Benoît Lacroix
أقوال عالمية \
المفكر والفيلسوف الكندي Benoît Lacroix
ترجمة من الفرنسية وتصميم: الكاتب مولود بن زادي
"الحُبُّ مثل الشجرة التي
لابد أن تضرب بجذورها في الأعماق،
لتستطيع أن تصمد في وجه الرياح."
بونوا لاكروا
Benoît Lacroix
أقوال عالمية \
المفكر والفيلسوف الكندي Benoît Lacroix
ترجمة من الفرنسية وتصميم: الكاتب مولود بن زادي
"الحُبُّ مثل الشجرة التي
لابد أن تضرب بجذورها في الأعماق،
لتستطيع أن تصمد في وجه الرياح."
بونوا لاكروا
رواية "مَا وَرَاءَ الأُفُقِ الأزْرَق" رواية سيرة مقتبسة من قصّة حقيقية تحمل كل سمات الأدب المهجري من حنين جارف إلى الأوطان وهروب إلى الطبيعة والتأمل ونزعة إنسانية.. كتبت تحت سماء بريطانيا الممطرة ونشرت تحت سماء مصر المشمسة، إصدار سنة 2017 دار النخبة للنشر والتوزيع
عيد ميلادي🎂 + صدور روايتي الجديدة📖معاً!
يسعدني وأنا أحتفل بعيد ميلادي الموافق ل 23 يونيو /جوان، أن أعلن رسميا عن صدور روايتي الجديدة "مَا وَرَاءَ الأُفُقِ الأزْرَق" وأن أنشر غلافها الخارجي لأول مرة!
صدور روايتي الجديدة هو أجمل هدية في عيد ميلادي.
أشكر كل الأصدقاء الذين أمطروني برسائل التهاني وإني أرد عليهم جميعا من خلال هذا المنشور فأقول :
Many Many thanks!
ألف شكر وتحية لكم جميعا.. لن أنساكم أبدا.. وسعيد كل السعادة بالتعرف على أشخاص في مقامكم ❤️💞💋
أعدكم بما يلي قريبا:
-مقالة جديدة عميقة في الأيام القادمة
-بدأت أفكر في روايتي القادمة التي وعدتكم بها قبل سنوات طويلة بعنوان "فتاة من النمسا" وستكون بلا شك آخر رواية واقعية في حياتي.. وإن طال العمر بعد ذلك سأحاول الرواية الخيالية التي ستكشف جانبا خفيا من شخصيتي وتفكيري وتتناول مواضيع مثل الوجود..
أتقدم بخالص الشكر والتقدير لمؤسسة "دار النخبة للنشر والتوزيع" المصرية التي تولت نشر روايتي وأخص بالذكر المدير الرائع الأستاذ Osama Ibraheem للاهتمام /الحرص /الاحترافية /الجودة العالية /الاهتمام بالتواصل مع الكتاب والرد على كل الرسائل دون تأخر وتقبل الاقتراحات... سعدت حقا بالتعامل مع هذه المؤسسة الرائعة!
تقبلوا جميعا فائق احترامي
مولود بن زادي - لندن المملكة المتحدة 🇬🇧
أقوال الأدباء \
بقلم: الرائع ميخائيل نعيمة (أدب المهجر)
تصميم وإخراج الكاتب #مولود_بنزادي
"متى يُدرك النّاس أن الحق
ينفر من كل خصام،
و أنهم ما اختصموا يوماً
من الأيام إلا على باطل؟"
ميخائيل نعيمة
ليس مَن ينكر أنّ زعيم حزب المحافظين في المملكة المتحدة السابق ديفيد كاميرون فشل في رهانه على بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي حينما دعا إلى استفتاء 23 حزيران/يونيو 2016 لاختيار بقاء بريطانيا أو خروجها من الاتحاد الاوروبي حيث تفوّق التصويت بالخروج بنسبة 51.9 في المائة. وكان من نتائج تلك الهزيمة استقالة رئيس الوزراء. وما كان ديفيد كاميرون آنذاك مضطرا إلى الدعوة إلى مثل ذاك الاستفتاء المثير للجدل والذي حرص كلُّ مَن سبقه على تجنّبه من باب الحكمة والحيطة خشية العواقب، ومن هؤلاء رئيس الوزراء السابق توني بلير.
