Saturday, 11 April 2015

سعاد العنزي كتاب مظاهر العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة

مقالتي في صحيفة (اللغة.. '

"عَبَثُ النُّقَّادِ، بِلُغَةِ الأجْدَادِ"
أخْطَاءُ الكَاتِبِ خَلِيل حَشلاف، والنّاقِدَةِ سُعَاد عَبْد الله العَنْزي
في كِتَابِها "صُوَر العُنْفِ السِّياسِي في الرِّوَايَةِ الجَزائِريَةِ المُعَاصِرَةِ"

نشرت آنفا عددا من المقالات النقدية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية التي وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، لا حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.

وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم لا يخضع ما أكتبه لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّهم هاجموني وانتقدوا منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم الناقد خليل حشلاف على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر في مقاله مما ذكره عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير خير شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي توخّى الكتابة به، وقواعد المضاف والمضاف إليه. وهذا دليل على أنّه في واقع الأمر يفكر بلغة أجنبية ثم يكتب بالعربية، وهذا أفظع خطأ يقع فيه الكاتب، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes  والعربية بفضل المضاف والمضاف إليه في غنى عن ذلك.
ويرمي الناقد خليل حشلاف اللّغويين من أمثالي بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، يجهل أبسط قواعد اللغة العربية التي تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
يبدو أنه قد غاب عن هؤلاء النقاد بأنَّ 'المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.'(1) وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات.
وقد أكون اليوم أوّل باحث لغوي يقوم بنقد دراسة نقدية أو بعبارة أخرى يقوم بنقد النقد، من خلال نقد لغويّ يتناول كتابا بعنوان "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" وهو دراسة مقارنة للباحثة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، (الكويت: دار الفراشة، 2010) وهو في أصله رسالة ماجستير.

ما أثار انتباهي وأنا أطالع كتاب سعاد العنزي هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، إذ لا تكاد تخلو منها صفحة من الصفحات.
وتبدأ هذه الأخطاء اللغوية في مقدمة الكتاب، ولكثرتها اكتفيت بجملة قليلة من الصفحات من 13 إلى 35، ولو تناولتُ الكتابَ من أوّله إلى آخره وأحصيت ُكلَّ ما فيه من أخطاء لألَّفْتُ في ذلك كتابا يعادل كتاب سعاد العنزي حجما أو يزيد عليه. فمن جملة هذه الأخطاء أذكر:

صفحة 13
"واستبعدت المكتوبة باللغة الفرنسية. وذلك لسببين: الأول شخصي يتمثل في عدم قدرتي لفهم تلك النصوص في لغتها الأم"
قادر على وليس قادر ل، 'فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة'(2) وخير ما نستدلّ به آية من الذكر الحكيم: "قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (البقرة\259)

صفحة 14
الخطأ الأول: "الفصل الثالث: «تجليات الحياة العنيفة»، ويشتغل في الأثر المعنوي والمادي للعنف": اشتغل في هذا السياق خطأ لغوي وهو استعمال الكلمة في غير محلها، إذ أنّ 'اشْتَغَلَ بكذا: عَمِل وتَلَهَّى به عن غيره. واشْتَغَلَ الدواء في جسمه: سَرَى ونجع'(3) وهذا مختلف عن المعنى الذي تريده الناقدة التي تبدو في هذا التعبير متأثّرة باللّهجات العامية التي في بعض الأحيان تستخدم هذا الفعل استخداما خاطئا في غير محله.

الخطأ الثاني: "الحصول إلى إجابة هذا السؤال": لا يقال الحصول إلى الشيء وإنما الحصول عليه: 'حَصَل حَصَلْتُ، أَحْصُلُ، اُحْصُلْ، مص. حُصُولٌ، مَحْصُولٌ حَصَلَ عَلَى الجَائِزَةِ الأُولَى: نَالَهَا حَصَلَ عَلَى شهَادَةِ البَكَالُورْيا: أَحْرَزَ عَلَيْهَا'(4)

صفحة 13 و14:
تنتقل بنا الكاتبة فجأة من ضمير المتحدث "أنا"(فمن بين الروايات لم يكن متوفرا لدي...) إلى ضمير الغائب (فحاولت الباحثة أن تقترب من ثلاث علامات...) فقد يلتبس الأمر على القراء والناقدة في غنى عن ذلك، إذ يمكنها التعبير بضمير المتكلم" أنا" أو إعادة صياغة ذلك الكلام باستعمال ضمير الغائب، فيبدو الكلام عندئذ منسجما، متناسقا، لا يثير الالتباس وسوء الفهم.

