الوهمُ نصفُ الداء،
والاطمئنانُ نصفُ الدواء،
والصبرُ أوَّل خطوات الشفاء.
ابن سينا
اختيار وتصميم وإخراج الكاتب #مولود_بنزادي
الوهمُ نصفُ الداء،
والاطمئنانُ نصفُ الدواء،
والصبرُ أوَّل خطوات الشفاء.
ابن سينا
اختيار وتصميم وإخراج الكاتب #مولود_بنزادي
ليس الدين سمعاً وطاعــة،
وإنّمَا الدين فهم و قناعـــة.
حسيبــــة طاهــــــر
أدب المهجر من كندا
تصميم وإخراج الكاتب #مولود_بنزادي
بعث اللغات بعد موتها التجربة المانكسية الكاتب مولود بن زادي المملكة المتحدة
تابعوا مولود بن زادي في مواقع التواصل الاجتماعي
بعث اللغات بعد موتها التجربة المانكسية الكاتب مولود بن زادي في صحيفة القدس العربي المملكة المتحدة
تابعوا مولود بن زادي في مواقع التواصل الاجتماعي
صحيفة الناقد العراقي العراقية:
"اللغوي مولود بن زادي يفتح النار على ميخائيل نعيمة بعد مائة عام!"
كان للرحيل عن الأوطان والبعد عن الأهل والأحباب بالغ الأثر في نفس المهاجر العربي. وانعكس ذلك في أدبه، وهو ما تجلّى في الأدب الأندلسي الذي بدا مختلفاً عن الأدب العباسي. ولعلّ أثر الهجرة كان أعمق في الأدب المهجري في القارتين الأمريكيتين أواخر القرن 19 / مطلع القرن 20. فقد بدا مختلفاً عن الأدب المحلي في المعنى والمبنى، وكان فيه دعوة إلى تخليص الأدب العربي من أغلال الماضي وقيود الأوزان والزخرفة البيانية واللّف والدوران والسمو به إلى مستوى الأدب العالمي وأعلى درجات الإنسانية. من رواد هذا الأدب ميخائيل نعيمة الذي – فضلا عن ذلك – أنفرد بالخوض في النقد واللغة. وقد تجلّى ذلك في كتابه “الغربال”. وإن تجلّت عظمته في نضجه وحكمته وسعة خاطره وإيمانه بالحرية والعدالة والإنسانية، وهو ما نلمحه في شتى مؤلفاته، فماذا عن كتابه النقدي الغربال الذي تناول فيه موضوع النقد الأدبي ومسألة اللغة؟
ما يلفتُ النظر في كتاب الغربال هو موقف ميخائيل نعيمة المتشدّد تجاه اللغويين والأدباء المحافظين المتمسكين بأصول اللغة وأحكامها وتمرّغه المتكرِّر في وحل التناقض. إنّ الصورة التي تعلق في أذهاننا ونحن نطالع مؤلفات ميخائيل نعيمة هي صورة فيلسوفٍ حكيم متسامح مؤمن بالحرية والإنسانية. فيفاجئنا في كتابه هذا بوجهٍ آخر، متهجّماً على اللغويين والأدباء المحافظين إلى حدّ تشبيههم بأحقر المخلوقات، الضفادع: “لم أجد أفضل من النقيق نعتا للضجة التي يحدثها أمثال هؤلاء الناس، لذلك شبهتُهم بالضفادع! (الصفحة 91) وهو بذلك لا يتقبّل آراءهم ولا يراعي حتى مشاعرهم. وبعد ذلك يناقض نفسه باعترافه باختلاف تصورات البشر: “إنّ الحياة يا صاحبي تعرض مشاهدها عليّ وعليك. قد ترى مشهدا لا أراه أنا وإن أكن مفتّح العينين. بل قد أنظر وإياك إلى مشهد واحد، فترى فيه أشياء لا أراها، وتسمع ما لا أسمعه. (صفحة 114)
ونراه يذود عن العامية ويرمي بسهامه العربية: “أشخاص الرواية يجب أن يخاطبونا باللغة التي تعوّدوا أن يعبّروا بها عن عواطفهم وأفكارهم… لوجب أن نكتب كلّ رواياتنا باللغة العامية، إذ ليس بيننا من يتكلّم عربية الجاهلية.” (الصفحة 34) يستوقفني خطابه أو بالأحرى موقفه المساند للعامية، فأعود بذاكرتي إلى آثاره الجليلة، فأجول بين فصولها الجميلة، فلا أرى فيها إلاّ الفصحى! وإذا به يدافع عن العامية ولا يكتب بها تماماً كما يفعل اليوم الكثير من كُتّابنا! ونراه يثير مشكل اللغة في الرواية ولا يعرف الحلّ: “عبثاً، بحثت عن حلٍّ لهذا المشكل، فهو أكبر من أن يحلّه عقلٌ واحد!… فالمسألة لا تزال بحاجة إلى اعتناء أكبر رجال اللغة وكتابها” (الصفحة 35)
وعلى ذكر مسألة اللغة، يحقّ لنا أن نتساءل إن كان ميخائيل من رجال اللغة وذوي الاختصاص، مؤهّلا للخوض في موضوع اللغة الشائك الذي راح يخوض فيه الروائي والشاعر وعالم الاجتماع ومَن درسها ومن لم يدرسها، ومن أتقن أحكامها ومن لم يتقنها، مصدرين الأحكام الجائرة في حقها، متنبئين بموتها!
