Monday, 27 April 2015
حوار صحيفة الأوراس مع الكاتب مولود بن زادي أبريل 2015
حوارات\
الصحيفة: صحيفة الأوراس الجزائرية
التاريخ: 26 أبريل 2015
أجرى الحوار: الصحفية والكاتبة رقية لحمر
الكاتب: مولود بن زادي
مكان الإقامة: المملكة المتحدة
(الحوار حصري في صحيفة الأوراس:
الحوار منشور حصريا في صحيفة الأوراس، ولهذا فإني أنشر فقط هذا الجزء القصير منه وفيه مقتطفات من الحوار الطويل الذي شغل صفحة كاملة في الجريدة. (أتقدم بخالص الشكر والتقدير للقائمين على هذه الصحيفة الغراء والصحفية الرائعة رقية لحمر)
مولود بن زادي من بريطانيا:
"لن يبلغ أدبنا العالمية بأعمال أدبية يغلب عليها الشكل والأسلوب الشعري، وتفتقر إلى أفكار وعبر"
الأوراس: هل النزعة التحرّرية في الكتابة هي من سمات أدب المهجر؟
بن زادي: بكل تأكيد، وهي انعكاس للواقع، فالكاتب الذي يحيا في قرية محافظة سيكتب بحرية أقل من الكاتب الذي يعيش في المدينة، والكاتب الذي يعيش خارج الأوطان سيكون بلا شك أكثر تحررا من الكاتب المحلي، فهذا يعيش في محيط متحرر والآخر يعيش في محيط تحكمه العادات والتقاليد وغير ذلك والتأثير بيِّنٌ والفرق شاسع. وخير مثال ربما شعراء المهجر الذين أشرت إليهم آنفا والذين بدوا في مؤلقاتهم أكثر تحررا من زملاهم المحليين في مصر وبلاد الشام.
******
الأوراس: هل هنالك تواصل بين أدباء المهجر والأدباء المتواجدين في الجزائر؟
بن زادي: قليل جدا للأسف، فأنا أشعر أن الكاتب القديم ليس منفتحا ومستعدا للتعاون معنا بقدر الكفاية. لعله يخشى على مقامه. وأنا هنا أؤكد انني لا ابحث عن مكان أحد، فأنا موجود في بريطانيا وليس في الجزائر، فكل ما أريده هو التعاون مع هؤلاء بما يخدم الأدب الجزائري ويشرف الجزائر، والتحاق كاتب أو كاتبين بهؤلاء لن يؤثر عليهم سلبا، بالعكس، فالتعاون أفضل من الصراع. للأسف حاول أحدهم إقصائي من الساحة الأدبية، وحذفني من أحد المواقع وكنتُ مسجلا فيه من قبل كبقية الكتاب، ومنع روايتي الجديدة "رياح القدر" من المشاركة في مسابقة أفضل رواية لسنة 2014 بذلك الموقع من غير حق. هكذا اختار الترحيب بمواطنه المغترب الذي أهدى المكتبة الوطنية والجزائر معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية وهو الأول من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي وأيضا كتاب الأفعال المركبة الإنجليزية باللغة العربية وهو بلا شك الأول من نوعه في الجزائر! فأنا بدلا من التكريم لقيت الإقصاء!
أغتنم هذه الفرصة لأدعو أدباءنا الكبار من أمثال واسيني الأعرج وأمين الزاوي إلى عدم الاستماع الى بعض المغرضين ومساعدتي على المشاركة في الساحة الأدبية من الجزر البريطانية وأنا مستعد للتعاون معهم وإني أشعر أني قادر على تمثيل الجزائر أفضل تمثيل في بريطانيا وخدمتها مع هؤلاء الزملاء حتى وإن اختلفت أفكارنا وتوجهاتنا.
******
الأوراس: لنعد الى كتاباتك، ومؤلفاتك والتي كانت متعددة ومتنوعة مرورا بقصص الأطفال، الى معجم باللغة الانجليزيةّ، وروايتين "عبرات وعبر ورياح القدر"، ما سبب هذا التنوع، وهل هذا يزيد من رصيد الكاتب في اعطاء صورة اشمل وأعمق بأن يكون التعدد باب لرصد كل مضاهي الحياة عند الكاتب؟
بن زادي: يحدث هذا التنوع بلا ريب عندما يجتمع فينا عناصران هامان أو بالأحرى محركان قويان وهما الموهبة والإرادة. زد على ذلك أني درست لغات وهذا ما يؤهلني للبحث في حقل اللغة وكتابة النقد اللغوي، وخوض معركة تصنيف المعجم وهي معركة طويلة وشاقّة قد يدخلها الباحث فيتوه في مسالكها الوعرة ولا يعرف الخروج منها سالما...
******
الأوراس: كانت هنالك قفزة نوعية من خلال ما لحظناه، فمن كتابة الرواية وتأليف المعجم انتقلت الى النقد ؟ لماذا النقد بالذات؟
بن زادي: لعلّ الدافع الرئيس هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية في مؤلفات هذا العصر وهي أخطاء باتت تنتقل من طبعة إلى أخرى ولا أحد يبالي. وشاهدت أخطاء مثلا في الرواية الشهيرة "الزقاق المدق" لنجيب محفوظ بقيت تنتقل من طبعة إلى أخرى لأكثر من نصف قرن، فيتعلّمها النشء وتتناقلها الأجيال. وقد أكدت آنفاً الشاعرة البحرينية بروين حبيب وهي في لجنة تحكيم جائزة البوكر أنّ من أسباب إقصاء الروايات المرشحة للجائزة كثرة الأخطاء، ووصفت الأخطاء بالفادحة في حق اللغة العربية، وقالت بعض الكتاب لا يفرق بين الرفع والنصب والجر ولا يحسن استخدام الفعل في صيغة الجزم، وهذا شيء غير مقبول!
