجيزة لهذه الرواية من وجهة نظر كاتب يزعم أنّه يشترك مع الروائي شكري المبخوت في الاختصاص في اللغة والترجمة وكتابة النقد.
يقول الكاتب والمفكر المصري جابر عصفور: "الأصل فــي الإبــداع الروائــي لا يُحقـِّـق بعــده الإنســاني إلا بعــد أن يغــوص المبدع في المحلي أو الخاص إلــى أقصى درجة، وأن يكون مخلصا فــي هذا الغوص."
إذا تأملنا رواية الطلياني وجدناها بلا ريب تستوفي هذا الشرط إلى أبعد حدّ، فالرواية مرتبطة بالواقع المحلي التونسي. إنّها نافذة مفتوحة على مصراعيها تطلّ بنا على ماضي تونس بكل تناقضاته وتعقيداته، تستنطق التاريخ وترحل بنا من خلاله إلى رحاب تونس في فترة الانقلاب الأبيض الذي أطاح به زين العابدين بن علي نظامَ قائدِ الثورة الحبيب بورقيبة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي، وتدعونا إلى الحرم الجامعي حيث تدور غالبية أحداث الرواية فتغوص بنا في عالم الطلبة وتنظيماتهم السياسية وصراعاتهم الإيديولوجية غير المتناهية.
ولعلّ أوّل ما يثير انتباهنا ونحن نتأمل رواية الطلياني هو عنوانها. وللعنوان بالغ الأثر في جذب القراء وإثارة اهتمامهم وهو مدخل الرواية وجزء منها، قال عنه الباحث المغربي جميل حمداوي: "العنوان من أهم عناصر النص الموازي وملحقاته الداخلية نظرا لكونه مدخلا أساسيا في قراءة الإبداع الأدبي والتخيلي بصفة عامة، والروائي بصفة خاصة. ومن المعلوم كذلك أن العنوان هو عتبة النص وبدايته، وإشارته الأولى. وهو العلامة التي تطبع الكتاب أو النص وتسميه وتميزه عن غيره." فهل أحسن شكري المبخوت اختيار عنوان روايته؟ لا أظن ذلك ويبقى الحكم في آخر الأمر للقراء. فكلمة "الطلياني" من الناحية اللغوية كنية نجدها في اللهجات العامية المغاربية وليس لها مكان في اللغة العربية الفصحى، ولا نجد لها أثرا في اللهجات المتداولة في بلدان المشرق العربي وقد يستعصي على الكثير من القراء فهمها. ثم "الطلياني" هو أحد شخوص الرواية واسمه الحقيقي فيها "عبد الناصر" إضافة إلى زينة وشخصية الراوي، فلماذا لم يستعمل "زينة" ودورها في القصة كان مثيرا، لا يقلّ أهميّة عن دور عبد الناصر أم أنّ للتفرقة الجنسية أثار حتى في كتابات مثقفينا؟! ثمّ لماذا يستعمل الكاتب اسمَ أحد الشخوص إن كان الأساس الذي قامت عليه الرواية هو واقع تونس التاريخي والسياسي والاجتماعي وليس شخص معين؟! في سنة 1862 نشر الكاتب الفرنسي (فيكتور هيجو) روايته الشهيرة التي تتحدث عن البؤس والظلم في فرنسا فأطلق عليها عنوان "البؤساء" ولذلك معنى وعلاقة بمضمون الرواية ولم يطلق عليها اسم أحد شخوصها من أمثال (جان فالجان)، وفي ذلك عبرة بلا ريب. فبينما حرص (فيكتور هيجو) على انتقاء عنوان له دلالة وعبرة وصلة بمضمون القصة والمجتمع والواقع يفهمه الجميع، اختار شكري المبخوت اسما من الشارع لا صلة له بموضوع الرواية ولا بالواقع التونسي ولا حتى باللغة العربية التي كتب بها قصته!
إضافة إلى عبد الناصر وزينة، استخدم الكاتب شخصية أخرى تتمثّل في الراوي الذي نراه يشارك في القصة من خارجها. تبدو هذه الشخصية غريبة وخيالية، أبعد ما يكون عن الواقع في رواية تتناول الواقع، وإلاّ كيف نفسّر قدرة هذه الشخصية العجيبة على معايشة كلّ الأحداث ومعرفة كلّ صغيرة وكبيرة هنا وهناك بما في ذلك قدرتها على وصف العلاقات الجنسية التي شارك فيها الطلياني وزينة بكلّ تفاصيلها وكأنّ الراوي حاضر في كلّ مشهد من مشاهدها، عليم، بصير، على كلّ شيء قدير، وهو ما يبدو بعيدا عن المنطق والواقع في رواية مرتبطة بالواقع، والكاتب في غنى عن ذلك، فما الذي يمنعه من إشراكه في الرواية داخلها مباشرة مثل البطلين الآخرين؟!