ليس مَن ينكر أن ميخائيل نعيمة شاعر ومسرحيّ وكاتب مقال ومفكّر مدافع عن الإنسانية، وأنّه درس الحقوق في الجامعة الأمريكية. ولكننا ما سمعنا أنّه كان مختصّا في اللغة، وافر المعرفة فيها. وها هو يتجنّب الخوض في تعريف الكلمات: “لا تسلني أن أحدّد لك الشعر… فلا اطلاعي واسع لهذا الحد، ولا صبري طويل بهذا المقدار. فلنعدل عن تحديد الشعر وتعريفه.”
ويسيء الظن باللغة فيراها مجرّد قشور، ويسيء فهم علاقتها بالفكر: “الفكر كائن قبل اللغة، والعاطفة قبل الفكر. فهما الجوهر وهي القشور.” (الصفحة 101) واللغة في الواقع هي الأساس، فالإنسان لا يستطيع أن يعبّر عن أفكاره من غير لغة. بل لا يستطيع حتى التفكير بدون لغة. فالفكر لغة صامتة مثلما قال أفلاطون.
ويعيب على النقاد نقدهم جبران لقوله: “هل تحمّمت بعطر وتنشّفت بنور” (صفحة 97) وما أخطأ النقاد. فكلمة “تَحَمَّمَ” في غير محلّها: تَحَمَّمَ وَجْهُهُ: اِسْوَدَّ (الغني). فكلمة “تحمّم” تحمل معنى يناقض ما يقصده جبران! فهل العيب في النقاد الذين أشاروا إلى كلمة في غير محلها ولا تؤدي المعنى، أم في جبران الذي ترك كل الألفاظ التي تزخر بها لغته العربية وتؤدي المعنى ليستخدم كلمة تتعارض مع ما يعنيه؟!
ولا تخلو أعمال ميخائيل نعيمة هو أيضاً من الأخطاء اللغوية مثل: “حبّا بشكسبير” (صفحة 203)، أو “حبّا بالكلام” (صفحة 227). والصواب: “حبّاً لشكسبير”، و “حبّا للكلام” على منوال قوله تعالى: “وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ” (البقرة/165) و”مقدرته في تنسيق شعره المنثور” (صفحة 171) والصواب: مقدرته على… و”يخيل لنا أنّهم مصابون بضرب من الجنون.” (الصفحة 235) والصواب: “يخيل إلينا…” ولا يمكننا الاستهانة بمثل هذه الأخطاء التي لا نراها في اللغات الأخرى. فحرف الجرّ الذي يرافق الفعل قد يغير معناه: “رغب عن الشيء” نقيض “رغب فيه”.
ويناقض نفسه بنقده الألفاظ العربية القديمة ودعوته إلى الكتابة بلغة بسيطة تفهمها عامة الناس، ثم نراه يستخدم مفردات من المعاجم القديمة يستعصي على العامة فهمُها مثل: “وشل”: “وشل من بحر ما أعرفه أنا.” (الصفحة 203)! و”مندوحة”: “لا مندوحة لنا من الاعتراف” (الصفحة 205)!