******
الأوراس: ولماذا اخترتم احلام مستغانمي في أول مقالة نقدية لك من بين كل ادباء الجزائر؟
بن زادي: بصراحة لأنها في قمة الهرم الأدبي، والإنسان بطبيعته عندما ينظر إلى الجبل فإنّ بصره يتجه عادة إلى أعلى الجبل وليس إلى أسفله، وإن نظرنا إلى مشاهد طبيعية في لوحات زيتية فإنّ أبصارنا تقع على الأشياء الكبيرة من تلال وأنهار وأشجار قبل الأشياء الدقيقة. لكني في وقت لاحق شعرتُ ببعض الذنب لأنّ أحلام مستغانمي اجتهدت لتطوير الأسلوب الشعري - ولو أنه لي تحفظات بشأن هذا الأسلوب ولا أراه مناسبا لتحقيق العالمية - كان ربما يستحسن أن أنتقد هؤلاء الأدباء المتطفلين من حولها الذين راحوا يقلدون أسلوبها ويحصدون ثمار تعبها على منوال العبارة الشعبية "أنت تطيّب وأنا أكل"!
******
الأوراس: كيف ترى الحراك الثقافي في الجزائر؟ وهل تستطيع الرواية الجزائرية أن تصل الى العالمية وتكون بدايتها من الجزائر وليس المهجر؟
بن زادي: لست راضيا عن المشهد الثقافي الذي يميزه العزوف الرهيب عن القراءة وصعوبة نشر الكتاب وتوزيعه وغير ذلك.
وفيما يخص العالمية لا يهم أبدا إن بلغناها انطلاقا من الجزائر أو بلاد المهجر لأن كل ذلك يؤدّي إلى تشريف الجزائر. لكن كما ذكرتُ في حوارات وحصص من قبل "لن نبلغ العالمية بأعمال يغلب عليها الأسلوب الشعري والمكياج والحشو وتفتقر إلى أفكار وعبر".. ما نريده هو نجاح كامل يقوم على أساس متين يضمن لأعمالنا الخلود وليس نجاح آني أو مجرد جوائز - مهما كان حجمها - والتي قد نحصل عليها من باب المجاملة أو الخدمة.. نريد الصفوة لا الرغوة.. ما يؤول إلى الخلود وليس الزوال.
******
الأوراس: ماذا عن مشاريعك المستقبيلة؟ والى ماذا تطمح؟
بن زادي: بدأت رواية جديدة حواراتية لأول مرة على منوال رواية "يا ابن آدم" للأديب المهجري الرائع ميخائيل نعيمة تتناول موضوع الصداقة في هذا الزمن. وإن طال العمر أود كتابة رواية عاطفية أخرى وعدت بها الأصدقاء منذ سنوات وهي "فتاة من النمسا" ولا أدري إلى أي حد أستطيع أن أذهب في تقديم تفاصيل هذه التجربة الغرامية بحكم التقاليد والأعراف.
*****
الأوراس: لو أعطيت لك فرصة الرجوع الى الجزائر وأن تكون بدايتك فيها، هل كان سيختلف عن ماكتبته بحكم العادات والتقاليد؟
بن زادي: بكل تأكيد.. كنت ربما سأكتب روايات خيالية خالية من الأفكار وبعيدة عن الإنسانية.
******
الأوراس: ماذا تنتظر أن تقدّم الجزائر للأدباء المهجر؟
بن زادي: مساعدتنا على نشر أعمالنا وتوزيعها وتقريبنا من القراء في الجزائر، ولِمَ لا دعوات لحضور ملتقيات أدبية وثقافية مثل قسنطينة عاصمة الثقافة العربية أو مهرجان تلمسان، ولو شاركتُ لأعطيت صورة مشرفة عن المثقف الجزائري خارج الديار، ولو أتلقى قليلا من الدعم المعنوي من الجزائر أشعر اني قادر على تمثيلها أفضل تمثيل خارج الديار، فحتى الآن ما أنجزته هو مجهود فردي وبمساعدة أصدقاء فحسب...
Friday, 24 April 2015
أمثال وحكم الكاتب مولود بن زادي في الصداقة
Friendship quotes by M. Benzadi
أمثال وحكم الكاتب والمترجم مولود بن زادي في موضوع الصداقة.
في زمن طغت عليه المصالح الشخصية، صار يدخل حياتنا أشخاص ويخرجون منها سريعا ومن بابها الواسع وحتى من غير وداع إلا من أتى رغبة في صداقتنا، لا بحثا عن أغراض ومصالح فينا..
هذه المقولة مقتبسة من قصتي الجديدة التي تتناول موضوع الصداقة في هذا العصر.
مودتي وتقديري
M. Benzadi
United Kingdom
Royaume-Uni
"يَتَسَاقَطُ الأصْدِقَاءُ كَأوْرَاقِ الشَّجَرِ في الخَرِيف،
ولا يَبْقَى مِنْهُمْ إلاَّ الصَّادِقُ، المُخْلِصُ، العَفِيف."
حصّة "مِنَ المَمْلَكَةِ المُتَّحِدَة" مولود بن زادي لقناة البلاد الجزء 3 من مدرسة ابن باديس بلندن بريطانيا
حصّة "مِنَ المَمْلَكَةِ المُتَّحِدَة" مولود بن زادي لقناة البلاد
الجزء 3 من مدرسة ابن باديس بلندن بريطانيا
https://youtu.be/w7BodETnaF0
Sunday, 19 April 2015
رواية رياح القدر للكاتب مولود بن زادي دراسة نقدية الجزء الثاني بقلم أبو يونس الطيب
دراسات نقدية\
الرواية: رياح القدر
عدد الصفحات: 190
الصنف: واقعي \أدب المهجر
الروائي: مولود بن زادي
مكان الإقامة: بريطانيا
بقلم: الناقد أبو يونس الطيب
النسق المهجري والشعور بالغربة:
الجزء الثاني:
النزعة التشاؤمية - وهي من سمات أدب المهجر - في رواية "رِيَاحُ القَدَر" الواقعية
"لاشك أنّ قارئ الرواية سيلامس من خلال المنحى الرومنطيقي الكئيب شيئا من الحزن والتشاؤم وهي من سمات أدب المهجر يشترك فيها كاتبنا المهجري وقدماء كتاب المهجر من أمثال جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي الذين تداخل لديهم الشعور بالغربة والوحدة والإحساس بالحزن والكآبة والتشاؤم واليأس، وهو شعور طبيعي من وجهة نفسية بالنسبة إلى من عاش الغربة، ومن سمات الرومنطيقي العربي أنّه يتراءى لنا حيران قلقا كأعنف وأقسى ما يكون، وهو لا يملك من أمره إلاّ الإحساس بذلك والتذمّر منه، ويبدو لنا ذلك في مقدمة الرواية حينما يقول:
"وما الحنين الجارف إلى الأوطان والأهل والأحباب الذي ما برح ينتابني وأنا أخط هذه الأسطر إلاّ شيء من ذلك.. يجرفني تيار الحنين في طريقه فأتدحرج وأسقط في بركه الألم والغمّ، فيخرج من أعماقي أنين معبّر عن شيء مما أشعر به نحو بلادي".
