Wednesday 13 July 2016

الروائي المهجري مولود بن زادي يرد على واسيني الأعرج في موضوع السرقات الفكرية في القدس العربي

مقالتي في صحيفة القدس العربي اللندنية بعنوان "السرقات الفكرية... حقيقة أم وهم؟

وفيها تعقيب / رد موضوعي على مقال الروائي واسيني الأعرج الذي نظر إلى"إثارة موضوع السرقات الأدبية" على أنه "اتهام يستهدف الأعمال الناجحة والفائزة بجوائز" ووصفه "بالإرهاب"

مع كامل الاحترام للروائي القدير..

Mon article dans le quotidien londonien AL-QUDS...

http://www.alquds.co.uk/?p=564571&device=phone




المقال:

السرقات الفكرية.. هل هي حقيقة أم مجرد وَهْم؟

كثُر في السنوات الأخيرة الحديثُ عن السرقات الفكرية مع توجيه أصابع الاتهام أحياناً إلى أكبر رجال العلم والفكر والأدب والفن. وارتفعت أصواتٌ من خلف أقفاص الاتهام مندّدة بهذه التهم. ذهب بعضها، من أمثال الروائي واسيني الأعرج، إلى وصفها "بالإرهاب" الذي يستهدف الأعمال الناجحة والفائزة بجوائز والحاصلة على اعترافات نقدية مميزة.. فلمَ يا تُرى كل هذا الحديث عن الانتحال؟ وهل يقتصر على الوطن العربي دون أمم أخرى؟ وهل ما نسمعه عن السرقات الفكرية مجرد أوهام وتُهم مغرضة أم أنها ظاهرة حقيقية، رمت بجذورها في حياة الإنسان الفكرية، لا سبيل إلى نكرانها؟

يقول مثل عالمي: "الحسد خير دليل على أنك تحسن عملك، فالبشر لا يحسدون أبدا من هو فاشل." إنه قول صادق ينطبق على حياتنا. فالحسد من طبيعة بني آدم، قائم منذ الأزل، يرافق الإنسان في مشوار حياته كالظل، تارة يزداد حدة وتارة يقل، وقد يستفحل في النفوس فيغدو فيها داء من غير دواء، فينشر فيها العداوة والبغضاء، وما يترتب عن ذلك من ضيق أفق وقصر نظر وسوء تصرف. فها هو الحسد يحمل قابيل على قتل شقيقه هابيل، في أول جريمة في تاريخ البشرية، في قوله تعالى: "فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (30 / المائدة).

وإن كان النجاح الذي يحققه المرء في العلوم والأدب والفنون وغير ذلك، يثير إعجاب الناس وسعادتهم إلاّ أنه قد يجلب لصاحبه من الحسد والحقيدة والأذى ما لا يحسب له حسبانا. وما ذلك بالأمر الغريب، فالخير والشر، من طبيعة البشر.

في مجتمعات عربية معروفة بنقص نُقادِها وقصور النَقْد فيها، وهو نقدٌ يظلُّ مركّزاً على عدد قليل من الأعمال، عاجزا عن مواكبة المؤلفات الأدبية المتزايدة، أيعقلُ أن نفسرَ المحاولات النقدية - التي لا تجامل المفكر أو الأديب العربي، وتضعه أمام الأمر الواقع، وتقارن أعماله بأعمال سابقة، وتنذر باحتمال ارتكابه سرقة - بالحسد وسوء النية والرغبة في الإساءة إلى المفكر أو الأديب الناجح والسعي للحط من منزلته وتشويه صورته وإعاقة مجهوداته وهدّ إنجازاته؟! فالسرقة ظاهرة حقيقية موجودة في حياة الإنسان، وليست وقفا على الأشياء المادية المحسوسة المحيطة به، فهي تمتد إلى الحقل العلمي والفكري والأدبي والفني.