ونراه يتذمّر من مساعي حماية مفردات اللغة: “تكاد لا تفتح جريدة من جرائد سوريا إلاَّ تجد فيها باباً للوقوقة يدعونه باب تهذيب الألفاظ” (الصفحة 96) ثمّ نراه يعظّم شأن مفردات اللغة في تناقض بيّنٍ: “إنّ لمفردات اللغة التي نصوغ منها منثوراتنا ومنظوماتنا صفات عجيبة وميزات غريبة. فلكل كلمة معنى وروح. ولكل كلمة رنة. ولكل كلمة صبغة أو لون.”! (الصفحة 71) فإن كان ميخائيل يؤمن بما للألفاظ من صفات عجيبة، فلِمَ لا يدع غيره يختار ما يروقه منها وإن كان قديماً، والحكم للقراء؟! أوليس لكلّ إنسان ذوقه! ليس المشكل في مفردات اللغة وإنما فينا لأننا لم نجتهد بقدر الكفاية لتعلم هذه الألفاظ وفضلنا كلمات غريبة عليها. ولو تعلمناها لما بدت غريبة!
ويرمي العربية المكتوبة بالعجز مقترحا إضافة اصطلاحات: “العامة تستعمل حروفا لا وجود لها بين حروف الهجاء المعروفة.. وتلفظ القاف في أكثر المحلات كالهمزة. فيجب أن نظيف إلى لغتنا بعض اصطلاحات تقوم مقام هذه الحروف.” (الصفحة 35) ألا يدري ميخائيل أنّ اللغة الإنجليزية دخلتها كلمات أجنبية مختلفة كتابةً ونطقاً ككلمة résumé و café فهل قام الإنجليزي بإضافة حروف جديدة مثل é إلى أبجديته؟! وهل غاب عنه أنّ حروف الأبجدية الإنجليزية الحالية التي كان يتحدث بها ويكتب بها وعددها 26 لم تتغيّر منذ القرون الوسطى؟! وما الذي يمنع الإنجليزي من إضافة ما شاء من الحروف لولا حرصه على حفظ الأصل واللغة! وإن اختارت قلة من العرب أن تلفظ القاف همزةً، فهل ذاك مبرر للمساس بالأبجدية ؟! ثم، ألا توجد في العامية الإنجليزية أصوات لا حروف لها؟! فهل فكّر الإنجليزي في إضافة حروف إلى أبجديته إحاطةً بالأصوات الجديدة؟!
دليل آخر على تشبّث الشعوب الغربية بأحكام لغاتهم ورفضها المساس بها: في 1989، عيَّنَ رئيس الوزراء الفرنسي (ميشيل روكارد) المجلس الأعلى للغة الفرنسية لتبسيط الإملاء. فنشر المجلس “التصحيحات الإملائية” 6 كانون الأول / ديسمبر 1990. ومع أنّ جلّ التعديلات لم يمسّ إلا بعض الرموز فوق بعض الأحرف أو الشكل، إلاّ أنّها أثارت موجة غضب هزّت فرنسا ومنعت تطبيقها مطلع 1991 كما كان مقرّراً!
ونرى ميخائيل نعيمة يسيء الظن بالزملاء ويتسرّع في إصدار الأحكام عليهم من غير حقّ. فيقول عن خليل مطران: “لماذا يضع لنا رقما بجانب (لا غرو) ويرسلنا إلى أسفل الصفحة لنرى أنها تعني (لا عجب)… فإما أنّه عربي يكتب بالعربية لأبناء العربية، ولا حاجة به إذ ذاك إلى تفسير ما يكتب. أو أنه يخاطب أبناء اللغة العربية بلغة أعجمية.” (الصفحة 203) مضيفاً: “إلا إذا كان يقصد من ورائها أن يقول لقرائه ‘إنكم والله لقوم جهّل، لا تعرفون من لغة أجدادكم وشلا من بحر ما أعرفه أنا.’ (الصفحة 203) لا شك أن مطران توخّى تفسير الكلمات من باب تسهيل الفهم وليس استخفافا بقرائه، وهو يعلم أنّ العرب لا يتقنون لغتهم. وهل نسي ميخائيل نعيمة المفردات الصعبة التي كان يضعها في كتبه والتي تحتاج هي الأخرى إلى شرح في أسفل الصفحة مثل كلمة “وشل”؟! إن كان مطران يخاطب العرب بلغة أعجمية باستخدامه ” لا غرو”، فإنّ ميخائيل نعيمة أيضا يخاطبهم بلغة أعجمية باستخدامه كلمات لا تعرفها العامة مثل “مندوحة”! والعجيب في الأمر أننا نرى ميخائيل نعيمة يستعمل تعبير “لا غرو” هو أيضا وفي كتاب الغربال نفسه: “فلا غرو إذا وجد الشاعر نفسه غريبا” (الصفحة 228)!