صفحة 19:
"ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل يشتمل على العنف اللغوي والنفسي... "
الخطأ الأول: خطأ صرفي وهو خطأ في استعمال القاعدة الصرفية بالوجه المراد، وفي هذا السياق تذكير ما حقّه التأنيث. فكلمة "أعمال" جمع تكسير يشار إليه بالمفرد المؤنّث، فالصواب إذا هو أن تقول: "تشتمل على العنف اللغوي والنفسي" وليس "يشتمل..."
الخطأ الثاني: خلط الأزمنة والانتقال غير المسوّغ من الماضي إلى المضارع في جملة واحدة معطوف آخر فعلها مع أوّله، والصواب أن تقول: "ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل شملت العنف اللغوي والنفسي..." على منوال: "ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب عليها السلام بل شملت أخواتها الطاهرات من آل رسول الله..." (5)

صفحة 20:
"صور العنف التي تطرقت لها الرواية"
لا يقال تطرّق له وإنما تطرّق إليه: "تطرق إِلَيْهِ ابْتغى إِلَيْهِ طَرِيقا وتوسل وَيُقَال تطرق إِلَى ذهنه كَذَا وتطرق إِلَى الْمَوْضُوع وَمَا أشبه ذلك" (6)

صفحة 20:
"وجد نفسه بين ثلاث اتجاهات": "ثلاث اتجاهات" خطأ والصواب "ثلاثة اتجاهات" لأنّ العدد المفرد من ثلاثة إلى عشرة يؤنّثُ مع المعدود المذكر، ويذكّرُ مع المعدود المؤنث ومثال على ذلك: ثلاثة أقلام، ثلاث صفحات. والحكم على العدد بالتأنيث أو التذكير لا يكون بمراعاة لفظ المعدود إذا كان هذا المعدود جمعاً وإنما يكون بالرجوع إلى المفرد، فنقول "ثلاثة قطارات" بتأنيث العدد "ثلاثة" مع أن المعدود "قطارات" مؤنث وذلك لأن مفرد المعدود وهو "قطار" وهو اسم مذكر. وخير مثال آية بينة من الذكر الحكيم: "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود\7)، وأيضا قوله عزّ وجلّ: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"(يوسف\43)
صفحة 22:
"كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهم أصحاب الطاغوت" ثمة خلط بين المفرد والجمع، فكلمة "كلّ" تدلّ على الشمول وحكمها الإفراد والتذكير كما جاء في الذكر الحكيم "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن/26)، وعليه فالصواب أن نتقيّد بذلك في بقية الجملة فنقول: "كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهو من أصحاب الطاغوت"

صفحة 25:
"تسبب هذا الأمر بردة فعل لدى الشارع الجزائري" تسبّب ب خطأ لغويّ وهو إحلال الكلمة في غير محلّها لغةً، والصواب تَسَبَّبَ في، مص. تَسَبُّبٌ. تَسَبَّبَ الوَلَدُ فِي كُلِّ مَا حَدَثَ: كَانَ سَبَباً فِي ذَلِكَ'(7) أما تسبّب ب فلها معنى مختلف اختلافا شاسعاً عن المعنى الذي تقصده الناقدة وهو تَسَبَّبَ بِهِ إِلَيْهِ: تَوَسَّلَ(7)

صفحة 30:
الخطأ الأول: "وما يقابله من غنى وثراء": هذا نوع من الحشو ويسمى في علم البلاغة التطويل، كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب لغير موجب يوجبه المقام نثراً أو نظماً، ومثال على ذلك النعاس والنوم، والبعد والنوى، والحظّ والنصيب، وحذف إحدى الكلمتين لن يؤثر في المعنى.