ولا شك أنّ هذا الإحساس بالغربة والحيرة والقلق يولد لديهم مرضا روحيا يغرفون منه إبداعاتهم الرومنطيقية من حيث الانفعال وهو ما شخصه العالم الفرنسي "برجنسون" الذي عمد إلى الغوص الذاتي "دراسة الطبيعة البشرية" والذي يؤكّد على أهمية الانفعال العميق (لا السطحي) إزاء عملية الإبداع بمعنى أنّ الانفعال هو الذي يعطي الشرارة للإبداع... "
(تُتبع A suivre)
Saturday, 18 April 2015
أمثال وحكم الكاتب مولود بن زادي في المبالغة والمدح
"إنْ رَاقَكَ شَيْءٌ مِنَ الأشْيَاءِ، فَلا تُفْرِطْ فِي المَدْحِ وَالثَّنَاءِ، فَالْوَرْدُ يَمُوتُ مِنْ كثْرَةِ المَاءِ " مولود بن زادي
Thursday, 16 April 2015
Rien n'est plus dangereux qu'une société qui ne lit pas
Mon article dans le quotidien algérien ELWATAN intitulé Rien n'est plus dangereux qu'une société qui ne lit pas
http://www.elwatandz.com/culture/14372.html
Wednesday, 15 April 2015
نقد سعاد العنزي وخليل حشلاف بقلم مولود بن زادي في يومية الناقد العراقي
Mon article dans le quotidien Iraqi (ALNAKED ALIRAQI)
مقالتي في اليومية العراقية (الناقد العراقي) بعنوان "عبث النقاد، بلغةِ الأجداد" في نقد الكاتبة سعاد العنزي والروائي خليل حشلاف
كل الشكر والتقدير للقائمين على هذه الصحيفة الخليجية الغراء
http://www.alnaked-aliraqi.net/article/26948.php
"عَبَثُ النُّقَّادِ، بِلُغَةِ الأجْدَادِ"
أخْطَاءُ النُّقَّادِ: قِرَاءَةٌ في كِتَابِ "صُوَر العُنْفِ السِّياسِي في الرِّوَايَةِ الجَزائِريَةِ المُعَاصِرَةِ للنّاقِدَةِ الكويتية سُعَاد عَبْد الله العَنْزي"
نشرت آنفا عددا من المقالات النقدية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية التي وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، لا حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.
وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم لا يخضع ما أكتبه لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّهم هاجموني وانتقدوا منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم الناقد خليل حشلاف على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر في مقاله مما ذكره عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير خير شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي توخّى الكتابة به، وقواعد المضاف والمضاف إليه. وهذا دليل على أنّه في واقع الأمر يفكر بلغة أجنبية ثم يكتب بالعربية، وهذا أفظع خطأ يقع فيه الكاتب، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية بفضل المضاف والمضاف إليه في غنى عن ذلك.
ويرمي الناقد خليل حشلاف اللّغويين من أمثالي بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، يجهل أبسط قواعد اللغة العربية التي تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
يبدو أنه قد غاب عن هؤلاء النقاد بأنَّ 'المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.'(1) وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات.
وقد أكون اليوم أوّل باحث لغوي يقوم بنقد دراسة نقدية أو بعبارة أخرى يقوم بنقد النقد، من خلال نقد لغويّ يتناول كتابا بعنوان "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" وهو دراسة مقارنة للباحثة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، (الكويت: دار الفراشة، 2010) وهو في أصله رسالة ماجستير.
ما أثار انتباهي وأنا أطالع كتاب سعاد العنزي هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، إذ لا تكاد تخلو منها صفحة من الصفحات.
وتبدأ هذه الأخطاء اللغوية في مقدمة الكتاب، ولكثرتها اكتفيت بجملة قليلة من الصفحات من 13 إلى 35، ولو تناولتُ الكتابَ من أوّله إلى آخره وأحصيت ُكلَّ ما فيه من أخطاء لألَّفْتُ في ذلك كتابا يعادل كتاب سعاد العنزي حجما أو يزيد عليه. فمن جملة هذه الأخطاء أذكر:
صفحة 13
"واستبعدت المكتوبة باللغة الفرنسية. وذلك لسببين: الأول شخصي يتمثل في عدم قدرتي لفهم تلك النصوص في لغتها الأم"
قادر على وليس قادر ل، 'فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة'(2) وخير ما نستدلّ به آية من الذكر الحكيم: "قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (البقرة\259)
صفحة 14
الخطأ الأول: "الفصل الثالث: «تجليات الحياة العنيفة»، ويشتغل في الأثر المعنوي والمادي للعنف": اشتغل في هذا السياق خطأ لغوي وهو استعمال الكلمة في غير محلها، إذ أنّ 'اشْتَغَلَ بكذا: عَمِل وتَلَهَّى به عن غيره. واشْتَغَلَ الدواء في جسمه: سَرَى ونجع'(3) وهذا مختلف عن المعنى الذي تريده الناقدة التي تبدو في هذا التعبير متأثّرة باللّهجات العامية التي في بعض الأحيان تستخدم هذا الفعل استخداما خاطئا في غير محله.
