Sunday 12 June 2016

رواية الطلياني لشكري المبخوت دراسة نقدية بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي

دراسات نقدية \

الرواية:
"الطلياني" الفائزة بجائزة البوكر ٢٠١٥ للكاتب التونسي شكري المبخوت

بقلم:
الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا


نشرتها: صحيفة "الناقد العراقي"  العراقية

الجزء الثاني: (يتناول شخصية الراوي /بنية النص)

المقالة:
"البوكر تردّ الاعتبار لأسلوب السَّرد الكلاسيكي!

"... فبينما حرص (فيكتور هيجو) على انتقاء عنوان له دلالة وعبرة وصلة بمضمون القصة والمجتمع والواقع يفهمه الجميع، اختار شكري المبخوت اسما من الشارع لا صلة له بموضوع الرواية ولا بالواقع التونسي ولا حتى باللغة العربية التي كتب بها قصته.

إضافة إلى عبد الناصر وزينة، استخدم الكاتب شخصية أخرى تتمثّل في الراوي الذي نراه يشارك في القصة من خارجها. تبدو هذه الشخصية غريبة وخيالية، أبعد ما يكون عن الواقع في رواية تتناول الواقع، وإلاّ كيف نفسّر قدرة هذه الشخصية العجيبة على معايشة كلّ الأحداث ومعرفة كلّ صغيرة وكبيرة هنا وهناك بما في ذلك قدرتها على وصف العلاقات الجنسية التي شارك فيها الطلياني وزينة بكلّ تفاصيلها وكأنّ الراوي حاضر في كلّ مشهد من مشاهدها، عليم، بصير، على كلّ شيء قدير، وهو ما يبدو بعيدا عن المنطق والواقع في رواية مرتبطة بالواقع، والكاتب في غنى عن ذلك، فما الذي يمنعه من إشراكه في الرواية داخلها مباشرة مثل البطلين الآخرين؟!

ما يثير انتباهنا أيضا هو حجم هذا العمل الهائل إذ أنّه يقع في نحو 346 صفحة، وهنا نتساءل: هل كان من الضروري أن يصدر هذا العمل في هذا الحجم؟ أعتقد أن الكاتب أسرف في ذكر الأحداث والحوارات السياسية وأطال فيها إلى درجة أنّنا قد نشعر أحيانا ببعض الملل وبالرغبة في الانتقال إلى الفقرات والصفحات الموالية مع أنّنا نشهد له أنّ الرواية تبدو مشوّقة منذ البداية وأبعد ما يكون عن اللّف والدوران الذين نشاهدهما في الكثير من الأعمال المعاصرة. أعتقد أنه كان بإمكان الكاتب نشر هذه الرواية في صفحات أقل من ذلك بكثير دون التأثير في المضمون في مجتمعات عربية معروفة بعزوفها عن القراءة. اعتمد الكاتب في هذه الرواية على أسلوب سردي متدفق يعنى بعرض الحدث وإيصال الفكرة ولا يهتم كثيرا بالجانب اللغوي والقالب الفني.

وغلبت على النص البنية الحوارية، وكان الحوار المشحون بالشرح الأيديولوجي المسهب وبالتحليل السياسي الدقيق بين مختلف الشخصيات هو الحدث الأكثر تكراراً، والأوسع انتشاراً في الرواية. يبدو أن الرجل قد استلهم معمار روايته السردي وما احتوته القصة من عناصر الإثارة والجنس من الأدب العالمي، فمثل هذه المشاهد ليس بالشيء الجديد أو الغريب على الإطلاق لمن يطالع الأدب العالمي، ولا عجب في ذلك فللدكتور شكري كفاءة في حقل اللغة وتجربة في ميدان الترجمة وقدرة على الاطلاع على الأعمال الأدبية العالمية باللغات الأجنبية التي تُكتب فيها، وهي مزية لا ينعم بها إلا قليل من الأدباء.