وينتقد المحافظين كما لو أنّهم منعوا العربية من التقدّم، ثمّ يعترف بتغيّرها وتطورها عبر التاريخ: “قطعت اللغة العربية كل هذه المراحل وتقلّبت كل هذه التقلبات وهي لا تزال لغة يتفاهم بواسطتها ملايين البشر.” (الصفحة 96) فالمحافظة على أحكام اللغة لا تعني بالضرورة منعها من التطوّر.
لقد رشق ميخائيل بسهامه الأدبَ القديم القائم على أوزان ناسيا أنّ الأمم الأخرى لا تتنكر لماضيها. وهل تنكر الإنجليز لأدب الأجداد، وأشعار شكسبير الموزونة تبقى في قمة مجدها بعد أكثر من 4 قرون؟! ومع أنّ لغة شكسبير معقدة وصعبة الفهم وتبدو مختلفة عن الإنجليزية الحديثة، هل شاهدنا في يوم ما كاتبا انجليزيا يثور على هذه اللغة وهذه الأوزان القديمة؟! وهل نسي أن الأعمال الخالدة لا تموت حتى وإن كانت قديمة وقائمة على أوزان، وهو القائل: “الأثر الخالد لا يموت، والميت لا يعيش، ولا يخلد من الآثار إلا ما كان فيه بعض من الروح الخالدة”!
وفي موضوع اللغة بدت أفكارُ ميخائيل نعيمة سطحيةً تفتقر إلى أدلة وشواهد واقتراحات مقنعة. وأكثر من ذلك، فقد ناقض نفسه بأن دعا إلى الكتابة بالعامية ولم يكتب بها. ولعلّ تعثّره في هذا الموضوع يعود إلى عدم تخصّصه في اللغة. واللغة حقلٌ ملغّم رهيب، تُقبر فيه الادعاءات والأكاذيب. وقد تنفجر القنابل المستترة في ترابه تحت أقدام المغامرين في أيّ لحظة، وحتى بعد مائة سنة.
مولود بن زادي روائي ومترجم جزائري مقيم في بريطانيا
رابط الصفحة
http://www.alnaked-aliraqi.net/article/41895.php
مقالتي في صحيفة (القدس العربى) اللندنية بعنوان:
"الغربال وسهام ميخائيل نعيمة.."
(المقالة تحمل ردّ الكاتب واللغوي مولود بن زادي مصنّف معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية على ميخائيل نعيمة في موضوع اللغة العربية واللهجات العامية والأدب القديم!)
رابط الصفحة:
http://www.alquds.co.uk/?p=714359
المقالة:
كان للرحيل عن الأوطان والبعد عن الأهل والأحباب بالغ الأثر في نفس المهاجر العربي. وانعكس ذلك في أدبه، وهو ما تجلّى في الأدب الأندلسي الذي بدا مختلفاً عن الأدب العباسي.
ولعلّ أثر الهجرة كان أعمق في الأدب المهجري في القارتين الأمريكيتين أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20. فقد بدا مختلفاً عن الأدب المحلي في المعنى والمبنى، وكانت فيه دعوة إلى تخليص الأدب العربي من أغلال الماضي وقيود الأوزان والزخرفة البيانية واللّف والدوران، والسمو به إلى مستوى الأدب العالمي وأعلى درجات الإنسانية. من رواد هذا الأدب ميخائيل نعيمة الذي – فضلا عن ذلك – انفرد بالخوض في النقد واللغة. وقد تجلّى ذلك في كتابه «الغربال».
ما يلفتُ النظر في كتاب «الغربال» هو موقف ميخائيل نعيمة المتشدّد تجاه اللغويين والأدباء المحافظين المتمسكين بأصول اللغة وأحكامها، وتمرّغه المتكرِّر في وحل التناقض. إنّ الصورة التي تعلق في أذهاننا ونحن نطالع مؤلفات ميخائيل نعيمة هي صورة فيلسوفٍ حكيم متسامح مؤمن بالحرية والإنسانية. فيفاجئنا في كتابه هذا بوجهٍ آخر، متهجّماً على اللغويين والأدباء المحافظين إلى حدّ تشبيههم بأحقر المخلوقات، الضفادع: «لم أجد أفضل من النقيق نعتا للضجة التي يحدثها أمثال هؤلاء الناس، لذلك شبهتُهم بالضفادع». وهو بذلك لا يتقبّل آراءهم ولا يراعي حتى مشاعرهم. وبعد ذلك يناقض نفسه باعترافه باختلاف تصورات البشر: «إنّ الحياة يا صاحبي تعرض مشاهدها عليّ وعليك. قد ترى مشهدا لا أراه أنا وإن أكن مفتّح العينين، بل قد أنظر وإياك إلى مشهد واحد، فترى فيه أشياء لا أراها، وتسمع ما لا أسمعه».