ما يثير انتباهنا أيضا هو حجم هذا العمل الهائل إذ أنّه يقع في نحو 346 صفحة، وهنا نتساءل: هل كان من الضروري أن يصدر هذا العمل في هذا الحجم؟ أعتقد أن الكاتب أسرف في ذكر الأحداث والحوارات السياسية وأطال فيها إلى درجة أنّنا قد نشعر أحيانا ببعض الملل وبالرغبة في الانتقال إلى الفقرات والصفحات الموالية مع أنّنا نشهد له أنّ الرواية تبدو مشوّقة منذ البداية وأبعد ما يكون عن اللّف والدوران الذين نشاهدهما في الكثير من الأعمال المعاصرة. أعتقد أنه كان بإمكان الكاتب نشر هذه الرواية في صفحات أقل من ذلك بكثير دون التأثير في المضمون في مجتمعات عربية معروفة بعزوفها عن القراءة.
اعتمد الكاتب في هذه الرواية على أسلوب سردي متدفق يعنى بعرض الحدث وإيصال الفكرة ولا يهتم كثيرا بالجانب اللغوي والقالب الفني. وغلبت على النص البنية الحوارية، وكان الحوار المشحون بالشرح الأيديولوجي المسهب وبالتحليل السياسي الدقيق بين مختلف الشخصيات هو الحدث الأكثر تكراراً، والأوسع انتشاراً في الرواية.
يبدو أن الرجل قد استلهم معمار روايته السردي وما احتوته القصة من عناصر الإثارة والجنس من الأدب العالمي، فمثل هذه المشاهد ليس بالشيء الجديد أو الغريب على الإطلاق لمن يطالع الأدب العالمي، ولا عجب في ذلك فللدكتور شكري كفاءة في حقل اللغة وتجربة في ميدان الترجمة وقدرة على الاطلاع على الأعمال الأدبية العالمية باللغات الأجنبية التي تُكتب فيها، وهي مزية لا ينعم بها إلا قليل من الأدباء.
ويبدو النص خبريا أقرب إلى التقارير الصحفية التي تطالعنا بها الجرائد والمجلات منه إلى السرد الروائي الفني الذي عادة ما يحرص فيه الأديب على انتقاء الألفاظ والتعابير وإدراج الصور البيانية، وهي جوهر الأدب، بما يسمح بالتعبير عن الأحاسيس والهواجس والمخاوف والأحلام والتطلعات ونقلها إلى القارئ والتأثير في المتلقي. فإنِ اقتطعنا أجزاء من هذه الرواية ومزجناها بالمقالات التقريرية لما تيسّر للقارئ - الذي لم يطّلع بعد على هذه الرواية - تمييزها منها. ولعل أبسط مثال على ذلك ما ذكره الروائي في الصفحة 16: " كان يرى، بمنطق رجل الاقتصاد والخبير المطّلع على الاقتصاد العالمي وتوجهاته، أنّ المسألة ترتبط باختيارات محدّدة للتموقع في الفضاءات الاقتصادية وبالخصوص في علاقة الاقتصاد التونسي بالاقتصادات الأوربية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا. ويركز على أن السياسة الاجتماعية في التعامل مع الملف الاقتصادي مجرد شعبوية أدّت إلى أزمة مع الاتحاد العام التونسي سنة 1978 وإلى أحداث الخبز سنة 1984."  فكأنّنا نطالع تقريرا صحفيا في أحد الجرائد اليومية.
فيا ترى ما هي الفئة التي يحتمل أن يثير اهتمامها مثل هذا المؤلَّف؟ يردّ على هذا السؤال بعض النقاد فيقول إنّ الرواية موجّهة إلى كل فئات المجتمع، وهذا، في اعتقادي، تصوّر خاطئ لا أساس له. فالأمر يتعلّق برواية سياسية تاريخية أسرف المؤلِّف في ملئها بالأحداث والأحاديث السياسية وانعكس ذلك على الحوارات فبدت مثقلة بالحديث السياسي الإيديولوجي وكثرت فيها المصطلحات السياسية وأسماء الأعلام، وهو عادة ما يستدعي شرحا وتوضيحا ويثير نقاشا واسعا وجدلا حادّا في المعاهد والجامعات. ومثال على ذلك هذا الوصف في الصفحة 54: " كانت تمجد كاوتسكي والحال أن جميع كتابات لينين تسبّه. تتحدّث حديث العارف عن روزا لوكسمبورغ وبانكوك وكارل كورش وجماعة فرانكفورت. ذكرت أسماء كوسترياديس وإدغار موران. قالت كلاما مختلفا عما قرأته وسمعته في شأن ألتوسير وغرامشي."