ويبدو النص خبريا أقرب إلى التقارير الصحفية التي تطالعنا بها الجرائد والمجلات منه إلى السرد الروائي الفني الذي عادة ما يحرص فيه الأديب على انتقاء الألفاظ والتعابير وإدراج الصور البيانية، وهي جوهر الأدب، بما يسمح بالتعبير عن الأحاسيس والهواجس والمخاوف والأحلام والتطلعات ونقلها إلى القارئ والتأثير في المتلقي. فإنِ اقتطعنا أجزاء من هذه الرواية ومزجناها بالمقالات التقريرية لما تيسّر للقارئ - الذي لم يطّلع بعد على هذه الرواية - تمييزها منها. ولعل أبسط مثال على ذلك ما ذكره الروائي في الصفحة 16: " كان يرى، بمنطق رجل الاقتصاد والخبير المطّلع على الاقتصاد العالمي وتوجهاته، أنّ المسألة ترتبط باختيارات محدّدة للتموقع في الفضاءات الاقتصادية وبالخصوص في علاقة الاقتصاد التونسي بالاقتصادات الأوربية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا. ويركز على أن السياسة الاجتماعية في التعامل مع الملف الاقتصادي مجرد شعبوية أدّت إلى أزمة مع الاتحاد العام التونسي سنة 1978 وإلى أحداث الخبز سنة 1984." فكأنّنا نطالع تقريرا صحفيا في أحد الجرائد اليومية.

فيا ترى ما هي الفئة التي يحتمل أن يثير اهتمامها مثل هذا المؤلَّف؟ يردّ على هذا السؤال بعض النقاد فيقول إنّ الرواية موجّهة إلى كل فئات المجتمع، وهذا، في اعتقادي، تصوّر خاطئ لا أساس له. فالأمر يتعلّق برواية سياسية تاريخية أسرف المؤلِّف في ملئها بالأحداث والأحاديث السياسية وانعكس ذلك على الحوارات فبدت مثقلة بالحديث السياسي الإيديولوجي وكثرت فيها المصطلحات السياسية وأسماء الأعلام، وهو عادة ما يستدعي شرحا وتوضيحا ويثير نقاشا واسعا وجدلا حادّا في المعاهد والجامعات. ومثال على ذلك هذا الوصف في الصفحة 54: " كانت تمجد كاوتسكي والحال أن جميع كتابات لينين تسبّه. تتحدّث حديث العارف عن روزا لوكسمبورغ وبانكوك وكارل كورش وجماعة فرانكفورت. ذكرت أسماء كوسترياديس وإدغار موران. قالت كلاما مختلفا عما قرأته وسمعته في شأن ألتوسير وغرامشي." ومثال آخر في الصفحة 69: "مفاهيم عديدة لبيار بورديو" و"الهابيتوس"و"رأس المال الرمزي". ويتكرّر ذلك كثيرا في هذا العمل، وهو ما يجعلنا نقول بكل ثقة إنّ الرواية قطعا موجّهة إلى الفئة الأكاديمية المثقفة وليس لعامة الناس. ولو أنّها ستحظى لا محالة بترويج ثقافي هام يشجّع على قراءتها ويثير فضول الجماهير على اختلاف مستوياتهم لمحاولة مطالعتها واكتشاف أسرارها وتلمس جمالياتها والتعرّف على الرواية التي هزمت كلّ الروايات المنافسة الأخرى لتفوز بجائزة في حجم البوكر..."

(تتبع)

WORDPRESS:
ابط المقالة:
http://www.alnaked-aliraqi.net/article/33646.php

الناقد العراقي:
http://www.alnaked-aliraqi.net/article/33646.php

#شكري_المبخوت
#الطلياني
#رواية_الطلياني
#نقد
#دراسات_نقدية
#البوكر
#جائزة_البوكر
#البوكر_2015
#مولود_بنزادي
#مولودبنزادي
#نقد_الطلياني
#النقد_العربي
#الأدب_العربي
#الأدب_التونسي
#الأدب_الجزائري
#الرواية_التونسية
#الرواية_الجزائرية
#mouloudbenzadi
#mouloud_benzadi
#le_roman_algerien

No comments:

Post a Comment