لكنّ شعور ديفيد كاميرون المفرط بالثقة آنذاك حثّه على المغامرة. واللعبة السياسية ليست مجرد مقامرة، ولا مفرّ فيها من الحكمة والديبلوماسية وبُعْد النظر وتأمّل كلّ النتائج المحتملة في كلِّ قرار، ما بالك إن كان القرار "كُن أو لا تكون" في المجتمع الأوربي الصديق والسوق الأوربية المشتركة ومصير علاقات المملكة المتحدة بجيرانها وشركائها ومستقبل دولة عظمى في حجم بريطانيا. والرهان يبقى مجرّد رهان، وفيه قد يكرم المرء أو يهان. وهكذا دفع الرجل ثمناً باهظا لقراره الجريء. ونتيجة ذلك الخطأ، فقدت بريطانيا عضويتها ومكانتها في الاتحاد الأوروبي وفقَدَ رئيس الوزراء البريطاني الشاب والطموح كاميرون وظيفته حيث اتخذ قراره الاستقالة من غير تردّد مباشرة بعد إعلان النتائج. فخلفته زميلته في الحزب المحافظ تريزا ماي.
ولم تكن تريزا ماي أحسن حظّاً من ديفيد كاميرون. فاختيارها لمنصب رئاسة الوزراء بدا مثيراً للجدل. فقد كان يُفترض أن يتولّى هذا المنصب أحد رواد الحملة الداعية إلى خروج بريطانيا من الاتحاد المنتصرين في الاستفتاء من أمثال بوريس جونسون ونايجل فريج. لكنّ هؤلاء اعتذروا وأفلتوا من ذلك، بلا شك لترقّبهم صعوبة مهمة التفاوض مع الشريك الأوربي وثقل مسؤولية قيادة بريطانيا خارج الاتحاد الأوروبي بثقة وأمان.
وإذا بتريزا ماي المنهزمة في الاستفتاء تتولّى هذه المهمة وهي مَن دافعت طويلاً عن بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي وصوتت على ذلك، وقيادة المملكة المتحدة خارج الاتحاد الأوروبي تتعارض طبعاً مع مبادئها. ومهما كان، فقد شاءت الصدف أن تتولّى هذا المنصب، وكان من الضروري مباشرة العمل والمضي إلى الأمام ومواجهة الواقع. وهذا الواقع بدا صعبا منذ البداية. فمنذ استلامها الحكم، لم تنعم بالراحة في هذا المنصب المتطلّب. ولم تسلم مواقفُها وقراراتها من المعارضة والنقد. فقررت في نهاية الأمر الدعوة إلى إجراء انتخابات برلمانية تسعى من خلالها للحصول على الغالبية المطلقة في البرلمان، وهو ما من شأنه أن يمنحها سلطة أوسع ويسمح لها بفرض قراراتها بغير مشقة، ويصدّ الأبواب في وجه معارضيها. وكأنّ التاريخ يعيد نفسه. فتريزا ماي، مثل رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون، بدت واثقة من نفسها أكثر من اللازم، فقد توقّعت فوزاً ساحقاً بهذه الانتخابات وحصد الأغلبية المطلقة ودعما لا حدود له من المجتمع البريطاني.
وتهبّ الرياح بما لا تشتهي السفن. فها هي نتائج الانتخابات البرلمانية البريطانية تخيّب أملها. فقد أجمع المتتبعون على فشلها في رهانها، حيث اكتفى حزبها بالفوز ب 318 صوت. يلي ذلك المنافس التقليدي حزب العمال الفائز بسبة 262. وهذا الفوز يعدّ خسارة وكيف لا وحزب المحافظين كان في أفضل حال في البرلمان السابق ب 330 مقعد ساعات قبل ظهور هذه النتائج؟! وها هو حزب العمال بزعامة جيريمي كوربين يحقق تقدما ساحقا لم يكن في الحسبان. فيذكي فوزه نار المنافسة بين المحافظين والعمال من جديد بعد انفراد الحزب المحافظ بالريادة من غير منازع طويلا.