السرقات الفكرية، في مفهومها، هي اغتصاب النتاج العقلي أيا كان نوعه أدبيا أو علميا أو فنياً أو آخر ونشره دون عرض المصدر الأصلي. وهي مختلفة وتشمل شتى المجالات الإبداعية من الأدب بما فيه من شعر ونثر، وعلوم من بحوث منهجية، وكتابات عامة تتناول شتى القضايا.

والسرقات الفكرية نوعان: السرقات التامة وتتمثّل في انتحال الإنتاج الفكري كاملا ونسبته إلى نفسه، والسرقات الجزئية وتتمثّل في أخذ جزء من عملٍ ما لتكملة عمل آخر. وتبقى السرقة سرقة، كبيرة كانت أم صغيرة.

جغرافياً، لا يقتصر الانتحال على أقطار دون أخرى. فكلّ التقارير الدولية يؤكد أن هذه المسألة أوسع وأخطر مما يظن بعضنا وأنها أخذت أبعادا خطيرة في سائر أنحاء الدنيا. فها هي صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية تؤكد استشراء هذه الظاهرة في كيان المجتمع الفرنسي مما حمل الجامعات الفرنسية على استخدام برامج مكافحة الانتحال. وتقول الصحيفة إن السرقات الفكرية أصبحت "ظاهرة حقيقية في الجامعات، تُؤخذ من الآن فصاعدا بجدية أكثر."

وغير بعيد عن فرنسا، ها هي المملكة المتحدة تقرع ناقوس الخطر من خلال صحيفتها "إندبندنت" التي تحدّثت عن "وباء الانتحال"، مشيرة إلى تورط رقم قياسي من الطلبة يناهز 50000!

تاريخياً، لا يُعدّ الانتحال وليد هذا العصر، إذ أنه يضرب بجذوره في أعماق التاريخ ويمتد إلى كل الحضارات البشرية، لا تخلو من آثاره ثقافة من الثقافات العالمية.
فها هو عميد الأدب العربي طه حسين يثير قضية الانتحال في الشعر الجاهلي من خلال مؤلفاته، فيثير الموضوع جدلا حادا في الوطن العربي.

وفي أوربا، يُعتقد أنّ الشاعر الإنجليزي الشهير ويليام شكسبير سرق حبكات مسرحياته التاريخية من هولنشيد. وأثير الجدل في العديد من المؤلفات الأدبية الناجحة في مختلف أنحاء العالم لتشابهها بأعمال سابقة. وفي الحقل الفني، في سنة 1976 أدين الفنان الإنجليزي المعروف جورج هاريسون في المحكمة بانتحال أغنية "مَيْ سويت لورد" الشهيرة، في أكبر فضيحة سرقة في عالم الموسيقى.
فالسرقات الفكرية واقع حمل الأمم على الإسراع إلى إدخال تقنيات دقيقة تساعد على كشف الانتحال والوقاية منه. ويبقى استخدام هذه التقنيات قليلا في الوطن العربي، يشارك فيه بعض المواقع، يتطوع فيها مثقفون لكشف السرقات الفكرية، مثل موقع "أصحاب العقول النيرة". وقد أثبت الباحثون في هذا الموقع تورط مفكرين وأدباء في السرقات الفكرية من أمثال السيد إبراهيم الفقي الذي نسب إلى نفسه زورا مقتبسات ليست له وإنما لمفكرين آخرين، ومن هذه الاقتباسات: "ابتعد عن الأشخاص الذين يحاولون التّقليل من طموحاتك، فالناس العظماء هم الذين يشعرونك أنك باستطاعتك أن تصبح واحداً منهم". وهذه ليست له وإنما للمفكر "مارك توين"!
Mark Twain
وقد قدم الموقع أدلة دامغة لا تترك مجالا للشك على تورطه في سرقة اقتباسات عالمية مترجمة وسرقات أدبية أخرى في كتبه الأدبية. ولولا جهود هؤلاء الباحثين لم اكتشف أمر لصوص الأدب والفكر من أمثال إبراهيم الفقي الذي شيّد عظمته وشهرته على حساب جهود مفكرين آخرين وعلى حساب الفكر والأدب، والمبادئ والأخلاق.

