مقالات\
مقالتي في صحيفة "القدس العربي" اللندنية بعنوان "لماذا لا يفوز العرب بجائزة نوبل.. مجددا؟" أتقدّم بخالص الشكر والتقدير للقائمين على هذه الصحيفة الموقرة.
Mon article dans le quotidien londonien (Alquds)
رابط المقالة:
http://www.alquds.co.uk/?p=436165
مولود بن زادي - المملكة المتحدة
المقالة:
لماذا لا يفوز العرب بجائزة نوبل للأدب.. مجدداً؟
مع حلول شهر تشرين الأول/أكتوبر كلّ عام تتّجه الأنظار إلى مدينة ستوكهولم السويدية، وتخفق القلوب ترقّبا لإعلان اسم الفائز بجائزة نوبل للآداب. وتُعلَنُ النتيجة ويتلقّى الوطن العربي كعادته نبأ تعثّر المرشحين العرب بخيبة أمل وأسى.
ومرة أخرى، تتعالى الأصوات غاضبة مندّدة، فهذا يقول: «إنها البلدان المستعمرة التي لا يرضيها الاعتراف بنا وبتفوّقنا». وذاك يقول: «إنّهم الغرب الكُفَّار يرغبون في طمس تراثنا وثقافتنا» ويقول آخر: «لن يرضوا عنا ولن يكرّمونا حتى نتبع ملتهم»…
فهل ثمّة شيء من التهميش والإقصاء والعنصرية وراء فشلنا المتكرِّر في هذه المسابقة العالمية، أم ثمة مبرّرات أخرى تجعل غيرنا من الأمم أحقّ بالجائزة منّا؟
لا جرم أنّ ثمّة جملة من الاعتبارات لها عميق الأثر في قرار اختيار الكاتب الفائز بجائزة نوبل للآداب من بين كلّ أدباء الدنيا.. اعتبارات أدبية وثقافية وفنية وحضارية وإنسانية. تُضاف إليها الاعتبارات السياسية التي لا يمكننا بأيّ حال من الأحوال نفيها أو استبعادها، والتاريخ شاهد على آثارها. نذكر منها ربما العداوة التاريخية بين السويد وروسيا، التي حرمت الكاتب الروسي العملاق ليو تولستوي من الجائزة، مع أنه يعدُ من أعظم الأدباء في التاريخ. وحُرِم الكاتب التشيكي كارل تشابك هو أيضا من الجائزة، لإمعانه في انتقاد الجارة الغربية الصديقة ألمانيا، وغير ذلك من الأمثلة. وقد أثير جدلٌ واسع في الوطن العربي وخارجه بعد فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل سنة1988 ، فقد قلّل بعض النقاد من شأن مؤلّفاته مقارنة بأعمال أدبية عالمية منافسة. فقال بعض المشكّكين ما كان سيفوز بالجائزة لو لم يثُرْ على التراث، ولم يُثير مسائل محرّمة ولم يتهجّم على التراث والإسلام. وما زال بعض النقاد يعتقد أنّ الكاتبَ المسلمَ المتمسِّك بعقيدته أقلُّ حظا في الفوز بالجائزة من غيره. وإن كانت قد أثيرت هذه المسألة منذ أمد الطويل، إلاّ أنه لا يسعنا الحكم فيها اليوم بعد، فالأمر سابق لأوانه، ترثه عنّا الأجيال القادمة، وهي أحقّ بمتابعته والفصل فيه لما يمرّ به المشهد الأدبي عندنا في هذا العصر من ركود لا يسمح لنا بالدفاع عن أعمالنا المرشّحة.
فنحن اليوم إن أمعنّا النظر في الواقع الثقافي والأدبي في الوطن العربي وقارناه ببلدان أخرى، أدركنا بلا ريب أنّنا لسنا في أحسن حال ولسنا في مستوى التنافس مع دول في مقام بريطانيا وفرنسا وألمانيا أو حتى الجارة تركيا، وأنّنا ما زلنا نسير في طريقٍ شائكة وعرة طويلة بحثاً عن الارتقاء إلى صفوف الأمم المتفوّقة علينا. فإن اجتهدنا وثابرنا ووفّرنا لأطفالنا الظروف الملائمة لكشف المواهب الأدبية وتنميتها، تأتّى لنا الالتحاق بالرّكب والتنافس على جائزةٍ ليست ككلّ الجوائز.. جائزة هي حلم كل أديب وأمل ما يناهز 195دولة في العالم.. جائزة في حجم «نوبل».
وها هي الكاتبة الصحافية البيلاروسية سيتلانا أليكسيوفيتش تفوز بجائزة نوبل لهذه السنة، وهو فوز نسبته لجنة جائزة نوبل إلى «أعمالها متعدّدة الأصوات التي تمثّل معلما للشجاعة والمعاناة في هذا العصر»، وبذلك يبدو أن اللجنة تراعي الأفكار والقيم الإنسانية أكثر من الجودة الأدبية. ومهما كان، فقد صرفت الكاتبة البيلاروسية ثلاثين إلى أربعين سنة من عمرها في دراسة الإنسان في عهد الاتحاد السوفييتي، وقامت بوصف معاناته وصبره وشجاعته، وقامت بتصوير أحداث مهمّة مثل كارثة تشرنوبل والحرب السوفييتية الأفغانية وغير ذلك.