À suivre 
يتبع غدا 

مولود بن زادي - كاتب جزائري مقيم في بريطانيا

رابط المقالة كاملة:

https://m.facebook.com/JazanNews/photos/a.422297661198417.1073741825.253510854743766/879154188846093/?type=1

Monday 22 June 2015

أقوال وحكم الكاتب مولود بن زادي في موضوع اللحظات الجميلة



"وإنْ كَانت اللحظَاتُ الجَمِيلَةُ فِي حَيَاتِنَا تمضِي في لَمْحَةِ بَصَر،
فإنّها في أعْمَاقِ قُلُوبِنَا وأرْوَاحِنَا سَتَظَلُّ حَيَّةً مَدَى العُمْر. "
بقلم الكاتب مولود بن زادي

Saturday 20 June 2015

مولود بن زادي لصحيفة اللغة العربية التابعة للمؤتمر العالمي للغة العربية :آن الأوان لإعادة بعث النقد اللغوي لحماية اللغة العربية



مولود بن زادي لصحيفة اللغة العربية التابعة للمؤتمر العالمي للغة العربية:

"آن الأوان لإعادة بعث النقد اللغوي إنقاذا لأعمالنا الأدبية وحماية للغة العربية! "


"نشرت آنفا عدّة مقالات نقدية لغوية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية وشوائب أخرى وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء ، وكشفتُ عن الوجه الصحيح لها. وإنّي مؤهّل لذلك لأنّي في حقل الترجمة واللغة وصاحب معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية وهو الأول من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي. وما نقدتُ هذه الأعمال حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.

وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم إنّ ما أكتبه لا يخضع لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّ بعضهم هاجمني وانتقد منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم أحد النقاد على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر فيه عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير بلا ريب شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي يكتب به نقده، وإساءته استعمال المضاف والمضاف إليه، بل ويدلّ ذلك بلا شك على أنّه في الواقع يفكر بلغة أجنبية ثم يترجم أفكاره إلى العربية، وهذا خطأ فظيع، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية، بفضل المضاف والمضاف إليه، في غنى عن ذلك.
ويرمي هذا الناقد اللّغويين بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، فقواعد اللغة العربية واضحة تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
وها هو أحد الروائيين يفتتح روايته الجديدة بعبارة "كانت أقوالها في جلسة التحقيق ليست متناقضة" فيجمع فعلين ناقصين متناقضين في تركيب واحد! 
وها هي أدبية أخرى تكتب "الحصول إلى إجابة هذا السؤال" بدلا من "الحصول على إجابة هذا السؤال"، وتقول" قدرتي لفهم كذا" بدلا من "قدرتي على فهم كذا". وها هي أديبة أخرى تكتب"استحواذه بها" بدلا من"استحواذه عليها" كما جاء في القرآن الكريم:"استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون" (المجادلة-19). وها هو روائي آخر يكتب "أعطاني الإحساس أنه فعل كذا" وهو ترجمة ركيكة للعبارة الفرنسية il m'a donné l'impression 
والعرب قالوا بدلا من ذلك "أشعرني وأوهمني... وغير ذلك من التعابير العربية الفصيحة". و ها هم كتاب كثيرون يملؤون مؤلفاتهم بالحشو ومنه ما يعرف في علم البلاغة بالتطويل كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب والاستغناء عن إحداها لا يؤثّر في المعنى مثل البعد والنوى، والحزن والشجن، والحظ والنصيب. وها هم روائيون كثيرون يملؤون أعمالهم الروائية بالحوارات العامية والألفاظ الأعجمية التي لا يفهمها إلا القليل في الوطن العربي وهم في غنى عن ذلك... 
وهذه أدلة أخرى على ما آل إليه الأدب العربي اليوم في غياب الرقابة اللغوية!  