الخطأ الثاني: "هذا الفقر والعوز الذي يعيشه المجتمع": هذا خطأ صرفي لأنّ الفقر والعوز مثنى، فلا بدّ أن نحوّل العبارة إلى صيغة المثنّى، فالصواب أن نقول: هذا الفقر والعوز اللّذان يعيشُهُما المجتمع.
ملاحظة: ما علمتُ العرب قالوا "عشتُ الفقرَ أو البؤسَ، لكنهم قالوا: "عرفتُ الفقر..." وجربته وابتُليتُ به وهلم جرا.

صفحة 31:
"المتأمل في المجتمع الجزائري يجده خليط من العرب...": خليط خطأ نحوي والصواب خليطاً، ففعل "وجد" فعل متعدٍّ ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ويفيد اليقين، ومثال على ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء/64).

صفحة 34:
الخطأ الأول: "وجد في العنف المتنفس الوحيد الذي ينتقم فيها من مجتمع عاقبه" لا نقول فيها وإنما فيه لأنّه يعود على العنف المتنفّس الوحيد وهو بطبيعة الحال مذكر.

الخطأ الثاني: "فريد زيتوني، الذي تعرض للعنف قبل زمن الإرهاب من قبل موح الكحل رئيس المفرزة، إذا اتهم بسرقة": إذا في هذا السياق في غير محلها، والصواب ربما هو أن نقول: إذ أنّه اتهم بسرقة.

صفحة 35:
"فما أن أتت الفرصة المواتية، سعى جاهدا ليرد ثأره." استعملت الناقدة تركيب 'ما أن' بمعنى المفاجأة، فالمعنى الذي تريده من غير شكّ هو "أتت الفرصة المواتية، فإذا به يسعى جاهدا ليرد ثأره." غير أنها أساءت استعمال التركيب ولم تستعمل فيه حرف الجر 'حتى' فنحن هنا نحتاج إلى تركيب (ما إن... حتى) على منوال البيت الشعري التالي:
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ***حتى تعجل بالبعادِ فراقها (8)
فالصواب أن نقول: " فما إن أتت الفرصة المواتية حتى سعى جاهدا ليرد ثأره."

وخلاصة القول إنّه يحزنني أن أرى نقادا من أمثال سعاد العنزي والناقد خليل حشلاف ينشرون دراسات ومقالات نقدية على أنقاض لغة في مقام اللغة العربية، وقد لا ينتبه لذلك المصححون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه، فتسلك طريقها من غير رقابة إلى أعلى قمم النجاح والمجد، وتدرّس في المعاهد والجامعات، وتقع بين أيادي الشباب، وفيها ما فيها من أخطاء وشوائب.
إنّا لنفحص المؤلفات النقدية الغربية فلا نرى فيها للأخطاء أثرا، ونفحص مؤلفاتنا فنرى فيها خطأ خطيراً وضرراً. ومع ذلك تتعالى عندنا الأصوات لتقلّل من شأن هذه الأخطاء، ولتقلّل من شأن النقد اللغوي الذي أقوم به محاربةً آفة الأخطاء في مؤلفاتنا، وحمايةً لغتنا. والنقد في أصله نقد لغوي، تقول عنه الباحثة فريدة بوﻟﻜﻌﻴﺒﺎﺕ: 'هو أكثر أنواع النقد التي لفتت انتباهي، لما كان فيه من حرص النقاد على المحافظة على اللغة العربية لغة القرآن لصيانتها من كل لحن فساد، يتسرب إليها نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأعجمية.' (9)
فقد كان النقد اللغوي الأصل والمحرك وكان له بالغ الأثر في الأدب العربي، فلا يمكن بحالٍ من الأحوال حصر النقد فيما نراه اليوم من مناهج والاستهانة بالنقد اللغوي وهو الأصل والمنبع في عصر يتميّز بتفشّي العامية وتأثيرات اللغات الأجنبية وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والعجز عن إتقان اللغة العربية.

بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا
___________________________
(1). أثر المنهج اللغوي

No comments:

Post a Comment