Monday, 10 July 2017

قضية رشيد بوجدرة قناة النهار هل يستحق برنامجٌ فكاهيٌّ كلَّ هذهِ الضجَّة

مقالتي في صحيفة "رأي اليوم" اللندنية بعنوان:

"قضية رشيد بوجدرة.. هل يستحق برنامجٌ فكاهيٌّ كلَّ هذهِ الضجَّة؟"

. وفيها ردّ موضوعي على الروائي واسيني الأعرج Waciny Laredj وإشارة إلى الكاتب رفيق جلول راجيا أن يتقبّل مؤيدو رشيد بوجدرة وجهة نظري ككاتب ومثقف، فاختلاف الرأي لا يفسد للود قضية

رابط الصفحة:
http://www.raialyoum.com/?p=706293

قضية رشيد بوجدرة.. هل يستحق برنامجٌ فكاهيٌّ كلَّ هذهِ الضجَّة؟

تعدّدت عناوين الصحف التي تناولت موضوع الكمين الذي وقع فيه الروائي الجزائري رشيد بوجدرة يوم 31 أيار/مايو الماضي حينما نزل ضيفًا على برنامج الكاميرا الخفية الذي تبثّه قناة النهار.
يكفي أن نضع اسم "بوجدرة" في محركات الشبكة العنكبوتية لتعود النتائج بعناوين ضخمة مثيرة مثل: "كاميرا خفية ترهب الكاتب رشيد بوجدرة وتتهمه بالإلحاد" و"مقلب ضد الروائي الجزائري رشيد بوجدرة يؤجج الاحتجاجات" و"إهانة رشيد بوجدرة في وضح النهار"...

وإن اختلفت العناوين في مبناها إلاَّ أنها اشتركت في معناها وسيرها في اتجاه واحد، مناصرة الروائي، ساخطة على قناة التلفزيون إلى حد قصفها بأبشع الأوصاف من عيار "داعشي" و "إجرامي" على منوال عنوان مقال مواطنه الروائي واسيني الأعرج: "الروائي رشيد بوجدرة… مقلب بطعم داعشي" وقال فيه: "لا يعقل أن يهان كاتب كبير من عيار رشيد بوجدرة بطريقة متخلفة وبدائية، بل وداعشية، لا تراعي أي شيء في الضيف، لا قيمته، ولا سنه، ولا سلطته الثقافية الكبيرة، في حلقة يفترض أنها ترفيهية، وأي ترفيه؟ بل تدعو إلى الغثيان. ما هذه الرغبات الإجرامية المخزنة في أعماق الناس. كدت أصرخ... فقد وضع رشيد بوجدرة على حافة مساءلة تكاد تكون إجرامية بل وداعشية." (القدس العربي 7 حزيران/يونيو 2017).

ولم تقتصر هذه الحملة على الصحف، فقد أتت نيرانُها على وسائل التواصل الاجتماعي، تغذي لهيبَها صفحاتٌ أدبية، أصدرت أحداها بيانا منددا وقّعه ما يقارب 390 شخصا. ورغم الضجة، لم يشارك في الوقفة الاحتجاجية ساعةَ الجدّ إلاَّ عشرات الأنصار من بين عشرات الملايين نسمة!

صدق واسيني الأعرج لما قال: "أجزم أن الذين حاوروه في حصة رانا حكمناك، لم يقرؤوا ولا كتابا واحدا من كتبه، ولا يعرفون عنه إلا حادثة الإلحاد." ففي مجتمع معروف بعزوفه عن القراءة وكثرة كُتَّابه وإغراق سوقه بالمؤلفات، لا ريب أنّ أبناء الأجيال الجديدة يتطلّعون إلى مطالعة ما كان جديداً في الأسواق، مناسباً للتفكير والأذواق، وهو شيء منطقي يؤكده الإقبال على المؤلفات الحديثة في المعارض، ويعترف جلُّ الشباب في مواقع التواصل بأنه لم يقرأ له. ورجال الكاميرا الخفية ليسوا نقادا وليسوا مطالبين بالنظر إلى قيمة الضيف أو سلطته الثقافية أو آثاره الأدبية لأجل تسجيل برنامج ترفيهي قصير. فكل ما يحتاجونه معلومات عامة تخص حياة الضيف وما يلفت النظر في شخصيته ونقاط ضعفه لمحاولة إثارته. ومعلوم أن بوجدرة قد أثار الانتباه بإعلانه إلحاده أمام شاشات التلفزيون بمحض إرادته، ليعود بعد ذلك ويغيّر رأيه ويؤكد إيمانه في تناقض مبين، مما أثار الدهشة والسخرية في أوساط الطبقة المثقفة والمجتمع، وهو بلا ريب ما استغله رجال الكاميرا الخفية.
العجيب في الأمر أيضاً أنّ الكمين وقع في استوديو القناة وأمام شاشات الكاميرا وفي شهر رمضان المعروف منذ سنوات ببرامج الكاميرا الخفية التي تحظى بمتابعة واسعة. فكيف يصدق بوجدرة أنّ رجال أمن حقيقيين يختارون فجأة اقتحام مقر تلفزيون في أثناء تسجيل حصة أدبية لأجله؟ وما الذي منعهم من فعل ذلك مباشرة بعد إعلانه إلحاده أو خلال الأشهر الماضية بينا كان حرّاً طليقاً في البيت والشارع؟ وحتى عندما انفجر مقدِّم البرنامج ضاحكاً أمامه، لم ينتبه بعد أنّه مجرد كاميرا خفية.