ونراه يذود عن العامية ويرمي بسهامه العربية: «أشخاص الرواية يجب أن يخاطبونا باللغة التي تعوّدوا أن يعبّروا بها عن عواطفهم وأفكارهم… لوجب أن نكتب كلّ رواياتنا باللغة العامية، إذ ليس بيننا من يتكلّم عربية الجاهلية». يستوقفني خطابه أو بالأحرى موقفه المساند للعامية، فأعود بذاكرتي إلى آثاره الجليلة، فأجول بين فصولها الجميلة، فلا أرى فيها إلاّ الفصحى، وإذا به يدافع عن العامية ولا يكتب بها تماماً، كما يفعل اليوم الكثير من كُتّابنا. ونراه يثير مشكل اللغة في الرواية ولا يعرف الحلّ: «عبثاً، بحثت عن حلٍّ لهذا المشكل، فهو أكبر من أن يحلّه عقلٌ واحد، فالمسألة لا تزال بحاجة إلى اعتناء أكبر رجال اللغة وكتابها».
وعلى ذكر مسألة اللغة، يحقّ لنا أن نتساءل إن كان ميخائيل من رجال اللغة وذوي الاختصاص، مؤهّلا للخوض في موضوع اللغة الشائك الذي راح يخوض فيه الروائي والشاعر وعالم الاجتماع ومَن درسها ومن لم يدرسها، ومن أتقن أحكامها ومن لم يتقنها، مصدرين الأحكام الجائرة في حقها، متنبئين بموتها.
ليس مَن ينكر أن ميخائيل نعيمة شاعرومسرحيّ وكاتب مقال ومفكّر مدافع عن الإنسانية، وأنّه درس الحقوق في الجامعة الأمريكية. ولكننا ما سمعنا أنّه كان مختصّا في اللغة، وافر المعرفة فيها. وها هو يتجنّب الخوض في تعريف الكلمات: «لا تسلني أن أحدّد لك الشعر… فلا اطلاعي واسع لهذا الحد، ولا صبري طويل بهذا المقدار. فلنعدل عن تحديد الشعر وتعريفه».
ويسيء الظن باللغة فيراها مجرّد قشور، ويسيء فهم علاقتها بالفكر: «الفكر كائن قبل اللغة، والعاطفة قبل الفكر. فهما الجوهر وهي القشور». واللغة في الواقع هي الأساس، فالإنسان لا يستطيع أن يعبّر عن أفكاره من غير لغة، بل لا يستطيع حتى التفكير بدون لغة، فالفكر لغة صامتة مثلما قال أفلاطون.
ويعيب على النقاد نقدهم جبران لقوله:»هل تحمّمت بعطر وتنشّفت بنور» وما أخطأ النقاد. فكلمة «تَحَمَّمَ» في غير محلّها: تَحَمَّمَ وَجْهُهُ: اِسْوَدَّ (الغني)
ولا تخلو أعمالُه هو أيضاً من الأخطاء اللغوية مثل: «حبّا بشكسبير». والصواب: حبّاً لشكسبير، على منوال قوله تعالى: «وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ» (البقرة/165) و»مقدرته في تنسيق شعره المنثور» والصواب:مقدرته على… ولا يمكننا الاستهانة بمثل هذه الأخطاء التي لا نراها في اللغات الأخرى. فحرف الجرّ الذي يرافق الفعل قد يغير معناه:»رغب عن الشيء» نقيض «رغب فيه».
ويناقض نفسه بنقده الألفاظ العربية القديمة ودعوته إلى الكتابة بلغة بسيطة تفهمها عامة الناس، ثم نراه يستخدم مفردات من المعاجم القديمة يستعصي على العامة فهمُها مثل: «وشل»: «وشل من بحر ما أعرفه أنا»! و«مندوحة»: «لا مندوحة لنا من الاعتراف»!