ورغم هذا الأثر العظيم، ها هي عاصمة الضباب تستفيق في اليوم الموالي للاقتراع في أجواء عادية وكأنه لم يحدث شيئا. فها هم سكان المدينة يخرجون للعمل أو لقضاء حاجاتهم الأخرى في صمتهم المعتاد – وهو صمت شهدته أحياء المدينة في يوم الاقتراع وقبله - والجميع يبدو هادئا، منشغلا بشؤونه الخاصة. ولا ترى أحدا مهتماً بمطالعة الأخبار السياسية أو راغباً في معرفة تفاصيل خبر الساعة في بريطانيا، ولا ترى مواطناً يثير موضوع الاقتراع أو يخوض في نتائجه وانعكاساته رغم أهميته. ولا ترى مَن يدافع عن هذا أو ينتقد ذاك. وكأن الاقتراع وقع في بلاد أخرى غير بريطانيا ولا يهم الشأن البريطاني! هكذا هو البريطاني دائما لا يتحدث عن السياسة ولا يخوض في المواضيع المثيرة للجدل، ويحتفظ برأيه لنفسه، ويحيا في صمت ويتخذ قراراته في صمت. وفي هذا الصمت العجيب، اتخذ البريطاني قراره بإيقاف رئيسة الوزراء تريزا ماي عند حدّها وحرمانها من الفوز بالأغلبية المطلقة، وتجريدها من بعض المقاعد في البرلمان، وفرض حكومة الأقلية عليها.
ستكون لهذه الهزيمة بلا ريب انعكاسات عظيمة مستقبلا. صحيح أن حزب المحافظين لم يفقد الكثير من المقاعد في البرلمان. وصحيح أنه احتفظ بالصدارة. لكن صدى هذه الهزيمة سيتردد طويلا ة بين أسوار البرلمان وفي أرجاء المملكة المتحدة. وقد يقنِع رئيسة الوزراء المنهزمة في هذا الرهان باقتفاء خطى رئيس الوزراء السابق والانسحاب وترك المجال لشخص آخر، يحظى بأكثر مصداقية وثقة في المجتمع البريطاني، يقي المحافظين، في مثل هذه الظروف، شرّ التعثر والفشل أمام حزب العمال الصاعد والذي يبدو اليوم في أفضل حال للعودة إلى الواجهة والمواجهة واستعادة الريادة مستفيدا من فشل المحافظين المتكرر في رهاناتهم حديثاً.
وليس من شك في أنَّ رسالة المجتمع البريطاني إلى رئيسة الوزراء واضحة وشديدة اللهجة وهي أن المجتمع المدني لن يمنحها رخصة للتصرف كما تشاء، واتخاذ القرارات التي تشاء، والسير ببريطانيا في أي اتجاه تشاء، دون استشارة ممثلي المجتمع وموافقة الأغلبية، ولن يرضى بأي سلطة مطلقة في بريطانيا العظمى المعروفة منذ قديم الزمان بتقديس مبادئ الحرية والعدالة والديمقراطية.
مولود بن زادي، كاتب جزائري مقيم في بريطانيا
قضية الروائي رشيد بوجدرة - قناة النهار :
موقف الكاتب مولود بن زادي - لندن
. لم يشارك في الاحتجاج إلا عشرات المثقفين، وهو دليل على أن الضجة مبالغ فيها وأن المثقفين منقسمون ولا يؤيدون جميعا هذا الاحتجاج، وشاهدنا مواقف كتاب ومثقفين معارضين لهذه الضجة وما أكثرهم، رغم الحملة التي أثارها بعض أصدقاء الروائي بوجدرة!
يشارك في هذه الوقفة عشرات المشاركين..
وفي الجنائز اليومية يشارك العشرات بل المئات! فأين هؤلاء من الاحتجاجات المليونية؟! ومع ذلك يوهمون العالم أنّ التجاوب مع نداء الاحتجاج كان كبيرا!!( مبالغة أخرى تضاف إلى مبالغة الضجة نفسها!)
