Friday 15 July 2016

رواية عبرات وعبر للروائي المغترب مولود بن زادي فصل بعنوان الشهيد



روايات \

فصل من رواية "عَبَرَاتٌ وعِبَر" الاجتماعية الدرامية الواقعية للروائي المغترب مولود بن زادي..

بعنوان : الشهيد 

 في أحد أيام شهر فبراير 1958، كان إبراهيم يسير بعربته كعادته في أحد الأحياء الشعبية الفقيرة بالعاصمة عندما سمع فجأة ما كان يشبه تبادلا لإطلاق النَّار من مكان غير بعيد. وسرعان ما شاهد زمرة من المستنفرين تركض مبتعدة. كان يدرك تماماً أنّه لابدّ أن يتصرّف توّاً فيركض وينأى عن ذلك المكان تماما كما فعل هؤلاء المواطنون حوله، فالجيش الفرنسي لن يفرّق بين أحد فكلّ من وقع في طريقه عدوّ وجزاؤه القتل أو الخطف والتّعذيب والهلاك البطيء. لكن أنّى له يركض وهو معاق ومعه عربة. وسرعان ما حمله توالي إطلاق النَّار  على دفع  عربته أمامه بعجلة ملتمسا أقرب ملجئ دون تفكير. فاستقرّ خلف سور أحد البيوت القديمة القريبة. وبينما هو مختئ مرتاع مضطرب الخاطر، سمع خطى غير متساوية تدنو من مكانه. 

مسك أنفاسه هنيهة والوجل يهزّ نفسه وسرعان ما شاهد رجلا غريبا يدنو منه وهو يبدو متأثّرا بجروح بالغة في صدره. كان يبدو متألِّما واهنا منهار القوى. كان يسير بخطى متثاقلة وهو يحاول أن يسند نفسه على الجدار هنا وهناك ويلهث والدم يلطّخ ثيابه ويده

صاح إبراهيم بصوت متلعثم مضطرب متقطِعٍ وعلامات الصدمة بادية عليه:

- يا إلهي!... ماذا جرى لك؟!... أنت مصاب! لابدّ من إسعاف!...

حرّك الغريب يده اليمنى المضرّجة بالدم وقال بصوت متقطّع وعلامات الألم والإنهاك والهلاك بادية عليه:

- لا!... لا!... لقد فات الأوان!... أنا ميّت!...

ارتمى الرّجل على الأرض بالقرب من إبراهيم وتابع وهو يلهث والدم يسيل من فمه:

-سأموت!... نعم سأموت!.. لكن!... لكن!... لكن ستحيا الجزائر!... نعم!... ستحيا الجزائر!... ستحيا!...

لفظ المجاهد آخر أنفاسه ثمّ همد. خمدت روحه البريئة في حوض من الدماء وعيناه مفتوحتان. فمدّ إبراهيم يديه المرتعشتين نحوه فبسطه على الأرض ثمّ أغمض له عينيه.

قام إبراهيم ورفع يديه المرتجفتين ونظر إليهما والصدمة تغمره فرآهما ملطّختين بدم الشهيد. جأشَت نَفسه فزعاً و تلألأتِ الدُّموعُ في عينيه وشعر في أعماق نفسه الجريحة المتأثِّرة أنّ هذا الدم الطّاهر البريء لن يذهب بُطْلاً فهو سيمتزج، لا محالة، وكلّ الدماء التي كانت تَهْرَوْرِقُ هنا وهناك في  معركة الجزائر الباسلة وهنا وهناك في ربوع الجزائر البطلة، فيندفع الدم الممتزج سيلا جارفا أو إعصارا قاتلا فيعصف بجيش فرنسا ويهزّ كيانها ويزيحها عن أرض الجزائر ويغسلها ويطهّرها ممّا اقترفته أيادي القوّة المستعمرة الغاشمة من جرائم وذنوب وفساد وبطش وظلم في حقّ الشّعب الجزائري الأبي


No comments:

Post a Comment