ونراه يتذمّر من مساعي حماية مفردات اللغة: «تكاد لا تفتح جريدة من جرائد سوريا إلاَّ تجد فيها باباً للوقوقة يدعونه باب تهذيب الألفاظ»، ثمّ نراه يعظّم شأنها: «إنّ لمفردات اللغة التي نصوغ منها منثوراتنا ومنظوماتنا صفات عجيبة وميزات غريبة. فلكل كلمة معنى وروح. ولكل كلمة رنة. ولكل كلمة صبغة أو لون». فإن كان يؤمن بما للألفاظ من صفات عجيبة، فلِمَ لا يدع غيره يختار ما يروقه منها وإن كان قديماً، والحكم للقراء؟ أوليس لكلّ إنسان ذوقه؟
ويرمي العربية المكتوبة بالعجز مقترحا إضافة اصطلاحات: «العامة تستعمل حروفا لا وجود لها بين حروف الهجاء المعروفة.. وتلفظ القاف في أكثر المحلات كالهمزة. فيجب أن نظيف إلى لغتنا بعض اصطلاحات تقوم مقام هذه الحروف». ألا يدري أنّ اللغة الإنكليزية دخلتها كلمات أجنبية مختلفة كتابةً ونطقاً ككلمة resumé، فهل قام الإنكليزي بإضافة حروف جديدة مثل é؟ وهل غاب عنه أنّ حروف الأبجدية الإنكليزية الحالية التي كتب بها وعددها 26 لم تتغير منذ القرون الوسطى؟ وما الذي يمنع الإنكليزي من إضافة ما شاء من الحروف لولا حرصه على حفظ الأصل واللغة! وإن اختارت قلة من العرب أن تلفظ القاف همزةً، فهل ذاك مبرر للمساس بالأبجدية؟ ثم ، ألا توجد في العامية الإنكليزية أصوات لا حروف لها؟ فهل فكّر الإنكليزي بإضافة حروف إلى أبجديته؟
دليل آخر على تشبّث الغرب بأحكام لغاتهم: في 1989، عيَّنَ رئيس الوزراء الفرنسي ميشيل روكارد المجلس الأعلى للغة الفرنسية لتبسيط الإملاء. فنشر المجلس «التصحيحات الإملائية» 6 كانون الأول /ديسمبر 1990. ومع أنّ التعديلات لم تمسّ إلا بعض الرموز فوق بعض الأحرف أو الشكل، إلاّ أنّها أثارت موجة غضب هزّت فرنسا ومنعت تطبيقها مطلع 1991 كما كان مقرّراً. ونراه يسيء الظن بالزملاء ويتسرع في إصدار الأحكام عليهم من غير حقّ، فيقول عن خليل مطران: «لماذا يضع لنا رقما بجانب (لا غرو) ويرسلنا إلى أسفل الصفحة لنرى أنها تعني (لا عجب)… فإما أنّه عربي يكتب بالعربية لأبناء العربية، ولا حاجة به إذ ذاك إلى تفسير ما يكتب، أو أنه يخاطب أبناء اللغة العربية بلغة أعجمية». مضيفاً: «إلا إذا كان يقصد من ورائها أن يقول لقرائه، إنكم والله لقوم جهّل، لا تعرفون من لغة أجدادكم وشلا من بحر ما أعرفه أنا». ولا شك أن مطران توخّى تفسير الكلمات من باب تسهيل الفهم وليس استخفافا بقرائه، فالواقع يؤكد عدم إتقان العرب لغتهم.
وينتقد المحافظين كما لو أنّهم منعوا العربية من التقدّم، ثمّ يعترف بتطورها: «قطعت اللغة العربية كل هذه المراحل وتقلّبت كل هذه التقلبات وهي لا تزال لغة يتفاهم بواسطتها ملايين البشر». فالمحافظة على أحكام اللغة لا تعني بالضرورة منعها من التطوّر. لقد رشق ميخائيل بسهامه الأدبَ القديم القائم على أوزان ناسيا أنّ الأمم الأخرى لا تتنكر لماضيها. وهل تنكر الإنكليز لأدب الأجداد، وأشعار شكسبير الموزونة تبقى في قمة مجدها بعد أكثر من 4 قرون؟ وهل نسي أن الأعمال الخالدة لا تموت، حتى إن كانت قديمة وقائمة على أوزان، وهو القائل: «الأثر الخالد لا يموت، والميت لا يعيش، ولا يخلد من الآثار إلا ما كان فيه بعض من الروح الخالدة» وفي موضوع اللغة بدت أفكارُه سطحيةً تفتقر إلى أدلة وشواهد واقتراحات مقنعة. وأكثر من ذلك، فقد ناقض نفسه بأن دعا إلى الكتابة بالعامية ولم يكتب بها. ولعلّ تعثّره يعود إلى عدم تخصّصه في اللغة. واللغة حقلٌ ملغّم رهيب، تُقبر فيه الادعاءات والأكاذيب. وقد تنفجر القنابل المستترة في ترابه تحت أقدام المغامرين في أيّ لحظة، وحتى بعد مئة سنة.