وإني أتساءل: هل يستحق الأمر كل هذه الضجة؟!
. برنامج الكاميرا المخفية معروف عالميا بعمله على إثارة الضيوف لا سيما الشخصيات المعروفة.. وكثيرا ما نشاهد الغضب في وجوه المشاركين.. ونرى احيانا الدموع في أعينهم.. هذه هي طبيعة البرنامج ولا يمكننا تغييرها.. وكلما زاد الاستفزاز برز السلوك الطبيعي للشخص المشارك.. هذا البرنامج التلفزيوني لم يباغت بوجدرة في مكان ما في الشارع مثلا حتى يرتبك إلى هذا الحد ويفقد السيطرة على سلوكه.. حدث الأمر على البلاتو وأمام الكاميرا والشخص الذكي يدرك توا أن الأمر يتعلق ب كاميرا مخفية..
. لو تعلّق الأمر بدعوة إلى احترام حرية التعبير /المعتقد لما ترددت في الدفاع عن ذلك. لكني لن أشارك في الدفاع عن رجل أهان الجماهير وأساء إلى المشهد الأدبي بنزوله إلى مستوى أطفال الشارع والتلفّظ بالكلام الفاحش في برنامج فكاهي معروف بالاستفزاز والسخرية.
. ومع ذلك، فإني أعيب على أعضاء قناة النهار ربما:
-السخرية من إلحاد بوجدرة، فأنا أحيا في المجتمع البريطاني حيث يلتقي كل أجناس الدنيا ودياناتها وأؤمن بحرية التعبير وحرية المعتقد.
-محاولة الوقوف في طريقه ومنعه من المغادرة
. أعيب على بوجدرة فقدان السيطرة على النفس
أعيب عليه اللجوء إلى لغة غير مهذبة ردا على الاستفزاز وهو كاتب محترم معروف
. وأعيب على الأدباء وبعض الصفحات الأدبية المبالغة في ما جرى وكأنها نهاية الدنيا.. لقد نسي هؤلاء أن المرأة الجزائرية تهان بين جدران البيت وتضرب ولا أحد يدافع عنها.. ونسي هؤلاء أن الأطفال يهانون وكذلك العجزة والمتسوق في السوق.. إنها صورة عادية يحياها الناس في كل مكان! فلماذا نبالغ في ذلك الآن؟! ألأن الأمر يتعلق برشيد بوجدرة؟!.. ولماذا؟! هو بشر مثل كل البشر.
. ومهما كان أحترم أفكار هذا الزميل ومعتقده واعتبر ذلك شأنه لا يحاسبه فيه أحد.. ولا يحق لأحد أن يهينه بسبب أفكاره وتوجهاته.. والله بصير بما نعمل وهو على كل شيء قدير ولا يحتاج إلى مساعدة أحد من البشر.
. ولابد أن نتجاوز مستوى محاسبة الناس وإصدار الأحكام في حقهم والسعي لمعاقبتهم لتوجهاتهم.. ننظر إلى رشيد ككاتب وليس شيئا آخر.. وحياته لا تخص أحدا..
وانا سؤالي الآن وأنا أشاهد هذه السياسة المزدوجة: لو حصل ما حصل لشخص عادي يبلغ من العمر 75 سنة ولم يكن هذا الشخص بوجدرة صديق المشرف على صفحة أبوليوس وآخرين، هل كان هؤلاء قد فعلوا ما فعلوه؟!
بوجدرة ليس مجبرا على تلبية دعوة قناة معروفة ببرامج الكاميرا الخفية.
بوجدرة ليس مجبرا على الرد على الأسئلة التي تستفزه ويمكنه طلب الانسحاب من الحصة دون شتم أحد ودون التلفظ بكلام قبيح لا نسمعه إلا في الشارع، من أولاد غير مؤدبين! فكيف يصدر من "أديب"؟!
رشيد بوجدرة بشر وليس له حصانة تحد من حرية رجال الإعلام..