الخطأ الثاني: "الحصول إلى إجابة هذا السؤال": لا يقال الحصول إلى الشيء وإنما الحصول عليه: 'حَصَل حَصَلْتُ، أَحْصُلُ، اُحْصُلْ، مص. حُصُولٌ، مَحْصُولٌ حَصَلَ عَلَى الجَائِزَةِ الأُولَى: نَالَهَا حَصَلَ عَلَى شهَادَةِ البَكَالُورْيا: أَحْرَزَ عَلَيْهَا'(4)
صفحة 13 و14:
تنتقل بنا الكاتبة فجأة من ضمير المتحدث "أنا"(فمن بين الروايات لم يكن متوفرا لدي...) إلى ضمير الغائب (فحاولت الباحثة أن تقترب من ثلاث علامات...) فقد يلتبس الأمر على القراء والناقدة في غنى عن ذلك، إذ يمكنها التعبير بضمير المتكلم" أنا" أو إعادة صياغة ذلك الكلام باستعمال ضمير الغائب، فيبدو الكلام عندئذ منسجما، متناسقا، لا يثير الالتباس وسوء الفهم.
صفحة 19:
"ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل يشتمل على العنف اللغوي والنفسي... "
الخطأ الأول: خطأ صرفي وهو خطأ في استعمال القاعدة الصرفية بالوجه المراد، وفي هذا السياق تذكير ما حقّه التأنيث. فكلمة "أعمال" جمع تكسير يشار إليه بالمفرد المؤنّث، فالصواب إذا هو أن تقول: "تشتمل على العنف اللغوي والنفسي" وليس "يشتمل..."
الخطأ الثاني: خلط الأزمنة والانتقال غير المسوّغ من الماضي إلى المضارع في جملة واحدة معطوف آخر فعلها مع أوّله، والصواب أن تقول: "ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل شملت العنف اللغوي والنفسي..." على منوال: "ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب عليها السلام بل شملت أخواتها الطاهرات من آل رسول الله..." (5)
صفحة 20:
"صور العنف التي تطرقت لها الرواية"
لا يقال تطرّق له وإنما تطرّق إليه: "تطرق إِلَيْهِ ابْتغى إِلَيْهِ طَرِيقا وتوسل وَيُقَال تطرق إِلَى ذهنه كَذَا وتطرق إِلَى الْمَوْضُوع وَمَا أشبه ذلك" (6)
صفحة 20:
"وجد نفسه بين ثلاث اتجاهات": "ثلاث اتجاهات" خطأ والصواب "ثلاثة اتجاهات" لأنّ العدد المفرد من ثلاثة إلى عشرة يؤنّثُ مع المعدود المذكر، ويذكّرُ مع المعدود المؤنث ومثال على ذلك: ثلاثة أقلام، ثلاث صفحات. والحكم على العدد بالتأنيث أو التذكير لا يكون بمراعاة لفظ المعدود إذا كان هذا المعدود جمعاً وإنما يكون بالرجوع إلى المفرد، فنقول "ثلاثة قطارات" بتأنيث العدد "ثلاثة" مع أن المعدود "قطارات" مؤنث وذلك لأن مفرد المعدود وهو "قطار" وهو اسم مذكر. وخير مثال آية بينة من الذكر الحكيم: "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود\7)، وأيضا قوله عزّ وجلّ: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"(يوسف\43)
صفحة 22:
"كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهم أصحاب الطاغوت" ثمة خلط بين المفرد والجمع، فكلمة "كلّ" تدلّ على الشمول وحكمها الإفراد والتذكير كما جاء في الذكر الحكيم "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن/26)، وعليه فالصواب أن نتقيّد بذلك في بقية الجملة فنقول: "كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهو من أصحاب الطاغوت"
صفحة 25:
"تسبب هذا الأمر بردة فعل لدى الشارع الجزائري" تسبّب ب خطأ لغويّ وهو إحلال الكلمة في غير محلّها لغةً، والصواب تَسَبَّبَ في، مص. تَسَبُّبٌ. تَسَبَّبَ الوَلَدُ فِي كُلِّ مَا حَدَثَ: كَانَ سَبَباً فِي ذَلِكَ'(7) أما تسبّب ب فلها معنى مختلف اختلافا شاسعاً عن المعنى الذي تقصده الناقدة وهو تَسَبَّبَ بِهِ إِلَيْهِ: تَوَسَّلَ(7)
صفحة 30:
الخطأ الأول: "وما يقابله من غنى وثراء": هذا نوع من الحشو ويسمى في علم البلاغة التطويل، كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب لغير موجب يوجبه المقام نثراً أو نظماً، ومثال على ذلك النعاس والنوم، والبعد والنوى، والحظّ والنصيب، وحذف إحدى الكلمتين لن يؤثر في المعنى.
الخطأ الثاني: "هذا الفقر والعوز الذي يعيشه المجتمع": هذا خطأ صرفي لأنّ الفقر والعوز مثنى، فلا بدّ أن نحوّل العبارة إلى صيغة المثنّى، فالصواب أن نقول: هذا الفقر والعوز اللّذان يعيشُهُما المجتمع.
ملاحظة: ما علمتُ العرب قالوا "عشتُ الفقرَ أو البؤسَ، لكنهم قالوا: "عرفتُ الفقر..." وجربته وابتُليتُ به وهلم جرا.
صفحة 31:
"المتأمل في المجتمع الجزائري يجده خليط من العرب...": خليط خطأ نحوي والصواب خليطاً، ففعل "وجد" فعل متعدٍّ ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ويفيد اليقين، ومثال على ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء/64).
صفحة 34:
الخطأ الأول: "وجد في العنف المتنفس الوحيد الذي ينتقم فيها من مجتمع عاقبه" لا نقول فيها وإنما فيه لأنّه يعود على العنف المتنفّس الوحيد وهو بطبيعة الحال مذكر.
الخطأ الثاني: "فريد زيتوني، الذي تعرض للعنف قبل زمن الإرهاب من قبل موح الكحل رئيس المفرزة، إذا اتهم بسرقة": إذا في هذا السياق في غير محلها، والصواب ربما هو أن نقول: إذ أنّه اتهم بسرقة.
صفحة 35:
"فما أن أتت الفرصة المواتية، سعى جاهدا ليرد ثأره." استعملت الناقدة تركيب 'ما أن' بمعنى المفاجأة، فالمعنى الذي تريده من غير شكّ هو "أتت الفرصة المواتية، فإذا به يسعى جاهدا ليرد ثأره." غير أنها أساءت استعمال التركيب ولم تستعمل فيه حرف الجر 'حتى' فنحن هنا نحتاج إلى تركيب (ما إن... حتى) على منوال البيت الشعري التالي:
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ***حتى تعجل بالبعادِ فراقها (8)
فالصواب أن نقول: " فما إن أتت الفرصة المواتية حتى سعى جاهدا ليرد ثأره."