روائي ومترجم جزائري/ بريطانيا
الغربال وسهام ميخائيل نعيمة
مولود بن زادي
الحنين إلى الوطن
"يا دهر قد طال البعاد عن الوطن
هل عودة ترجى وقد فات الظعن
عد بي إلى حمص ولو حشو الكفن
واهتف أتيت بعاثر مردود
واجعل ضريحي من حجار سود"
نسيب عريضة
دونالد ترامب ومارين لوبان ووحوش السياسة..
أحدث فوز الملياردير الأمريكي ممثل الحزب الجمهوري في الانتخابات الرئاسية الأمريكية دونالد ترامب ضجة لا مثيل لها وأثار القلق والفزع في أنحاء العالم. وفي الوطن العربي، هرعت الصحف والمجلات العربية إلى قرع ناقوس الخطر. فهذه صحيفة (رأي اليوم) اللندنية تتساءل عبر رئيس تحريرها عبد الباري عطوان: " ترامب فاجأ الكثيرين بزلزال فوزه.. كيف استطاع تحقيق هذه “المعجزة”؟ وكيف ستكون سياسته في المنطقة العربية؟ وماذا سيترتب على صداقته مع بوتين في سورية والعراق وليبيا والخليج وايران؟ وحسب منشور مؤسسة (البي بي سي) البريطانية بتاريخ 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، فقد "اعتبر معظم الكُتَّاب فوز ترامب انتصارا للكراهية و العنصرية، محذرين من أنّ قدومه سيدعم موجة العداء تجاه المسلمين في العالم وتنفيذ السياسات الاستعمارية في المنطقة."
وتذكر البي بي سي ما قاله مازن حماد لجريدة الوطن القطرية: "هذا الثري الذي يختال كالطاووس بنسائه وملياراته وفنادقه ومؤسساته، هو بمثابة قذيفة مدفع ضد ما تبقى من ديمقراطية ̕الآباء المؤسسين̔، ولعله سيفلح في سنواته الأربع القادمة، في تفجير حرب أكثر وحشية من حرب أجداده على الهنود والزنوج، ضد مسلمي العالم القادرين بالطبع على الرد الموازي". ويتساءل: "هل تفضي انفعالاته وصبيانيته إلى تفجير حرب عالمية ثالثة بالتعاون مع كونجرس تحتله إسرائيل؟"...
وبالتوازي مع ذلك، لكن بمستوى أقل، يثير اليوم فوز مارين لوبان، البنت الصغرى لمؤسس حزب الجبهة الوطنية، مخاوف كبيرة وسط أفراد الجاليات المهاجرة في فرنسا وفي أنحاء الوطن العربي. وما يفسّر هذه المخاوف هو ارتباطها بحزب اليمين المتطرّف وما أدلت به من تصريحات بشأن برنامجها وسياستها في حالة فوزها بالرئاسيات. وها هي مؤسسة (فرانس.24) الإخبارية تعلّل هذه المخاوف في منشور بتاريخ 4 فبراير /شباط 2017: "في مقابلة مع صحيفة (لوموند) الفرنسية، كشفت مارين لوبان عن وعد انتخابي، تعهدت بموجبه بفرض ضريبة جديدة على المقاولات التي تشغل المهاجرين، إلا أنها لم تحدد قيمتها، وإن كانت تشمل جميع المهاجرين أم المهاجرين غير الأوروبيين فقط. وعبَّرت لوبان عن عزمها تطبيق 'الأولوية الوطنية في العمل'، الذي كثيرا ما نادى به اليمين المتطرف في كل المحطات السياسية، في حال وصولها إلى قصر الإليزيه. ويهدف إلى إعطاء الأسبقية للفرنسيين في التوظيف، ووضع المهاجرين المقيمين في البلاد بصفة قانونية في المقام الثاني."
وها هي صحيفة (هبريس.24) تؤكد هي أيضاً هذه المخاوف في منشور بتاريخ 13 فبراير /شباط 2017: "مارين لوبان زعيمة اليمين المتطرف تسير على خطى ترامب وتدعو إلى بناء جدار ضد الجزائريين."
لا ريب أنّ من عيوب البشر تصديق كلّ ما يسمعونه من كلام والتأثر بكل ما يشاهدونه من صور والتسرّع في إصدار الأحكام بناء على القيل والقال والقشرة، ولم يحدث شيء بعد.