فهل نحن أحقّ منها بالجائزة وأعمالنا الأدبية قطعت صلتها بمجتمعاتنا وراحت تسبح بعيدا في عالم البوليوود والخيال لا متناه، أبعد ما يكون عن الواقع والمواطن؟
وإن كان الإنكليزي يكتب بلغته الإنكليزية والفرنسي بالفرنسية، فهل نحن أحقّ بالجائزة والأديب في البلاد العربية لم يعد يدري بأي لغة يكتب: أيكتب بالعربية الفصحى التي رماها بعضنا بالتخلّف والعقم، مع أنّه لشدة خصوبتها وثرائها وجد فيها العالم اللغوي ابن خالويه أكثر من 600 كلمة في وصف حيوان واحد هو الأسد، أم يكتب بلهجات عامية كثيرة ومعقدة ولا تخضع لأيّ أحكام وتطغى عليها ألفاظ وتعابير أجنبية؟
وهل نحن أحقّ بالجائزة وأعمالنا الأدبية تصل إلى لجنة تحكيم جائزة البوكر محملة بالأخطاء. وكيف لا يخطئ الأديب وهو لا يصرف وقتا في المطالعة ويتعجّل نشر رواية كل سنة يشارك بها في معرض الكتاب، فإذا به يكرّر أخطاءه ويكرّر نفسه وهو لا يدري أبعد ما يكون عن الإبداع؟ أخطاء لغوية ونحوية وصرفية لا يكاد يخلو منها عمل من الأعمال، تثير التساؤل عن مدى إتقاننا قواعد اللغة التي نكتب بها، ونحاول الحصول بها على أكبر جائزة في الدنيا. وهل شاهدنا مِثلَ هذه الأخطاء في المؤلفات الإنكليزية أو الفرنسية أو غيرها، الفائزة بالجائزة؟
وكيف نفوز بالجائزة والمحافل الثقافية العربية لا تقدّر الأقلام الأدبية الجديدة ولا تفسح لها المجال لإبراز مواهبها، ومن يدري لعلّها تنجب من هو أفضل وأحق بالتنافس على هذه الجائزة؟ وتظلّ نخبة قليلة من الأقلام القديمة تحتكر المشهد الأدبي في مجتمعاتنا، لا تقبل أحدا إلى جانبها، ولا ترى الهيئات الثقافية غيرها ممثلا للأدب العربي في المحافل الدولية ومسابقات الجوائز. ويتكرّر ترشيحها كل سنة كأنّه لا يوجد غيرها، ويتكرّر مع ذلك فشلها لأنّ أعمالها تكرّر نفسها، ولأن لجنة نوبل غير مقتنعة بإبداعها.
وكيف نفوز بجائزة نوبل إن كان يشقّ على الأديب العربي نشر أعماله الأدبية وإيصالها إلى القراء في الوطن العربي؟ النشر في الوطن العربي لا يتعدى 1 إلى 2 في المئة من المنشورات العالمية، فبينما نشرت بريطانيا نحو 184000 عنوان جديد سنة 2013 لم تنشر تونس، على سبيل المثال، غير 100 عنوان جديد مع حلول شهر أكتوبر من السنة، وبينما أصدرت كندا، حسب إحصائيات اليونيسكو،19900 عنوان عام1996 لم تصدر الجزائر غير670 ولم تنشر سلطنة عمان إلاّ 7 عناوين في السنة نفسها.
وهل نحن أحقّ بالجائزة إن كانت الكتب الأكثر مبيعا في معارض الكتاب في مجتمعاتنا كتب الطبخ والدين وتفسير الأحلام، بينما تبقى الكتب الأدبية الأكثر مبيعا في بريطانيا وأوروبا؟ وبينما يشجّع البريطاني أطفاله على قراءة 50 كتابا في السنة لا تتعدّى المقروئية عندنا نسبة6 صفحات من كتاب واحد في السنة.
وهل نحن أحقّ بالجائزة من الغرب ونحن لا نكاد نرى مكتبات عمومية في مدننا. ومحلات بيع الكتب القليلة عندنا طفقت تقفل أبوابها لعزوف المجتمع عن القراءة، فحلّتْ محلّها المطاعم والمقاهي تتوافد عليها الجماهير بغير انقطاع، بينما في بريطانيا لا يكاد يخلو حيّ من أحياء المدن الكبرى من مكتبة عمومية يصرف فيها الناس أوقاتهم في المطالعة ويستعيرون منها الكتب مجانا، وقد أطلِقت مؤخرا خدمةٌ جديدة تسمح للأعضاء باستعارة كتب إلكترونية مجانا حتى من دون الحاجة إلى الخروج من بيوتهم؟
وخلاصة القول الغلبة تبدو للأمم الغربية وأمم أخرى لأنها تبدو في وضع أحسن منا ولها إسهامات مرتبطة بالمجتمع والواقع أفضل منا، مثلما لها الغلبة في جوائز نوبل الأخرى في الطب والفيزياء والكيمياء لأنها متفوّقة في بحوثها واكتشافاتها. ويوم نغيّر ما بأنفسنا، ونحسّن الظروف لأدبائنا،
ويهتم هؤلاء بواقع مجتمعاتنا، عندئذ ستتضاعف حظوظنا في الفوز.
ومهما كان، فإنّ عدم الفوز بالجائزة لا ينال من قيمة الأديب ولا من أهمية كتاباته. فما أكثر الأدباء الذين لم يحظوا بالفوز بهذه الجائزة، ومع ذلك دُوّنت أسماؤهم في سجل التاريخ بأحرف من ذهب، وأذكر منهم الكاتب الفرنسي أميل زولا الذي ترشح لها سنة 1901و1902 والفيلسوف الروائي جان بول سارتر الذي رفضها وعميد الأدب العربي طه حسين الذي تطلّع إليها.
كاتب جزائري ـ بريطانيا