وخلاصة القول إنّه يحزنني أن أرى نقادا من أمثال سعاد العنزي والناقد خليل حشلاف ينشرون دراسات ومقالات نقدية على أنقاض لغة في مقام اللغة العربية، وقد لا ينتبه لذلك المصححون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه، فتسلك طريقها من غير رقابة إلى أعلى قمم النجاح والمجد، وتدرّس في المعاهد والجامعات، وتقع بين أيادي الشباب، وفيها ما فيها من أخطاء وشوائب.
إنّا لنفحص المؤلفات النقدية الغربية فلا نرى فيها للأخطاء أثرا، ونفحص مؤلفاتنا فنرى فيها خطأ خطيراً وضرراً. ومع ذلك تتعالى عندنا الأصوات لتقلّل من شأن هذه الأخطاء، ولتقلّل من شأن النقد اللغوي الذي أقوم به محاربةً آفة الأخطاء في مؤلفاتنا، وحمايةً لغتنا. والنقد في أصله نقد لغوي، تقول عنه الباحثة فريدة بوﻟﻜﻌﻴﺒﺎﺕ: 'هو أكثر أنواع النقد التي لفتت انتباهي، لما كان فيه من حرص النقاد على المحافظة على اللغة العربية لغة القرآن لصيانتها من كل لحن فساد، يتسرب إليها نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأعجمية.' (9)
فقد كان النقد اللغوي الأصل والمحرك وكان له بالغ الأثر في الأدب العربي، فلا يمكن بحالٍ من الأحوال حصر النقد فيما نراه اليوم من مناهج والاستهانة بالنقد اللغوي وهو الأصل والمنبع في عصر يتميّز بتفشّي العامية وتأثيرات اللغات الأجنبية وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والعجز عن إتقان اللغة العربية.
بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا
رابط المقالة:
http://arabiclanguageic.org/view_page.php?id=6288
___________________________
(1). أثر المنهج اللغوي في النقد العربي القديم
(2). لسان العرب
(3). معجم الوسيط
(4). معجم الغني
(5). زينب الكبرى عليها السلام من المهد إلى اللحد بقلم السيد محمد كاظم القزويني
(6). معجم الوسيط
(7). معجم الغني
(8). الشاعر محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني، شمس الدين
(9). النقد اللغوي في القرن الرابع - فريدة بولكعيبات)
مقالتي في اليومية العراقية (الناقد العراقي) بعنوان "عبث النقاد، بلغةِ الأجداد" في نقد الكاتبة سعاد العنزي والروائي خليل حشلاف
كل الشكر والتقدير للقائمين على هذه الصحيفة الخليجية الغراء
http://www.alnaked-aliraqi.net/article/26948.php
"عَبَثُ النُّقَّادِ، بِلُغَةِ الأجْدَادِ"
أخْطَاءُ النُّقَّادِ: قِرَاءَةٌ في كِتَابِ "صُوَر العُنْفِ السِّياسِي في الرِّوَايَةِ الجَزائِريَةِ المُعَاصِرَةِ للنّاقِدَةِ الكويتية سُعَاد عَبْد الله العَنْزي"
نشرت آنفا عددا من المقالات النقدية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية التي وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، لا حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.
وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم لا يخضع ما أكتبه لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّهم هاجموني وانتقدوا منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم الناقد خليل حشلاف على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر في مقاله مما ذكره عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير خير شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي توخّى الكتابة به، وقواعد المضاف والمضاف إليه. وهذا دليل على أنّه في واقع الأمر يفكر بلغة أجنبية ثم يكتب بالعربية، وهذا أفظع خطأ يقع فيه الكاتب، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية بفضل المضاف والمضاف إليه في غنى عن ذلك.
ويرمي الناقد خليل حشلاف اللّغويين من أمثالي بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، يجهل أبسط قواعد اللغة العربية التي تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
يبدو أنه قد غاب عن هؤلاء النقاد بأنَّ 'المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.'(1) وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات.
وقد أكون اليوم أوّل باحث لغوي يقوم بنقد دراسة نقدية أو بعبارة أخرى يقوم بنقد النقد، من خلال نقد لغويّ يتناول كتابا بعنوان "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" وهو دراسة مقارنة للباحثة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، (الكويت: دار الفراشة، 2010) وهو في أصله رسالة ماجستير.
ما أثار انتباهي وأنا أطالع كتاب سعاد العنزي هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، إذ لا تكاد تخلو منها صفحة من الصفحات.
وتبدأ هذه الأخطاء اللغوية في مقدمة الكتاب، ولكثرتها اكتفيت بجملة قليلة من الصفحات من 13 إلى 35، ولو تناولتُ الكتابَ من أوّله إلى آخره وأحصيت ُكلَّ ما فيه من أخطاء لألَّفْتُ في ذلك كتابا يعادل كتاب سعاد العنزي حجما أو يزيد عليه. فمن جملة هذه الأخطاء أذكر:
صفحة 13
"واستبعدت المكتوبة باللغة الفرنسية. وذلك لسببين: الأول شخصي يتمثل في عدم قدرتي لفهم تلك النصوص في لغتها الأم"
قادر على وليس قادر ل، 'فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة'(2) وخير ما نستدلّ به آية من الذكر الحكيم: "قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (البقرة\259)
صفحة 14
الخطأ الأول: "الفصل الثالث: «تجليات الحياة العنيفة»، ويشتغل في الأثر المعنوي والمادي للعنف": اشتغل في هذا السياق خطأ لغوي وهو استعمال الكلمة في غير محلها، إذ أنّ 'اشْتَغَلَ بكذا: عَمِل وتَلَهَّى به عن غيره. واشْتَغَلَ الدواء في جسمه: سَرَى ونجع'(3) وهذا مختلف عن المعنى الذي تريده الناقدة التي تبدو في هذا التعبير متأثّرة باللّهجات العامية التي في بعض الأحيان تستخدم هذا الفعل استخداما خاطئا في غير محله.
