في لقاء وزير الثقافة \
كشف الاديب الجزائري مولود بن زادي صاحب معجم المترادفات والمتجانسات المقيم في المملكة المتحدة في حديث خاص ليومية الوسط تفاصيل زيارته الاخيرة للجزائر، متحدثا في ذلك عن لقاء جمعه بوزير الثقافة عز الدين ميهوبي وصفه بالمفاجئ.
السفر من المهجر إلى الجزائر:
لم تكن رحلتي أنا وأسرتي إلى الجزائر هذه السنة مؤكدة على الإطلاق في بداية الأمر. عادة ما يسارع أفراد الجالية الجزائرية في المملكة المتحدة إلى حجز تذاكر السفر أشهر طويلة قبل عطلة الصيف خوفا من ارتفاع الأسعار مع اقتراب العطلة الصيفية التي تشهد تنقل أعداد كبيرة من أفراد جاليتنا إلى الجزائر. وعندما تغيرت الظروف وقررنا السفر في آخر لحظة صدمنا بارتفاع أسعار التذاكر، فقد فاقت ال600 جنيه استرليني أو ما يعادل 12مليون سنتيم جزائري للشخص الواحد لرحلة جوية قصيرة بين لندن والجزائر لا تتعدى الساعتين و40 دقيقة! وهو في الواقع مبلغ تستطيع أن تسافر به من لندن إلى أستراليا (نحو 22 ساعة جوا ) إفريقيا الجنوبية (12 ساعة) وجزر هواي وآخر الدنيا! وعندما اتصلنا بالخطوط الجوية الجزائرية وسألنا الموظف الوحيد في مكتب الشركة الوحيد في مدينة لندن عما إذا كان ثمة عروض خاصة لرحلات نحو الوطن، قال ضاحكا: "تتحدثون عن عروض خاصة! لن تجدوا حتى تذاكر درجة رجال أعمال في هذه الفترة!
فها هي شركة الخطوط الجوية الجزائرية عاجزة عن توفير مزيد من الطائرات لنقلنا إلى بلادنا بأسعار معقولة ويسخر موظفوها منا ومن أسئلتنا!
كدنا نفقد الأمل في زيارة الجزائر هذه السنة لولا أن الخطوط الجوية السويسرية الأجنبية أتاحت لنا في آخر لحظة فرصة زيارة وطننا بتذاكر أرخص، وهو ما عجزت الخطوط الجوية الجزائرية عن توفيره لأبناء جاليتها!
لقاء غير منتظر مع الوزير:
سعدت بلقاء الصديقة الحميمة الأديبة والناقدة سليمة مليزي في لندن في يوم 14 يوليو / جويلية 16 هي وزوجها الرائع الأديب عبد العزيز غرمول. وسعدت مرة أخرى بلقائها والتواصل معها في الجزائر. وقد تكرمت بدعوتي إلى مرافقتها إلى قصر الثقافة لحضور حفل موسيقي وتكريم الموسيقار نوبلي فاضل بدعوة من شقيقه صلاح فاضل يوم السبت 30 يوليو / جويلية 2016.
انتقلنا إلى قصر الثقافة في سيارة زوجها الكريم وجلسنا في ركن هادئ من أركان غرفة الجلوس الفسيحة في هذا القصر الفخم ننتظر بداية الحفل. وبينما كنا نتجاذب أطراف الحديث، شاهدت فجأة الوزير يدخل الغرفة، فأبلغت الصديقة سليمة مليزي بذلك وكانت عندئذ جالسة بجانبي مباشرة. وما لبث أن شاهدنا الوزير، فسار نحونا. سلم عليها وعلى زوجها عبد العزيز. كان يبدو جليا من خلال حديثهم الحميم أنهم على علاقة وطيدة. بعد ذلك التفتت سليمة نحوي وقالت لمعالي الوزير: أقدم لك الكاتب مولود بن زادي الذي يقيم في بريطانيا وله عدة أعمال أدبية وأكاديمية وهو اليوم يزور الجزائر.
فرد الوزير: أعرف الكاتب مولود بن زادي ولي حتى رقم هاتفه وعنوانه الإلكتروني.
تفاجأت بسماع ذلك. صحيح أن بعض الأشخاص في الشارع صار يدنو مني ويقول إنه يعرفني أو سمع الكثير عني وعن أعمالي وإنه سعد بلقائي، لكني لم أكن أتصور أن يكون معالي الوزير شخصيا يعرفني، مع أنه سبق لي أن حاولت الاتصال بوزارة الثقافة من قبل وبالوزير عز الدين ميهوبي شخصيا لا سيما بالبريد الإلكتروني أكثر من مرة لدعوته إلى مساعدتي على المشاركة في المشهد الأدبي والثقافي في الجزائر بعدما حاول بعض الزملاء سد الطريق أمامي، لكني لم ألق منه ردا. واليوم أدركت أن أفضل وسيلة للاتصال بشخص في مقام الوزير هو زيارته والتحدث معه وجها لوجها بدلا من الهاتف أو البريد الإلكتروني. وشعرت في نفسي أني حتما أسير في طريق الشهرة ولا أدري وكيف لا وفخامة الوزير شخصيا يعرفني حتى قبل لقائي!