مثال آخر عن فضائح السرقات الفكرية نشرُ الصحفي المغربي الشهير توفيق بوعشرين مدير صحيفة "أخبار اليوم" مقال بعنوان "الإهانة" يونيو 2015 نسخة لمقال الفرنسي جاك أطالي! وما أكثر الأمثلة.

فخلاصة القول، صحيح أن بعض ما ينشر من أخبار السرقات الفكرية مجرد اتهامات، لكن هذا لا يعني على الإطلاق نكران هذه السرقات. وبعض الاتهامات يُدرج ضمن الاتهامات لنقص الأدلة فحسب ولا يعني براءة تامة. ووجود بعض الاتهامات الباطلة لا يخوِّلنا حق تعميم الأحكام ورمي كل المحاولات النقدية الساعية لكشف هذه السرقات، بالفشل والحسد والذهاب إلى حد مقارنتها بالإرهاب! فالإرهاب، في تصوري، كلمة خطيرة ومن الوزن الثقيل، لا مكان لها مطلقاً في مثل هذه السياقات.
فعميد الأدب العربي طه حسين مثلاً بريء من ذنب "الإرهاب" حينما كتب عن انتحال الشعر الجاهلي.

لا جرم أن السرقات الفكرية ظاهرة حقيقية وخطيرة تزداد انتشاراً وسوء في كامل أنحاء الدنيا كما تشير إلى ذلك التقارير والأرقام. وقد بلغ الأمر مبلغا جعل الصحف الفرنسية تصف القضية ب"الظاهرة الحقيقية" و"الوباء". وها هي الأمم المتحضرة تستثمر أموالا طائلة لاستخدام برامج متطورة حديثة تسمح بكشفها والوقاية منها، لإدراكها خطورة المسألة، وقد سمحت لها هذه الوسائل بتبين مدى استفحال هذا الداء وخطورته ودق ناقوس الخطر. وإن تأتّى أحياناً إثبات السرقة لأن المتهم بغبائه ترك بصماته في مكان الحادث، فإنه يعسر أحياناً إثبات الجريمة لدهاء السارق وبراعته، وهذا لا يعني بالضرورة براءته. إذ من الصعب تبرير تشابه الأعمال الأدبية نصا أو مضمونا، أحيانا في شكل نسخ – إلصاق. ومهما كان، لا مفر من الاجتهاد لمكافحة السرقات الأدبية وتسليط الأضواء على الأعمال التي تبدو نسخا لغيرها والتحقيق فيها. لكن لابد أن يعتمد التحقيق على الموضوعية وأن يسعى لاستخدام البرامج والتقنيات الحديثة. وعلى المفكر والأديب الناجح أن يتقبل أنه قد يلقى في مشواره حسدا واتهاما – وهذا أمر عادي في عالم التألق والنجومية - فلا يكترث بذلك ما دام يسير في طريق مستقيم ولم يرتكب ذنبا. ولماذا ينظر إلى الأمر بحساسية أكبر من اللازم إن كان القانون ينص على أن المتهم يبقى بريئا إلى أن يُثبت جرمه؟ ومهما كان، لن تؤثر التهم الباطلة في الأعمال الجيدة السليمة البريئة من مثل هذه السرقات. وهل يؤثِّر نباح الكلاب في مرور السحاب.

مولود بن زادي كاتب جزائري مقيم في بريطانيا

#مولود_بنزادي
#مولودبنزادي
#أدب_المهجر
#الأدب_الجزائري
#الأدب_العربي
#واسيني_الأعرج
#الرواية_الجزائرية
#mouloud_benzadi
#le_roman_algerien
#la_littérature_algérienne
#القدس_العربي
#التناص
#السرقات_الأدبية
#السرقات_الفكرية
#الانتحال



No comments:

Post a Comment