الخطأ الثاني: "الحصول إلى إجابة هذا السؤال": لا يقال الحصول إلى الشيء وإنما الحصول عليه: 'حَصَل حَصَلْتُ، أَحْصُلُ، اُحْصُلْ، مص. حُصُولٌ، مَحْصُولٌ حَصَلَ عَلَى الجَائِزَةِ الأُولَى: نَالَهَا حَصَلَ عَلَى شهَادَةِ البَكَالُورْيا: أَحْرَزَ عَلَيْهَا'(4)
صفحة 13 و14:
تنتقل بنا الكاتبة فجأة من ضمير المتحدث "أنا"(فمن بين الروايات لم يكن متوفرا لدي...) إلى ضمير الغائب (فحاولت الباحثة أن تقترب من ثلاث علامات...) فقد يلتبس الأمر على القراء والناقدة في غنى عن ذلك، إذ يمكنها التعبير بضمير المتكلم" أنا" أو إعادة صياغة ذلك الكلام باستعمال ضمير الغائب، فيبدو الكلام عندئذ منسجما، متناسقا، لا يثير الالتباس وسوء الفهم.
صفحة 19:
"ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل يشتمل على العنف اللغوي والنفسي... "
الخطأ الأول: خطأ صرفي وهو خطأ في استعمال القاعدة الصرفية بالوجه المراد، وفي هذا السياق تذكير ما حقّه التأنيث. فكلمة "أعمال" جمع تكسير يشار إليه بالمفرد المؤنّث، فالصواب إذا هو أن تقول: "تشتمل على العنف اللغوي والنفسي" وليس "يشتمل..."
الخطأ الثاني: خلط الأزمنة والانتقال غير المسوّغ من الماضي إلى المضارع في جملة واحدة معطوف آخر فعلها مع أوّله، والصواب أن تقول: "ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل شملت العنف اللغوي والنفسي..." على منوال: "ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب عليها السلام بل شملت أخواتها الطاهرات من آل رسول الله..." (5)
صفحة 20:
"صور العنف التي تطرقت لها الرواية"
لا يقال تطرّق له وإنما تطرّق إليه: "تطرق إِلَيْهِ ابْتغى إِلَيْهِ طَرِيقا وتوسل وَيُقَال تطرق إِلَى ذهنه كَذَا وتطرق إِلَى الْمَوْضُوع وَمَا أشبه ذلك" (6)
صفحة 20:
"وجد نفسه بين ثلاث اتجاهات": "ثلاث اتجاهات" خطأ والصواب "ثلاثة اتجاهات" لأنّ العدد المفرد من ثلاثة إلى عشرة يؤنّثُ مع المعدود المذكر، ويذكّرُ مع المعدود المؤنث ومثال على ذلك: ثلاثة أقلام، ثلاث صفحات. والحكم على العدد بالتأنيث أو التذكير لا يكون بمراعاة لفظ المعدود إذا كان هذا المعدود جمعاً وإنما يكون بالرجوع إلى المفرد، فنقول "ثلاثة قطارات" بتأنيث العدد "ثلاثة" مع أن المعدود "قطارات" مؤنث وذلك لأن مفرد المعدود وهو "قطار" وهو اسم مذكر. وخير مثال آية بينة من الذكر الحكيم: "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود\7)، وأيضا قوله عزّ وجلّ: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"(يوسف\43)
صفحة 22:
"كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهم أصحاب الطاغوت" ثمة خلط بين المفرد والجمع، فكلمة "كلّ" تدلّ على الشمول وحكمها الإفراد والتذكير كما جاء في الذكر الحكيم "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن/26)، وعليه فالصواب أن نتقيّد بذلك في بقية الجملة فنقول: "كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهو من أصحاب الطاغوت"
صفحة 25:
"تسبب هذا الأمر بردة فعل لدى الشارع الجزائري" تسبّب ب خطأ لغويّ وهو إحلال الكلمة في غير محلّها لغةً، والصواب تَسَبَّبَ في، مص. تَسَبُّبٌ. تَسَبَّبَ الوَلَدُ فِي كُلِّ مَا حَدَثَ: كَانَ سَبَباً فِي ذَلِكَ'(7) أما تسبّب ب فلها معنى مختلف اختلافا شاسعاً عن المعنى الذي تقصده الناقدة وهو تَسَبَّبَ بِهِ إِلَيْهِ: تَوَسَّلَ(7)
صفحة 30:
الخطأ الأول: "وما يقابله من غنى وثراء": هذا نوع من الحشو ويسمى في علم البلاغة التطويل، كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب لغير موجب يوجبه المقام نثراً أو نظماً، ومثال على ذلك النعاس والنوم، والبعد والنوى، والحظّ والنصيب، وحذف إحدى الكلمتين لن يؤثر في المعنى.
الخطأ الثاني: "هذا الفقر والعوز الذي يعيشه المجتمع": هذا خطأ صرفي لأنّ الفقر والعوز مثنى، فلا بدّ أن نحوّل العبارة إلى صيغة المثنّى، فالصواب أن نقول: هذا الفقر والعوز اللّذان يعيشُهُما المجتمع.
ملاحظة: ما علمتُ العرب قالوا "عشتُ الفقرَ أو البؤسَ، لكنهم قالوا: "عرفتُ الفقر..." وجربته وابتُليتُ به وهلم جرا.
صفحة 31:
"المتأمل في المجتمع الجزائري يجده خليط من العرب...": خليط خطأ نحوي والصواب خليطاً، ففعل "وجد" فعل متعدٍّ ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ويفيد اليقين، ومثال على ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء/64).
صفحة 34:
الخطأ الأول: "وجد في العنف المتنفس الوحيد الذي ينتقم فيها من مجتمع عاقبه" لا نقول فيها وإنما فيه لأنّه يعود على العنف المتنفّس الوحيد وهو بطبيعة الحال مذكر.
الخطأ الثاني: "فريد زيتوني، الذي تعرض للعنف قبل زمن الإرهاب من قبل موح الكحل رئيس المفرزة، إذا اتهم بسرقة": إذا في هذا السياق في غير محلها، والصواب ربما هو أن نقول: إذ أنّه اتهم بسرقة.
