Monday 15 December 2014

مولود بن زادي يرد على من عاتبه على نقد أحلام مستغانمي

الجزء الثاني من الحوار وفيه توضيح لمن عاتبني على مقالتي النقدية التي تناولت "الأسود يليق بك" لأحلام مستغانمي.

مولود بن زادي - لندن المملكة المتحدة
_______________________________________

الحوار

الصحفي:
-حدثنا قليلا عن تلك المقالة التي تناولت رواية أحلام مستغانمي. هل كان لها صدى إيجابي أم سلبي؟

بن زادي:
-كان عنوان المقالة "الأخطاء اللغوية والألفاظ العامية لا تليق بك في رواية الأسود يليق بك" ومن خلالها كنت أود أن أوجّه رسالة إلى مواطنتي المحترمة أحلام وكل الأدباء وأنا واحد منهم وهذا الكلام يعنينا جميعا:

1. الرسالة الأولى: يجب علينا التأني واستشارة المعاجم العربية عند الكتابة، ليس العيب في ذلك مطلقا وإنما في إساءة استعمال الكلمات والتعابير ووضعها في غير محلّها وخلطها ببعضها وانتهاك أحكام لغة في مقام لغتنا العربية وهي لغة القرآن. والعيب أيضا في أن يتعلّم الأطفال أخطاءنا وتتوارثها الأجيال من بعدنا. وهذا الكلام لا يخص أحلام فحسب وإنما يخصّنا جميعا لأننا نشترك جميعا في ارتكاب مثل هذه الأخطاء. وأعطيكم هنا مثالا بسيطا ذكرته في تلك المقالة: فعل (رغب) لا يستعمل أبدا مع حرف الجر (ب) فمن الخطأ طبعا أن نكتب (رغب فلان بفلانة). يقال (رغب في) والمشكلة هنا هي أننا نرغب في الشيء وليس في فلان. لكن يمكن للكاتب أن يجد ما يشاء للتعبير عن أفكاره في لغة في مقام اللغة العربية وهي لغة ثرية بمفرداتها ومرادفاتها وكيف لا وابن خالويه اجتهد فوجد أكثر من 600 كلمة في الإشارة إلى حيوان واحد وهو الأسد في كتابه الشهير (أسماء الأسد). لابد أن نحذر جميعا عند استعمال الأفعال المتعدية لأنها ليست سهلة وقد يتغيّر المعنى بتغيير حرف الجر الذي يرافق الفعل. ففعل (رغب فيه) نقيض (رغب عنه). وفعل (دعا) يتغيّر معناه كلما غيرنا حرف الجرّ الذي يرافقه (ل، إلى، على). فالحذر إذا ضروري، ولقد كان الإنجليزي محقّا عندما أنشأ معاجم تختصّ في هذا النوع من الأفعال وأنا لي عمل في هذا المجال بعنوان (الأفعال المركبة الإنجليزية باللغة العربية). واليوم سأكون أول كاتب يدعو إلى تصنيف معجم الأفعال المتعدية باللغة العربية يشمل كلّ الأفعال المتعدية ويحدّد حروف الجر أو الأدوات التي ترافقها. وسيعين هذا المعجم الباحثَ على استعمال أحرف الجرّ والأدوات الصحيحة التي ترافق الأفعال المتعدية وإدراك معانيها المختلفة، فمثلا إذا لم نكن متأكدين من حرف الجر الذي يرافق فعل (استحوذ)، وهو مثال آخر مذكور في مقالة الأسود يليق بك، نستشير هذا المعجم فنرى (استحوذ عليه) وليس (استحوذ به)، على منهاج معجم الأفعال المركبة الإنجليزية English Phrasal Verbs