يبدو أنه قد غاب عنه وعن عن نقاد آخرين بأنَّ المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات، ولا عيب في ذلك على الإطلاق. 
لقد تراجع النقد اللغوي ليفسح المجال للنقد الأدبي الذي وإن تناول الفكرة والأسلوب معا إلا أنه أهمل اللغة وشوائب اللغة، ومعلوم أن من شروط الكتابة إتقان اللغة، فاستهان الأدباء بأحكامها وعاثوا فيها فسادا في زمننا هذا أكثر من أي وقت مضى. 
وإنّي، لكثرة الأخطاء وفداحتها وما تحمله من أخطار على اللغة والنشء والأجيال المقبلة، أدعو اليوم إلى إعادة بعث النقد اللغوي كمنهج نقدي مستقل أو مكمّل للنقد الأدبي، لإنقاذ أعمالنا الأدبية وحماية لغتنا العربية." 

رابط المقالة:
http://arabiclanguageic.org/view_page.php?id=6670

مولود بن زادي - كاتب مقيم في بريطانيا 





مولود بن زادي لصحيفة اللغة العربية : آن الأوان لإعادة بعث النقد اللغوي


مولود بن زادي لصحيفة اللغة العربية التابعة للمؤتمر العالمي للغة العربية:

"آن الأوان لإعادة بعث النقد اللغوي إنقاذا لأعمالنا الأدبية وحماية للغة العربية! "


"نشرت آنفا عدّة مقالات نقدية لغوية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية وشوائب أخرى وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء ، وكشفتُ عن الوجه الصحيح لها. وإنّي مؤهّل لذلك لأنّي في حقل الترجمة واللغة وصاحب معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية وهو الأول من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي. وما نقدتُ هذه الأعمال حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.

وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم إنّ ما أكتبه لا يخضع لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّ بعضهم هاجمني وانتقد منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم أحد النقاد على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر فيه عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير بلا ريب شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي يكتب به نقده، وإساءته استعمال المضاف والمضاف إليه، بل ويدلّ ذلك بلا شك على أنّه في الواقع يفكر بلغة أجنبية ثم يترجم أفكاره إلى العربية، وهذا خطأ فظيع، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية، بفضل المضاف والمضاف إليه، في غنى عن ذلك.
ويرمي هذا الناقد اللّغويين بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، فقواعد اللغة العربية واضحة تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
وها هو أحد الروائيين يفتتح روايته الجديدة بعبارة "كانت أقوالها في جلسة التحقيق ليست متناقضة" فيجمع فعلين ناقصين متناقضين في تركيب واحد! 
وها هي أدبية أخرى تكتب "الحصول إلى إجابة هذا السؤال" بدلا من "الحصول على إجابة هذا السؤال"، وتقول" قدرتي لفهم كذا" بدلا من "قدرتي على فهم كذا". وها هي أديبة أخرى تكتب"استحواذه بها" بدلا من"استحواذه عليها" كما جاء في القرآن الكريم:"استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون" (المجادلة-19). وها هو روائي آخر يكتب "أعطاني الإحساس أنه فعل كذا" وهو ترجمة ركيكة للعبارة الفرنسية il m'a donné l'impression 
والعرب قالوا بدلا من ذلك "أشعرني وأوهمني... وغير ذلك من التعابير العربية الفصيحة". و ها هم كتاب كثيرون يملؤون مؤلفاتهم بالحشو ومنه ما يعرف في علم البلاغة بالتطويل كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب والاستغناء عن إحداها لا يؤثّر في المعنى مثل البعد والنوى، والحزن والشجن، والحظ والنصيب. وها هم روائيون كثيرون يملؤون أعمالهم الروائية بالحوارات العامية والألفاظ الأعجمية التي لا يفهمها إلا القليل في الوطن العربي وهم في غنى عن ذلك... 
وهذه أدلة أخرى على ما آل إليه الأدب العربي اليوم في غياب الرقابة اللغوية!  