صفحة 35:
"فما أن أتت الفرصة المواتية، سعى جاهدا ليرد ثأره." استعملت الناقدة تركيب 'ما أن' بمعنى المفاجأة، فالمعنى الذي تريده من غير شكّ هو "أتت الفرصة المواتية، فإذا به يسعى جاهدا ليرد ثأره." غير أنها أساءت استعمال التركيب ولم تستعمل فيه حرف الجر 'حتى' فنحن هنا نحتاج إلى تركيب (ما إن... حتى) على منوال البيت الشعري التالي:
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ***حتى تعجل بالبعادِ فراقها (8)
فالصواب أن نقول: " فما إن أتت الفرصة المواتية حتى سعى جاهدا ليرد ثأره."
وخلاصة القول إنّه يحزنني أن أرى نقادا من أمثال سعاد العنزي والناقد خليل حشلاف ينشرون دراسات ومقالات نقدية على أنقاض لغة في مقام اللغة العربية، وقد لا ينتبه لذلك المصححون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه، فتسلك طريقها من غير رقابة إلى أعلى قمم النجاح والمجد، وتدرّس في المعاهد والجامعات، وتقع بين أيادي الشباب، وفيها ما فيها من أخطاء وشوائب.
إنّا لنفحص المؤلفات النقدية الغربية فلا نرى فيها للأخطاء أثرا، ونفحص مؤلفاتنا فنرى فيها خطأ خطيراً وضرراً. ومع ذلك تتعالى عندنا الأصوات لتقلّل من شأن هذه الأخطاء، ولتقلّل من شأن النقد اللغوي الذي أقوم به محاربةً آفة الأخطاء في مؤلفاتنا، وحمايةً لغتنا. والنقد في أصله نقد لغوي، تقول عنه الباحثة فريدة بوﻟﻜﻌﻴﺒﺎﺕ: 'هو أكثر أنواع النقد التي لفتت انتباهي، لما كان فيه من حرص النقاد على المحافظة على اللغة العربية لغة القرآن لصيانتها من كل لحن فساد، يتسرب إليها نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأعجمية.' (9)
فقد كان النقد اللغوي الأصل والمحرك وكان له بالغ الأثر في الأدب العربي، فلا يمكن بحالٍ من الأحوال حصر النقد فيما نراه اليوم من مناهج والاستهانة بالنقد اللغوي وهو الأصل والمنبع في عصر يتميّز بتفشّي العامية وتأثيرات اللغات الأجنبية وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والعجز عن إتقان اللغة العربية.
بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا
رابط المقالة:
http://arabiclanguageic.org/view_page.php?id=6288
___________________________
(1). أثر المنهج اللغوي في النقد العربي القديم
(2). لسان العرب
(3). معجم الوسيط
(4). معجم الغني
(5). زينب الكبرى عليها السلام من المهد إلى اللحد بقلم السيد محمد كاظم القزويني
(6). معجم الوسيط
(7). معجم الغني
(8). الشاعر محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني، شمس الدين
(9). النقد اللغوي في القرن الرابع - فريدة بولكعيبات)
مولود بن زادي للناقد العراقي: عبثُ النقاد، بلغةِ الأجداد
Mon article dans le quotidien Iraqi (ALNAKED ALIRAQI)
مقالتي في اليومية العراقية (الناقد العراقي) بعنوان "عبث النقاد، بلغةِ الأجداد" في نقد الكاتبة سعاد العنزي والروائي خليل حشلاف
كل الشكر والتقدير للقائمين على هذه الصحيفة الخليجية الغراء
http://www.alnaked-aliraqi.net/article/26948.php
"عَبَثُ النُّقَّادِ، بِلُغَةِ الأجْدَادِ"
أخْطَاءُ النُّقَّادِ: قِرَاءَةٌ في كِتَابِ "صُوَر العُنْفِ السِّياسِي في الرِّوَايَةِ الجَزائِريَةِ المُعَاصِرَةِ للنّاقِدَةِ الكويتية سُعَاد عَبْد الله العَنْزي"
نشرت آنفا عددا من المقالات النقدية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية التي وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، لا حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.
وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم لا يخضع ما أكتبه لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّهم هاجموني وانتقدوا منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم الناقد خليل حشلاف على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر في مقاله مما ذكره عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير خير شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي توخّى الكتابة به، وقواعد المضاف والمضاف إليه. وهذا دليل على أنّه في واقع الأمر يفكر بلغة أجنبية ثم يكتب بالعربية، وهذا أفظع خطأ يقع فيه الكاتب، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية بفضل المضاف والمضاف إليه في غنى عن ذلك.
ويرمي الناقد خليل حشلاف اللّغويين من أمثالي بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، يجهل أبسط قواعد اللغة العربية التي تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
يبدو أنه قد غاب عن هؤلاء النقاد بأنَّ 'المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.'(1) وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات.
وقد أكون اليوم أوّل باحث لغوي يقوم بنقد دراسة نقدية أو بعبارة أخرى يقوم بنقد النقد، من خلال نقد لغويّ يتناول كتابا بعنوان "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" وهو دراسة مقارنة للباحثة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، (الكويت: دار الفراشة، 2010) وهو في أصله رسالة ماجستير.
ما أثار انتباهي وأنا أطالع كتاب سعاد العنزي هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، إذ لا تكاد تخلو منها صفحة من الصفحات.
وتبدأ هذه الأخطاء اللغوية في مقدمة الكتاب، ولكثرتها اكتفيت بجملة قليلة من الصفحات من 13 إلى 35، ولو تناولتُ الكتابَ من أوّله إلى آخره وأحصيت ُكلَّ ما فيه من أخطاء لألَّفْتُ في ذلك كتابا يعادل كتاب سعاد العنزي حجما أو يزيد عليه. فمن جملة هذه الأخطاء أذكر:
صفحة 13
"واستبعدت المكتوبة باللغة الفرنسية. وذلك لسببين: الأول شخصي يتمثل في عدم قدرتي لفهم تلك النصوص في لغتها الأم"
قادر على وليس قادر ل، 'فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة'(2) وخير ما نستدلّ به آية من الذكر الحكيم: "قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (البقرة\259)
صفحة 14
الخطأ الأول: "الفصل الثالث: «تجليات الحياة العنيفة»، ويشتغل في الأثر المعنوي والمادي للعنف": اشتغل في هذا السياق خطأ لغوي وهو استعمال الكلمة في غير محلها، إذ أنّ 'اشْتَغَلَ بكذا: عَمِل وتَلَهَّى به عن غيره. واشْتَغَلَ الدواء في جسمه: سَرَى ونجع'(3) وهذا مختلف عن المعنى الذي تريده الناقدة التي تبدو في هذا التعبير متأثّرة باللّهجات العامية التي في بعض الأحيان تستخدم هذا الفعل استخداما خاطئا في غير محله.