ثمة قانون في الجزائر وفي كل بلدان العالم.. إذا شعر الرجل أن رجال قناة النهار أهانوه يمكنه اللجوء إلى القانون والقانون يحمي المواطن وحريته وكرامته.
لكن يصل الأمر إلى حد نزول بوجدرة إلى مستوى أطفال الشارع والتلفظ بكلام قبيح، فهذا غير حضاري وغير مقبول ومن المفروض يعتذر للجماهير، فقد أهانها وأساء إلى المشهد الأدبي الذي لم يعد يشارك فيه إلا بالاسم والمنزلة التي كان يحتلها يوما الموروثة من الماضي.
الكاتب مولود بن زادي - بريطانيا
"هل أحبّ جبران مي زيادة؟"
مقالتي في صحيفة "القدس العربي" اللندنية وهي ثمرة بحث استغرق أسابيع اعتمادا على أعمال جبران /سيرته الذاتية /الرسائل /الشهدات ومنها شهادة زميله في المهجر الاستاذ الرائع ميخائيل نعيمة.. تابعوا..
المقال:
هل أحبَّ جبران مي زيادة؟
ليس من ينكر أنّ أدب الترسّل تعبير عن مكنون الذات وبوح بما يختلج في النفس من مشاعر وهواجس ونزعات وما أشبه ذلك. فقد صدق الأديب عبد اللطيف الوراري عندما قال: "لعل أدب الرسائل أو فنّ الترسل من بين هذه الآداب التي لا تخلو من سرد الاعترافات وكشف الأمور الشخصية بين المرسلين... فكان من الرسائل ما جاء في الشوق، أو الاستعطاف والاعتذار، أو النصح والمشورة، أو الملامة والعتاب، أو الشكوى، أو العيادة، أو التهاني، أو التعازي والتأبين، إلخ." (القدس العربي 12 أيلول/سبتمبر 2016)
وما كتبه جبران المقيم في أمريكا إلى مواطنته مي زيادة في المشرق العربي يُعدّ من الرسائل الشخصية التي لا تخلو من ذلك. وبما أنَّ المرسلين أديبان، فقد كانت مزيجا من الرسائل الأدبية والذاتية. لكن، في مثل هذا السرد، وإن كان للذاتية وزن، فإنّه لا يمكننا بأي حال من الأحوال الاستهانة بدور العقل. فإن كانت الرسائل تعبّر عن الأحاسيس والآلام والأشجان وغيرها، فإنها تظلّ خاضعةً لسلطة الإرادة ورقابة الذهن. فالعقل هو المحرّك، وهو الناقد، وهو الوازع، والحاكم المحاسب الذي يملك وحده دون سواه سلطةَ القرارِ فيما يجوز البوح به وإرساله وتقاسمه مع الغير. فالمُرسِل يخطّ كتابَه بعقل مفكِّر. فهو واعٍ بما يعبّر عنه، وليس تحت تأثير مسكّر أو تنويم مغناطيسي أو أيّ مؤثِّر من شأنه أن يشلّ تفكيره أو يهدّ إرادته. فعادة ما نراه ينقد كتابه وينقّحه، وقد يمزّقه ويعيد كتابته. ونراه يصوغ تعبيره وفقاً لمستوى المرسَل إليه وثقافته. فقد صدق إبراهيم بن محمد الشيباني عندما قال: "إذا احتجت إلى مخاطبة أعيان الناس أو أوساطهم أو سوقتهم، فخاطب كلاً على قدر أبهته وجلالته وعلو مكانته وانتباهه وفطنته. ولكل طبقة من هذه الطبقات معان ومذاهب يجب عليك أن ترعاها في مراسلتك."
