من بريطانيا، الكاتب مولود بن زادي صاحب معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية لصحيفة الأوراس نيوز:
"سأقاطع معرض الكتاب الدولي في الجزائر على الطريقة الإنجليزية احتجاجا على الاحتكار الأدبي والتوزيع غير العادل لدعوات الحضور"
في يوم الخميس 23 يونيو جوان 2016 فاجأت بريطانيا العالم بالتصويت للانسحاب من الاتحاد الأوربي. بعدها عندما دعا معارضو انسحاب بريطانيا من الاتحاد إلى السعي للحفاظ على بعض الروابط والمزايا في الاتحاد الأوربي– وهو ما يخالف قرار التصويت بالمغادرة – ردت رئيسة الوزراء البريطانية (تريزا ماي) بمقولتها الشهيرة: "مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوربي تعني المغادرة وسنحقق من ذلك نجاحاً". فرغم صعوبة المهمة، ها هو البريطاني يلتزم بوعده. هكذا هو البريطاني دائما واضح في أفكاره، حازم في قراراته، متقن لعمله، لا يتخذ قرارا لا يستطيع الالتزام به، ولا يتعهد بشيء لا يستطيع الوفاء به.
وفي مجتمعاتنا، ها هم أدباء من بني جلدتنا يقولون ما لا يفعلون. فمع اقتراب موعد معرض الكتاب الدولي في الجزائر، يثير بعضهم ضجة إعلامية بالإعلان عن مقاطعة الصالون الدولي للكتاب من خلال منشورات في منابر التواصل الاجتماعي يتجاوب معها الأصدقاء، وتتناقلها وسائل الإعلام بكل أشكالها. وبعد ذلك تطالعنا الأخبار الأدبية أنهم قد حضروا المعرض بشكل أو بآخر، وأنّ قرار المقاطعة مجرّد ثوب يقتطعه هؤلاء على مقاسهم خدمة لمصالحهم. وهذا ما فعلته السنة الغابرة روائية معروفة في الساحة الأدبية الجزائرية، فبعد أن أعلنت مقاطعتها الصالون الدولي للكتاب، دعت قراءها إلى لقاء بيع بالتوقيع بجواره! وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صور أدباء آخرين معروفين – كانوا قد أعلنوا عن مقاطعة المعرض هم أيضا - وهم يتجولون في أنحاء المعرض!
وإني أتساءل عما إذا كان هؤلاء يدركون معنى كلمة "مقاطعة". فالمقاطعة، للتوضيح، من "قاطع" وقد جاء في تعريف معجم الرائد "قاطعه تعني: 1. ترك زيارته أو مصاحبته. 2-ه أو الشيء: ترك التعامل معه أو نفعه والانتفاع به". وعليه فالبيع بالتوقيع في أحد أركان المعرض أو حتى بجواره أو الالتقاء بالقراء أو الناشرين فيه خرقٌ بيّنٌ للمقاطعة! فإن فعل الأديب ذلك وهو يعلم فقد خادع الجماهير المعجبة به، وإن فعل ذلك وهو لا يعلم فقد خادع نفسه وهو لا يدري!
العجيب في الأمر أيضا هو نزعة بعض هؤلاء الأدباء إلى حصر قرار المقاطعة في أنفسهم فقط فلا يذكرون غير الأسماء التي يعرفونها ويتعاملون معها في سياق الحديث عنها كما لو كان المشهد الأدبي ينحصر في هذه الفئة القليلة وهو أوسع مما يتصورون. ففي السنة الغابرة ذكر هؤلاء في منشوراتٍ أسماءَ الزملاء المشاركين في المقاطعة ولم يذكر أحد منهم أسماءنا مع أننا زملاء لنا مؤلفات مثلهم مسجلة في المكتبة الوطنية وتدرس في شتى الجامعات الجزائرية! وكنا في واقع الأمر من المقاطعين الحقيقيين، فنحن لم نحضر المعرض، ولم نلتق أحدا فيه، ولم نعرض مؤلفاتنا فيه للبيع بالتوقيع... فعلنا ذلك عملا بمبدأ "المقاطعة تعني المقاطعة وليس اقتطاع ثوب على مقاسنا"!