وحتى إذا صدّق هذا المقلب، لماذا لم يحاول الخروج منه منذ البداية بأقلّ الأضرار؟ لماذا انجرَّ معه وراح يردّ على أسئلة استفزازية ويردّد عبارات ساخرة؟ ولمَ تجاوب وهؤلاء الأشخاص حتى ضاق بهم ذرعاً ثم غادر الأستوديو أخيراً؟ ألم تكن أمامه خيارات مثل الامتناع عن الرد والإصرار على أن يتم التحقيق في قسم شرطة وليس في مكان عام وربما طلب محام؟ ألا يحقّ للمتهم الصمت وعدم التعليق؟ وهل رأينا أيَّ اعتداء جسدي أو تهديدا بالعواقب من الرجال إن امتنع عن الرد؟ ...

إننا إذا نظرنا إلى فكرة الكاميرا الخفية وجدناها "تعتمد على إظهار طبيعة الأشخاص، كما هي.. بحيث يظهر الإنسان كما هو، دون تعديلات تجميلية. والإفادة من المفاجأة تكون الضامن لظهور الطبيعة الأصلية لدى الشخص الذي وقع في كمين الكاميرا الخفية. وتتفاوت مفاجأة الأشخاص هنا أو هناك، فأحيانا تؤدي إلى الضحك، وأحيانا تؤدي إلى اكتساب معلومة نادرة، إنما، وللأسف، تؤدي في بعض الأحيان إلى تحويل الأشخاص إلى ضحايا بكل معنى الكلمة! والسؤال ليس إذا وافق الأشخاص على عرض الفيلم الذي ظهروا فيه كضحايا، بل السؤال: من يحق له تعريض حياة الأشخاص إلى مثل هذه التجارب الحادة والتي قد يؤدي بعضها إلى الموت؟" (صحيفة المجلة: 14 تموز/يوليو 2013)

وكمائن الكاميرا الخفية معروفة عالميا وتُرتكب فيها أحياناً مخالفات. تذكر صحيفة "المجلة" اللندنية الكمين الذي وقع فيه المطرب المصري خالد عجاج: "لولا تدخل العناية الإلهية لأصيب عجاج بجلطة قلبية.. فقد قام جلال بإيقاع عجاج في حيلة للكاميرا الخفية في إحدى مقابر الفرعونيين الأثرية، حيث تم إقفال الباب فجأة على عجاج، ومن ثم إطلاق الأفاعي والثعابين عليه، ثم بعد فتح الباب وهروب المطرب المسكين، وقع في المحظور الرهيب الذي لا يمكن لآدمي احتماله، وهو خروج مومياء فرعونية من قبرها وهجومها على عجاج الذي كان يصيح مستغيثا: قلبي سيتوقف.. قلبي سيتوقف! وكان بعد انكشاف الملعوب عاجزا عن النطق وواضعا يده على قلبه"!

وها هي صحيفة (فرانس أنفو) الفرنسية تثير مسألة الترويع في تقرير بتاريخ 20 نيسان/أبريل 2015 بعنوان. "البرازيل: كاميرا خفية تصدم مسافري قطار النفق." وفيها يفاجأ المسافرون بتعطل القطار تحت الأرض وفي الظلام الدامس ليشاهدوا بعد ذلك شبحا يبث الفزع في نفوسهم!
ليس مَن ينكر أنّ رجال قناة النهار قد ارتكبوا تجاوزات بإثارة موضوع الدين والتخويف، لكنّ ذلك وقع في برنامج فكاهي معروف عالميا بارتكاب تجاوزات في حق البشر، ولم يقصد بالضرورة إهانته. وقد أكّد ذلك المشرف على البرنامج في نهاية التسجيل عندما اعتذر إلى بوجدرة مؤكدا أنها مجرد كاميرا خفية. فهل نفرّق حقا بين الجدّ والمزاح؟

ما أكثر الملحدين في المجتمعات الغربية، ولا نرى أحدا يشهّر بذلك لأنّ الأمر شخصي ولا يخصّ المجتمع. فإن تعرّض أحدٌ لإهانةٍ ما، يحقّ له اللجوء إلى العدالة مثلما أشار إلى ذلك مواطنه الكاتب رفيق جلول: "إن كان الكاتب رشيد بوجدرة ضحية فخ عمل له كما يقال فإن هذه العريضة لا نفع منها بتات فهو المتضرر الوحيد في نظر العدالة ومن حقه رفع قضية."