وجبران كان يرعى مكانة سيدة الأدب في الشرق الأوسط مي زيادة، وهو ما تجلّى في رسائله التي تميّزت بانتقاء الألفاظ، وجمال التعبير، والافتنان في التصوير، والتأنق في الخيال: "تعال نخيم على الجبال وفي الأودية، تعال نسير بين الأشجار وفوقها، تعال نغمر الصخور المتعالية..." (رسالة 3 تشرين الثاني/نوفمبر 1920)
هذه المراسلة من على بعد 7 آلاف ميلاً أثارت إعجاب الجماهير، وأسالت من الحبر الكثير. وُصفت ب "الحب الصوفي السامي" (جريدة العربية)، و"الحب الطاهر" (صحيفة الشروق)، و "20 عامًا من العاطفة الورقية." (جريدة الوفد). وقيل إنَّها حبّ فريد لا مثيل له في تاريخ الأدب وسير العشاق...
لكن، يبدو أنّ بعض هؤلاء اكتفى بمشاهدة العلاقة من منظور ضيق تمثّل أساساً في جملة من رسائل جبران إلى مي زيادة، ولم يحاول القراءة بين الأسطر، أو النظر أبعد من هذه الكلمات سعياً لفهم طريقة تفكير جبران ونمط حياته، لتقييم هذه العلاقة تقييماً صحيحاً، والحكم عليها حكماً عادلاً.
ما يلفت انتباهنا ونحن نحاول الاطلاع على سيرة جبران هو أنّ رسائله لم تقتصر على هذه المرأة مطلقاً. فها هو كتاب "الحبيب" (2004) يحصي 325 رسالة منه إلى ماري هاسكل وحدها بين 1908 و1931!
وما يثير النظر أيضاً تورطه في علاقات غرامية متعدّدة في أثناء علاقته بمي زيادة وهو ما يشكك في صدق حبه لها وإخلاصه إليها. وهو ما تؤكده الرسائل والشهادات. قال عنه رفيقه في المهجر ميخائيل نعيمة: "كانت له علاقات نسائية متعددة..." وكشفت صحيفة "العروبة" السورية في عددها 12057 أنّ الدكتور خريستو نجم ذكرَ في كتابه (المرأة في حياة جبران): "أشهر النساء اللواتي ارتبطن بحياة جبران القصيرة مثل المرأة الثلاثينية التي لم يكشف عن اسمها، وجوزفين بيبودي، وحلا الضاهر، وسلطانة ثابت، وماري هاسكل، واميلي ميشال المعروفة بمشلين وشاعرة امريكية مجهولة الاسم، وماري قهوجي، وماري عيسى خوري ومي زيادة، وشارلوت تيلور، ومادلين مايسون، وبربارة يونغ، وعيتريد باري التي كشف النقاب عن اسمها خليل جبران ابن عم جبران."
وصوّرت صحيفة الحياة في عدد 6 نيسان/أبريل 1992 علاقته بإحداهن: "في شقتها رقم 552، كانا يلتقيان ويتبادلان الحب. وحتى بعد انتقاله إلى نيويورك بقي على اتصال بها، فيكتب إليها عام 1914: "أيتها اللذيذة جيرترود، قولي إنك لا تزالين تبتسمين وتضحكين تلك الضحكة المثيرة الراعشة التي كانت تشعلني في تلك المرحلة السحيقة حين كنت صديقة للقمر"!
حريّ بالذكر أيضاً أنّ جبران لم يصارح مي زيادة بحبه في أثناء علاقتهما الطويلة، وهو أمر غير عادي ويشكّك في جديّة علاقته. وها هو يعبّر عن حبه الشديد لامرأة أخرى! فقد بعث برسالة مثيرة لهاسكل عام 1926 قائلاً: "سأحبك حتى الأبدية. فقد كنت أحبك قبل أن نلتقي كبشريَيْن من لحم ودم بزمن طويل. عرفت ذلك حين رأيتك للمرة الأولى. كان ذلك هو القَدَر. أنتِ وأنا قريبان؛ ففي الجوهر نحن متشابهان. أريدك أن تتذكري هذا دائمًا. أنت أعزُّ شخص على قلبي في هذا العالم." لا نسجل مطلقا مثل هذا البوح وهذه الحرارة في رسائله إلى مي زيادة.
وأغرب من ذلك أنه قبل هذه الرسالة بأشهر قليلة وبالضبط في 12 كانون الثاني 1925، بعث برسالة إلى مي زيادة تُوهم أيَّ عشيقةٍ أنّه متعلّق بها: "يا ماري، كنت في السادس من هذا الشهر، أفكر فيك كل دقيقة، بل كل لحظة..."!