وإني أعلن مرة أخرى عن مقاطعتي الصالون الدولي للكتاب في الجزائر طبعة 2016 على الطريقة الإنجليزية وليس على طريقة "ثوب على مقاسي".. وعلى طريقة "الانسحاب يعني انسحاب"، و"المقاطعة تعني المقاطعة"، ولا تعني تضليل الرأي العام والاستخفاف بعقول الجماهير وقلوبهم. والمقاطعة لا تعني "الامتناع عن دخول الصالون من بابه الأمامي ثم دخوله من بابه الخلفي والمشاركة فيه بالبيع بالتوقيع في ساحته الخلفية أو التجول في أنحائه ولقاء القراء والناشرين فيه!"
لا، لن أحضر معرضا دوليا للكتاب توزع فيه دعوات الحضور على أساس العلاقات الحميمة، فتنتفع منها فئة معروفة من الأدباء سنة بعد سنة ونحرم منها نحن بغير حق سنة بعد سنة. فقد أثبتت الهيئة المشرفة على الصالون الدولي للكتاب انحيازها لفريق من الأدباء، ولا ترى لنا مكانا بين هؤلاء، وهو ما يكرّس سياسة احتكار أقلية من الأدباء للمشهد الأدبي وما يعنيه ذلك من إقصاء وتهميش في حقنا.
لا، لن أحضر الصالون الدولي للكتاب في الجزائر وما جدوى الحضور والهيئات الثقافية لا تعترف إلا بفئة قليلة من الكتاب، تخولها حق المشاركة في كل التظاهرات الثقافية والأدبية والمهرجانات الدولية. وهل وجهت لي من قبل دعوات حضور تظاهرة "قسنطينة عاصمة الثقافة" وقد أهديت الأوطان معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية، وهو الأول من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي، صنفته بعد سنوات طويلة من الجهد والسهر؟!
سأغيب عن المعرض الدولي للكتاب مرة أخرى وستغيب عنه مؤلفاتي لكن ذلك لن يؤثر في شيء، فالإقبال على كتبي متواصل. فقد نفدت نسخ رواية "عبرات وعبر" الاجتماعية الواقعية في ولاية غرداية بعد أسابيع قليلة من نشرها! وقد حقّق معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية نجاحا باهرا، فأمسى اليوم من الكتب الأكثر مبيعا في الجزائر حيث بيع منه – والتقارير موجودة – أكثر من 3000 نسخة ونفدت منه طبعتان خلال أقل من سنتين! وها قد نفدت نسخه في الأسواق، وبات نشر طبعة جديدة لتلبية الطلب المتواصل على المعجم الذي يفيد الدارس والمدرس والأديب وكل من يهتم بأمور اللغة العربية أمرا عاجلا! وأصبحت رواية “رياح القدر” العاطفية الواقعية من الروايات الأكثر رواجا في بعض المدن مثل سطيف وبسكرة. وها هي اليوم تُدرس في الجامعات الجزائرية. وها هو اسمي يزداد انتشارا ويتردد ذكره في صحف عربية من الخليج إلى المحيط.. يتحقق كل ذلك رغم غيابي المتكرر عن الصالون الدولي للكتاب ورغم عدم مشاركتي في الملتقيات الأدبية التي لم اتلق اي دعوة لحضورها وتبقى خاضعة لاحتكار نفس الأسماء.
ومهما كان، لن أكون الكاتب الوحيد الغائب عن الصالون الدولي للكتاب في الجزائر، فستغيب عنه أسماء كبيرة لها وزنها في الساحة الأدبية من أمثال أحلام مستغانمي وسمير قسيمي. وإني أغتنم هذه الفرصة لأحيي موقف كل من أحلام مستغانمي وسمير قسيمي الذين عندما قالا سيقاطعان المعرض فعلا ذلك ولم يدخلاه من بابه الخلفي كما فعل آخرون مناقضين أقوالهم، ومخالفين وعودهم، ومخادعين عشاقهم.
مولود بن زادي – روائي وكاتب جزائري مقيم في بريطانيا
#مولود_بنزادي
#mouloudbenzadi
#الصالون_الدولي_للكتاب
No comments:
Post a Comment