ما يلفت الانتباه في قضية بوجدرة أيضا هو مشاهدة أنصاره المسألة من زاوية واحدة. فقد شاهدوا تجاوزات رجال القناة، لكنهم لم يشاهدوا تجاوزاته عندما راح يتلفظ بكلمات فاحشة لا تليق بأي أديب أخفتها عنا القناة. وماذا لو كان البرنامج على المباشر يشاهده ملايين البشر؟ وقد قام الروائي أيضاً بدفع الرجال عند مغادرته وهو ما يُعتبر عنفا جسديا غير مقبول ولا يمكن تبريره بالرد على استفزاز أو إهانة شفوية. وإن اعتذرت إليه القناة فإنه لم يعتذر إليها ولا إلى الجماهير على تلك الألفاظ والحركات.

لقد صدقت صحيفة (العربي الجديد) عندما قالت في عددها الصادر 1 حزيران / يونيو: "بسبب كاتب معروف... برنامج كاميرا خفية يثير جدلاً حادًا في الجزائر." فلو حدث ما حدث لشخص بسيط وليس لأديب في وزن بوجدرة، هل كنا شاهدنا مثل هذه الضجة؟ ولمَ لا يشعر هؤلاء الأنصار بالغثيان وهم يشاهدون تصرفات عنصرية من بني جلدتهم في حق أفارقة سود أو عمال صينيين بالقرب من بيوتهم، تتردد في حقهم أبشع النكت العنصرية؟ أوليس ذلك إهانة وانتهاك لحقوق البشر؟ ولمَ يا ترى لم تَعْلُ هذه الأصوات معبِّرة عن صدمتها يوم تعرّض 5 ملحدين من منظمة "بلا حدود" للاضطهاد بالقاهرة (صحيفة اليوم السابع 1 أيار/مايو 2014)؟ ولمَ لم يدعُ هؤلاء إلى احتجاجات وهم يشاهدون عشرات الأقباط يموتون في الكنائس؟ ولمَ لا يندّد هؤلاء وهم يتابعون الاعتداءات المتكررة على الكنائس والمعابد والمساجد مثل كنيسة سانت إتيان بفرنسا 2016 ومسجد لندن هنا قبل أيام فقط؟ ولمَ لم يصرخوا غيظاً وهم يشاهدون جثة طفل سوري بريء تتقاذفها الأمواج لم ير في حياته القصيرة غير الدمار والرعب؟ أوليس هؤلاء بشرا أيضاً وإن لم يكن لهم شأن في الأدب؟

فإني في ظل هذا التناقض، لا أجد بدا من التساؤل: ترى متى ندرك معا أسمى معاني الإنسانية الطاهرة التي تتعدى ميولنا ورغباتنا وحدودنا الإقليمية وطبقاتنا الاجتماعية؟ لقد آن الأوان لنؤسّس معا لإنسانية حقيقية ليست ثيابا نخيطه على مقاسنا.. إنسانية لا تميز بين أديب وغير أديب، ولا بين كبير وصغير، ولا بين رجل وامرأة، ولا بين قريب وغريب، ولا بين متدين وملحد.. إنسانية مقياسها المنطق وليس الذات.. إنسانية تنظر إلى نفوس البشر ومشاعرهم وليس إلى أشكالهم ومراكزهم.. وتراعي البشر لأنهم بشر.

ومتى يا ترى نوطّن أنفسنا على مشاهدة العالم من زوايا أخرى والإصغاء إلى الآخر؟.. لأنه:
"فِي كُلِّ مَوْضُوعٍ قَوْلاَن،
وفِي كُلِّ قَضِيَّةٍ رَأْيَان،
وفِي كُلِّ قِصَّةٍ وَجْهَان،
وَلَيْسَ فِي الكَوْنِ لَوْنٌ بَلْ ألْوَان،
فالحَقِيقَةُ شَيْءٌ لاَ يَمْلِكُهُ الإنْسَان (رواية مَا وَرَاءَ الأُفُقِ الأزْرَق)..

ملاحظة\
(أرجو أن يتقبّل أنصار رشيد بوجدرة والضجة الإعلامية وجهة نظري كمواطن وكاتب ومثقف جزائري بعيدا عن لغة التعصب والتهديد.. فقد تعرضت للتهديد لمجرد الرد على قامة أدبية ردا موضوعيا والعالم يشهد أنه ليس لي أعداء عدا نقدي المشهد الأدبي.. ليس كل من يخالف هؤلاء الرأي خصما.. لابد من تقبل رأي الآخر والتسامح)

مولود بن زادي روائي جزائري - بريطانيا

No comments:

Post a Comment