ولم تحظ مي زيادة أبداً بتلك المنزلة التي خصّ بها حبيبته ماري هاسكل التي ذهب إلى حد اختيارها وريثة له بعد موته: "إذا متُّ، فإني لا أريد أي شخص آخر أن يلمس لوحاتي أو أن يقول شيئا عنها، سواك أنت. أريدها كلها أن تكون بين يديك."!
إضافة إلى الرسائل والشهادات التي كشفت تعدد علاقاته النسائية، فإنّ عدم اجتهاده للتقرب إلى مي ولقائها خلال ما يناهز 20 سنة يشكك في جديته وصدق مشاعره نحوها، وإلا كيف نفسّر امتناعه عن دعوتها إلى الولايات المتحدة أو زيارتها في المشرق أو ربما اقتراح لقائها في أوربا، لا سيما فرنسا التي كان يسافر إليها؟
نضيف إلى ذلك أيضا أنّ علاقته بمي زيادة وإن كانت طويلة فقد تخللتها فترات من الانقطاع، لم نرَ فيها بكاءً ولا تألماً لفراق الحبيب، وهو ما يشكك أيضا في مصداقية العلاقة.
لا شكّ أنّ جبران كان يبحث عن علاقة خيالية مع أديبة عربية تحيا في الشرق، تثير إلهامه وتغذي إبداعه. فصنع بوجدانه عالم فانتازيا يلتقي فيه مي زيادة خلف عالمٍ محسوس حجبه عنها وكان يحيا لحظاته مستمتعا بالخمر والنساء، أبعد ما يكون عن صورة النبي المقدس المتنزِّه عن ملذات الحياة والذنوب التي عرف بها.
تُعلّمُنا تجربة جبران أيضاً أنّ الرسالة وإن كانت تُعدّ من أدب السيرة والبوح إلاّ أنه ينبغي علينا النظر فيها بحذر. فهي شيء من الإنشاء يتصرّف فيه العقل المبدع كما يشاء، فيكشف في مضمونه ما يشاء، ويخفي ما يشاء، ويصوغه في أي قالب يشاء. وهذا ما ينطبق على رسائل جبران التي لم تكشف لمي زيادة علاقاته المتعددة ولا ذاته الخفية التي تعمّد إخفاءها، وهو القائل في كتاب (المجنون): "ذاتي الخفية الكبرى التي أدعوها أنا سرّ غامض مكنون في أعماق سكون نفسي ولا يدركه أحد سواي."
نستخلص من هذه التجربة أيضا نزعتنا أحيانا إلى مشاهدة الأمور بذاتية ومن زاوية واحدة ضيقة. فأسرفنا في تعظيم شأن علاقة اعتمادا على جملة من الرسائل. وانبهرنا بطول مدة هذه العلاقة ونسينا أنها عرفت فترات من الانقطاع ولم تكلل بلقاء. وانبهرنا بالمسافة الفاصلة بينهما ونسينا وسائل النقل المتوفرة، وأسفار جبران الكثيرة، وعلاقاته المثيرة. وإن لم يبح بحبّه إلى مي زيادة فقد اعترف بحبه الأبدي لهاسكل. واكتفى بدعوة مي إلى لقائه في عالم ضبابي بعيدا عن الواقع الذي كان يحياه رفقة نساء حسناوات، تعمّد إخفاءه عنها. وهل كانت علاقته بمي زيادة ستستمر ما يناهز 20 سنة لو علمت بتلك العلاقات والملذات التي كان يعيشها خفية عنها؟!.. مع كامل الاحترام لهذا القلم المهجري المبدع المؤثر.
مولود بن زادي كاتب جزائري مقيم في بريطانيا
رابط الصفحة:
http://www.alquds.co.uk/?p=728176&device=phone
#مولود_بنزادي
#أدب_المهجر
#الأدب_الجزائري
#الأدب_العربي
#جبران_خليل_جبران