2. الرسالة الثانية: نحن في غنى عن استعمال اللهجات العامية والألفاظ الأجنبية في رواياتنا لأن اللهجات العربية كثيرة ومعقدة ولا تخضع لأية قواعد. أنا أعمل في لندن وألتقي مشارقة لا يمكنهم بأي حال من الأحوال فهم لهجاتنا الجزائرية، وما أكثر ما يستعمل المشارقة مترجمين أثناء رحلات العمل إلى الجزائر، فلمَ نملأ رواياتنا بحوارات عامية لا يفهمها إلا القليل ونحن في غنى عنها! ألم يكتب ميخائيل نعيمة رواية (يا ابن آدم)، وهي كلها حوارات، بلغة عربية فصيحة يفهمها الجميع! ولماذا الألفاظ الأجنبية وبأحرف لاتينية وهل شاهدنا يوما رواية غربية فيها كلمات عربية مكتوبة بأحرف عربية! هذا ما كنت أود أن أوصله إلى مواطنتي أحلام مستغانمي وإلى كل الكتاب الجزائريين والعرب الذين ما زالوا يستعملون الألفاظ العامية والأجنبية في رواياتهم وكأنها موضة أو إبداع وهي دمار للغتهم وأعمالهم وما أكثرهم.
المقالة أحدثت ضجّة في الوطن العربي وتناقلتها صحف ومواقع كثيرة من المحيط إلى الخليج وهو ما فاجأني. وما فاجأني أكثر هو ردّ فعل الجماهير. كنت أودّ مشاهدة ردّا يفنّد ما ذكرتُه في المقالة ضمن منافسة فكرية موضوعية ينتفع منها القارئ، وإذا بالجمهور يردّ عليّ بالإهانة والشتم والاتهام الباطل. والعجيب في الأمر أنّ بعض هؤلاء لم يقرأ أبدا لأحلام مستغانمي وبعضهم قرأ وتاه ولم يفهم شيئا وهذا ما اعترف به بعضهم في رسائل.  عاتبني البعض تعصّبا لأني انتقدت كاتبة هي قبل كل شيء مواطنتي، ولامني البعض لأنه لا يؤمن بالنقد أساسا، وآخذني البعض لأنّي كنتُ أبدو شديد اللهجة في تلك المقالة.

وأغتنم فرصة هذا الحوار لأردّ على هؤلاء فأقول إنّي أعيش في المجتمع البريطاني وفيه تتعايش كل أجناس الدنيا ولو تعاطف الإنجليزي مع ابن جلدته الإنجليزي لما كانت لنا فرص متساوية ولما كانت لنا وظائف وسكن وما شابه ذلك كأبناء هذا البلد الأصليين، بل ولاستحال العيش في مثل هذا المجتمع ونحن بين أهاليه غرباء ليسوا منا في شيء.

ثم لماذا ينتقد العقاد أحمد شوقي وهو مواطنه، ولماذا يكلِّف المازني نفسه عناء نقد عبد الرحمن شكري والمنفلوطي وهم جميعا من بلد واحد. لابدّ أن نؤمن بمبادئ العدل والمساواة واحترام كل الخلق بغضّ النظر عن الجنسية والأصل والدين والجنس. فرغم النقد المتبادل نبقى أصدقاء ونتعايش ونتعاون بكل روح رياضية.  وأقول لمن لا يرغب في مشاهدة النقد: "لَوْ نَطَقَ الأدَبُ وسُئِلَ عَنِ النَّقْدِ،  لقَالَ: النَّقْدُ لَهُ ظِلٌّ ورَفِيقٌ لِلْأبَدِ."  يحتاج الإنسان بفطرته إلى من يراقبه في مجالات كثيرة في حياته وإلاّ غفل عن أمره، وسها عن واجباته وعاث في الدنيا فسادا. فالعامل في المصنع يحتاج إلى مراقب ليقوم بعمله بإتقان، والحاكم يحتاج إلى معارض ليحكم بعدل، والأديب بدوره يحتاج إلى ناقد ينبّهه إلى أخطائه ونقائصه، وما الكمال إلا للمولى تعالى.

نشرت الحوار اليومية الجزائرية "الوطن"  وصحيفة "سطيف نيوز"

No comments:

Post a Comment