لا يحتاج الإنسان إلى خبرة سياسية لكي يدرك أنّ بعض الوعود السياسية هي في واقع الأمر شيء من الدعاية ومظهر من مظاهر الحملة الانتخابية، بل شيء من الكلام المعسول يطيّب به المرشح خواطر الجماهير، ويكسب به ثقتهم، ويصطاد به أصواتهم، وينال به مساندتهم، في سبيل البقاء في السباق، والفوز على الرفاق. ولا شكّ أنّ ما يردّده المرشّح وهو في السباق يختلف عما يقوله ويفعله بعد اعتلاء كرسي الحكم. وليس ذلك أبدا بالأمر الغريب، فلكل مقام مقال، وإدارة شؤون قوة عظمى في حجم الولايات المتحدة الأمريكية تختلف حتماً عن إدارة حزب أو مجرّد الانتماء إليه. لا يكاد يستلم المرشح الفائز مقاليد الحكم حتى يصطدم بالواقع ويشعر بحمل المسؤولية التي تنتظره. وحتى إن كان يرغب في القيام بإصلاحات أو اتخاذ إجراءات أو فرض سياسة معينة، فإنّ ذلك ليس بالأمر الهيّن. فقراراته ومخططاته غير قابلة للتطبيق دون موافقة البرلمان. فسرعان ما يتبخّر بعض وعود الحملة الانتخابية – ولعلّ الأصح أن نقول: تتم التضحية ببعضها - في سبيل البقاء وحفظ الأمن والاستقرار وحماية القيم الديمقراطية والمحافظة على العلاقات الدولية. وخير مثال على ذلك، عجز الرئيس الأمريكي الجديد عن تنفيذ وعوده ومنها تعهّده بالتحقيق في قضية البريد الإلكتروني التي اتهمت بها المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون. وكان الكثير من مناصريه قد صفّق لقراره الجريء أثناء الحملة الانتخابية متطلعا إلى مشاهدة تطبيق ذلك بعد فوزه. لكنّ دونالد ترامب فاجأ الجميع بعدوله عن القرار مباشرة بعد فوزه، وهو ما وصفته صحيفة (واشنطن بوست) بالتهديد الأجوف في منشورها بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني: "تهديد دونالد ترامب بمحاكمة هيلاري كلينتون كان دائماً أجوف." وتضيف الصحيفة الأمريكية أنّ أغلبية الأمريكيين لا يعتقدون أنّ هيلاري كلينتون نزيهة أو جديرة بالثقة.
صحيفة (الإندبندنت) البريطانية تذهب أبعد من ذلك لتؤكد فشل ترامب في تحقيق جلّ وعوده، إذ تقول في منشور بتاريخ 29 أبريل /نيسان 2017: "دونالد ترامب أخفق في إنجاز أكثر من 80 بالمائة من وعوده بعد مائة يوم من توليه السلطة"!
فكم ستكون نسبة الوعود التي قد تضطر مارين لوبان إلى التخلي عنها هي أيضاً إن فازت بالجولة الثانية الحاسمة للانتخابات الرئاسية الفرنسية؟ وأي وعود ستنفذ وأي وعود ستخلف خدمة لمصلحة فرنسا العامة وحفظا لأمنها واستقرارها ومكانتها بين الأمم المتحضرة المحترمة لمبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة؟ هذا ما ستطلعنا عليه الأيام.
ومهما كان، فإنّ المرشح الفائز هذه المرة أو في المستقبل لن يستطيع اقتلاع ملايين المهاجرين المقيمين في فرنسا منذ أجيال أو حتى التعامل معهم كما لو كانوا مواطنين من الدرجة الثانية، وهو ما يذكّرنا بسنوات الأبارتيد أو نظام الفصل العنصري الذي عرفته إفريقيا الجنوبية من 1948 إلى غاية مطلع التسعينات، وما أثاره من فوضى وتنديد دولي وما شابه ذلك، تماماً مثلما فشل دونالد ترامب في منع الأجانب من دخول الولايات المتحدة أو حتى إقناع قضاته الفيدراليين بمساندته وقبول قراره.
وإن كان بعض هؤلاء الزعماء العمالقة في العالم يبدو وحشا شرسا يبعث الرعب في نفوس البشر، فمن يدري؟!.. قد يكون حملا وديعاً، وذلك لعمري خير وأرحم من "الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ"! وإن فاجأتنا هذه الانتخابات بفوز دونالد ترامب في أمريكا ومرشحة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا، فمن يدري؟! قد يفاجئنا هؤلاء بتحقيق ما لم يحققه أحد من قبل. وهل ثمة شيء مستحيل!
مولود بن زادي – كاتب ومترجم جزائري مقيم في بريطانيا