يبدو أنه قد غاب عنه وعن عن نقاد آخرين بأنَّ المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات، ولا عيب في ذلك على الإطلاق. 
لقد تراجع النقد اللغوي ليفسح المجال للنقد الأدبي الذي وإن تناول الفكرة والأسلوب معا إلا أنه أهمل اللغة وشوائب اللغة، ومعلوم أن من شروط الكتابة إتقان اللغة، فاستهان الأدباء بأحكامها وعاثوا فيها فسادا في زمننا هذا أكثر من أي وقت مضى. 
وإنّي، لكثرة الأخطاء وفداحتها وما تحمله من أخطار على اللغة والنشء والأجيال المقبلة، أدعو اليوم إلى إعادة بعث النقد اللغوي كمنهج نقدي مستقل أو مكمّل للنقد الأدبي، لإنقاذ أعمالنا الأدبية وحماية لغتنا العربية." 

رابط المقالة:
http://arabiclanguageic.org/view_page.php?id=6670

مولود بن زادي - كاتب مقيم في بريطانيا 





Thursday 18 June 2015

تهاني رمضان بقلم الكاتب مولود بن زادي



                                                  
                           أقول لكم... 

    "أهديكُم بَاقَات وَرْدٍ بِكُلِّ الأشْكَالِ والألوَان،  
     يَنْبَعِثُ مِنْها عِطْرُ المَحبَّةِ والشَّوْقِ والحَنان، 
       وأحْلى التَّهَاني وأطيبُ الأمَاني لرَمَضان،
      شَهْر العِبادةِ والرَحّمةِ والتَّوْبة والغُفْران، 
        وكلُّ سَنَةٍ وأنتمْ بخيرٍ وعَافيةٍ وأمَان."

              بقلم الكاتب: مولود بن زادي 
                      المملكة المتحدة    

Tuesday 16 June 2015

تهاني شهر رمضان من تأليف الكاتب مولود بن زادي




    "أهديكُم بَاقَات وَرْدٍ بِكُلِّ الأشْكَالِ والألوَان،  
     يَنْبَعِثُ مِنْها عِطْرُ المَحبَّةِ والشَّوْقِ والحَنان، 
 وأحْلى التَّهَاني وأطيبُ الأمَاني بمناسبةِ رَمَضان،
      شَهْر العِبادةِ والرَحّمةِ والتَّوْبة والغُفْران، 
    وكلُّ عَامٍ وأنتمْ بخيرٍ وفي عَافيةٍ وأمَان."

         مولود بن زادي - المملكة المتحدة    

Sunday 14 June 2015

معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية ل مولود بن زادي نقاط التوزيع



نقاط توزيع معجم الزاد 
قسنطينة 
مكتبة نوميديا تجارة بالجملة والتوزيع
مكتبة الشافعي 
مكتبة الباديسية
مكتبة  إقراء 
مكتبة الشهاب  2000
ديوان المطبوعات الجامعية  موزع للجامعات في الشرق 

 سطيف 
مكتبة بن دالي  تجارة بالجملة وتوزيع
بيت الحكمة تجارة بالجملة والتوزيع (العلمة) 

باتنة 
مكتبة الحياة (ممرات صالح نزار) 
مكتبة قرفي  (وسط المدينة) 
مكتبة الإحسان
مكتبة خير جليس 

بسكرة 
مكتبة بوزنادة 

وادي  سوف
مكتبة دار السلام 
مكتبة الصحوة الاسلامية 
مكتبة بن موسى 
مكتبة البردي 
مكتبة الافاق 

  ورقلة 
مكتبة اليا 

الجزائر
مكتبة العالم الثالث
ديوان المطبوعات الجامعية  موزع للجامعات في الوسط

البليدة 
بن زكور  تاجر بالجملة موزع 

وهران 
ديوان المطبوعات الجامعية موزع للجامعات في  الغرب 
دار العزة والكرامة 

تلمسان 
مكتبة الشعب  

عنابة 
مكتبة الثورة 


كلها وسط المدن كلها كبيرة ومعروفة تمارس نشاطها لأكثر من 30 عام 
ملاحظة التجار بالجملة والموزعين يبيعون لمكتبات أخرى كثيرة في محيطهم 