وبينما كنت أتحدث مع سيادته، عرضت عليه بعض مؤلفاتي ومنها معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية وهو الأول من نوعه في الجزائر ومن أكثر الكتب مبيعا حيث نفدت منه طبعتان وبيع منه أكثر من 3000 نسخة خلال أقل من سنتين وهو رقم قياسي في مجتمع معروف بعزوفه عن القراءة. وأبلغت سيادته أني وجدت صعوبة في نشر أعمالي في بلادي لعدم تعامل دور النشر الكبيرة معنا. فتعاطف الوزير معي واقترح علي الاتصال بمدير إحدى دور النشر الكبيرة باسمه شخصيا ووعد بمهاتفته شخصيا.
دور النشر الكبيرة تظلّ مقفلة في وجهنا:
في اليوم التالي الأحد 31 يوليو / جويلية 2016 ذهبت إلى مقر دار النشر الكبيرة مثلما أوصاني معالي الوزير والتقيت المسؤول عن النشر. ولسوء حظي، بدا الرجل متعجرفا من أول نظرة. قال لي لا يهمه إذا كان قد أرسلني إليه الوزير أو أي شخص آخر، وإن القرار قراره! بدا غير آبه بما قلته له عن أعمالي الأكاديمية وأهميتها للدارس والمدرس والأديب والباحث،ورغبتي في نشر هذه الأعمال في بلادي وهو ما يوفر عليها استيرادها بالعملة الصعبة. شزرني وقال لي عندما سألته عن إمكانية نشر معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات عند انتهاء العقد مع الناشر الحالي:
لا، لا يشرفنا أبدا إعادة نشر أعمال نشرت من قبل! لا يمكن لدار نشر كبيرة كهذه أن تعيد نشر معجم طبعته دار نشر صغيرة تافهة لا تساوي شيئا، مثل هذه!
صدمت لسماع هذا الكلام من رجل يشغل منصبا كهذا! كيف يتحدث عن معالي الوزير على هذا النحو وهو من أرسلني إليه لثقته به وبمؤسسته؟!وكيف يحتقر دور النشر الأخرى ويتحدث عنها على هذا النحو!
وبينما أظهر معالي الوزير تواضعا لا يوصف، ها هو مسؤول دار نشر كبيرة لا يحفل بشيء من حوله ويتحدث كما لو كانت دار النشر الوطنية من ممتلكاته الخاصة يعبث بها كما يشاء ويرحب فيها بمن يشاء ويسخر فيها بمن يشاء ولا يحفل بأحد!
هذه التجربة تؤكد ما قلته سابقا في حوارات وتصريحات وهو أن دور النشر الكبيرة لا تتعامل إلا مع فئة قليلة تنشر لها ما تشاء ومن غير عراقيل! وليست أبدا لكتاب جدد مثلي!
في أحضان الجزائر وموعد الرحيل:
كانت آخر محطة لي في الجزائر شواطئ جيجل حيث استأجرنا شقة تطل على البحر وعلى بعد أمتار قليلة منه.. أمضيت أياما رائعة استمتعت فيها بالسباحة في مياه البحر الصافية، وبأشعة الشمس الذهبية.
ومرت أيام العطلة الجميلة بسرعة فائقة. هكذا هي الحياة دائما. تمر فيها اللحظات الجميلة بسرعة ولا نشعر بها. وإنْ كَانت اللحظَاتُ الجَمِيلَةُ فِي حَيَاتِنَا تمضِي في لَمْحَةِ بَصَر،فإنّها في أعْمَاقِ قُلُوبِنَا وأرْوَاحِنَا سَتَظَلُّ حَيَّةً مَدَى العُمْر. "
مرت أيام العطلة وحان موعد العودة إلى ديار الغربة التي حكم علي القدر بصرف بقية عمري فيها بعيدا عن الأوطان التي أحبها. فغادرت الجزائر. وإن رحلت عنها بجسدي، فإني بقيت في أحضانها بمشاعري. رحلت وأنا أناجي الجزائر التي تسكن دمي وتشغل بالي:
وما غيابي عنك إلا بالجسد،
فبروحي وفكري معك للأبد.
No comments:
Post a Comment