مِنْ مَزَايَا هَذَا المُعْجم:
1. هَذَا المُعْجَمُ هُوَ أحْدَثُ عَمَلٍ يُنْجَزُ إلىَ حَدِّ السَّاعَةِ فِي مَجَالِ المُتَرَادِفَاتِ والمُتَجَانِسَاتِ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ.
2. يَضُمُّ هَذَا المُعْجَمُ أكْثَرَ مِنَ 885000 مِنَ المُتَرَادِفَاتِ والمُتَجَانِسَاتِ فَيَكٌونُ بِذَلِكَ أوْسَعَ عَمَلٍ فِي هَذَا المَجَالِ بِدُوِن مُنَازِعٍ
3. إضَافَةً إلىَ الألْفَاظ المُتَرَادِفَةِ والمُتَجَانِسَةِ، يَضُمُّ هَذَا المُعْجَمُ الكَثِيرَ مِنَ التَّعَابِير المُتَقَارِبَةِ المَعْنَى مِثْلَ: مَا لَهُ شَاةٌ ولا بَعِيرٌ، لَيْسَ لَهُ مَبْرَكُ جَمَلٍ، مَا لَهُ ثَاغِيَةٌ ولاَ رَاغِيَةٌ، مَا لَهُ شَاةٌ ولا نَاقَةٌ، مَا لَهُ عَالٌ وَلاَ مَالٌ (أيْ لَيْسَ لَهُ شَيْءٌ)
4. يَضُمُّ هَذَا المُعْجَمُ أكثرَ مِنَ 5700 مِثَالٌ يُسَاعِدُ عَلَى تَوضِيح مَعَاني المُتَرَادِفَاتِ والمُتَجَانِسَاتِ العَرَبِيَّةِ خِلافاً لِلمَعَاجِمِ العَرَبِيَّةِ السَّابِقَةِ التِي رَكَّزَتْ فِي غَالِبِيَّتِهَا عَلَى ذِكْرِ هَذِهِ الألْفَاظِ دُونَ أمْثِلَةٍ تُوَضِّحُ طُرُقَ اسْتِعْمَالِهَا. ومَعْلُومُ أنَّهُ لا مَعْنَى للكَلِمَةِ خَارِج السِّيَاق. والأمْثِلَةُ الَّتِي ذَكَرْتُهَا فِي هَذَا المُعْجَمِ مَأخُوذَةٌ مِنَ القٌرآنِ الكَرِيمِ والحَدِيثِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ ومُؤَلَّفَاتٍ عَرَبِيَّةٍ قَيِّمَةٍ مِثْلَ دِيوَان الخَنْسَاء ومُؤَلَفَاتِ ابْنِ الأثِير وبَدِيع الزَّمَان الهَمذَانِي ومُصْطَفَى لُطْفِي المَنْفَلُوطِي وأحْمَد شَوقِي...
5. يَعْتَمِدُ هَذَا المُعْجَمُ عَلَى تَرْتِيبٍ أبْجَدِيٍّ مُتَكامِلٍ يُمكِّنُ البَاحِثَ مِنَ إيجَادِ مُرَادِفَاتِ كُلِّ لَفْظَةٍ مِنَ الألْفَاظِ المُتَرَادِفَةِ بِكُلِّ سهُوَلَةٍ بِطَلَبِهَا مُبَاشَرَةً وِفْقَ تَرْتِيبِهَا الأبْجَدِي، عَلَى عَكْسِ المَعَاجِمِ القَدِيمَةِ الَّتِي رَكَّزَتْ عَلَى ذِكْرِ المُتَرَادِفَاتِ والمُتَجَانِسَاتِ ضِمْنَ أبْوَابٍ أو مَوَاضِيعَ أو حَسْبَ المَعْنَى مِمَّا يُصَعِّبُ البَحْثَ عَنْهَا. 

معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية للكاتب مولود بن زادي



this HTML class. Value is نقاط توزيع معجم ال