الخطأ الثاني: "الحصول إلى إجابة هذا السؤال": لا يقال الحصول إلى الشيء وإنما الحصول عليه: 'حَصَل حَصَلْتُ، أَحْصُلُ، اُحْصُلْ، مص. حُصُولٌ، مَحْصُولٌ حَصَلَ عَلَى الجَائِزَةِ الأُولَى: نَالَهَا حَصَلَ عَلَى شهَادَةِ البَكَالُورْيا: أَحْرَزَ عَلَيْهَا'(4)
صفحة 13 و14:
تنتقل بنا الكاتبة فجأة من ضمير المتحدث "أنا"(فمن بين الروايات لم يكن متوفرا لدي...) إلى ضمير الغائب (فحاولت الباحثة أن تقترب من ثلاث علامات...) فقد يلتبس الأمر على القراء والناقدة في غنى عن ذلك، إذ يمكنها التعبير بضمير المتكلم" أنا" أو إعادة صياغة ذلك الكلام باستعمال ضمير الغائب، فيبدو الكلام عندئذ منسجما، متناسقا، لا يثير الالتباس وسوء الفهم.
صفحة 19:
"ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل يشتمل على العنف اللغوي والنفسي... "
الخطأ الأول: خطأ صرفي وهو خطأ في استعمال القاعدة الصرفية بالوجه المراد، وفي هذا السياق تذكير ما حقّه التأنيث. فكلمة "أعمال" جمع تكسير يشار إليه بالمفرد المؤنّث، فالصواب إذا هو أن تقول: "تشتمل على العنف اللغوي والنفسي" وليس "يشتمل..."
الخطأ الثاني: خلط الأزمنة والانتقال غير المسوّغ من الماضي إلى المضارع في جملة واحدة معطوف آخر فعلها مع أوّله، والصواب أن تقول: "ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل شملت العنف اللغوي والنفسي..." على منوال: "ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب عليها السلام بل شملت أخواتها الطاهرات من آل رسول الله..." (5)
صفحة 20:
"صور العنف التي تطرقت لها الرواية"
لا يقال تطرّق له وإنما تطرّق إليه: "تطرق إِلَيْهِ ابْتغى إِلَيْهِ طَرِيقا وتوسل وَيُقَال تطرق إِلَى ذهنه كَذَا وتطرق إِلَى الْمَوْضُوع وَمَا أشبه ذلك" (6)
صفحة 20:
"وجد نفسه بين ثلاث اتجاهات": "ثلاث اتجاهات" خطأ والصواب "ثلاثة اتجاهات" لأنّ العدد المفرد من ثلاثة إلى عشرة يؤنّثُ مع المعدود المذكر، ويذكّرُ مع المعدود المؤنث ومثال على ذلك: ثلاثة أقلام، ثلاث صفحات. والحكم على العدد بالتأنيث أو التذكير لا يكون بمراعاة لفظ المعدود إذا كان هذا المعدود جمعاً وإنما يكون بالرجوع إلى المفرد، فنقول "ثلاثة قطارات" بتأنيث العدد "ثلاثة" مع أن المعدود "قطارات" مؤنث وذلك لأن مفرد المعدود وهو "قطار" وهو اسم مذكر. وخير مثال آية بينة من الذكر الحكيم: "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود\7)، وأيضا قوله عزّ وجلّ: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"(يوسف\43)
صفحة 22:
"كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهم أصحاب الطاغوت" ثمة خلط بين المفرد والجمع، فكلمة "كلّ" تدلّ على الشمول وحكمها الإفراد والتذكير كما جاء في الذكر الحكيم "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن/26)، وعليه فالصواب أن نتقيّد بذلك في بقية الجملة فنقول: "كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهو من أصحاب الطاغوت"
صفحة 25:
"تسبب هذا الأمر بردة فعل لدى الشارع الجزائري" تسبّب ب خطأ لغويّ وهو إحلال الكلمة في غير محلّها لغةً، والصواب تَسَبَّبَ في، مص. تَسَبُّبٌ. تَسَبَّبَ الوَلَدُ فِي كُلِّ مَا حَدَثَ: كَانَ سَبَباً فِي ذَلِكَ'(7) أما تسبّب ب فلها معنى مختلف اختلافا شاسعاً عن المعنى الذي تقصده الناقدة وهو تَسَبَّبَ بِهِ إِلَيْهِ: تَوَسَّلَ(7)
صفحة 30:
الخطأ الأول: "وما يقابله من غنى وثراء": هذا نوع من الحشو ويسمى في علم البلاغة التطويل، كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب لغير موجب يوجبه المقام نثراً أو نظماً، ومثال على ذلك النعاس والنوم، والبعد والنوى، والحظّ والنصيب، وحذف إحدى الكلمتين لن يؤثر في المعنى.
الخطأ الثاني: "هذا الفقر والعوز الذي يعيشه المجتمع": هذا خطأ صرفي لأنّ الفقر والعوز مثنى، فلا بدّ أن نحوّل العبارة إلى صيغة المثنّى، فالصواب أن نقول: هذا الفقر والعوز اللّذان يعيشُهُما المجتمع.
ملاحظة: ما علمتُ العرب قالوا "عشتُ الفقرَ أو البؤسَ، لكنهم قالوا: "عرفتُ الفقر..." وجربته وابتُليتُ به وهلم جرا.
صفحة 31:
"المتأمل في المجتمع الجزائري يجده خليط من العرب...": خليط خطأ نحوي والصواب خليطاً، ففعل "وجد" فعل متعدٍّ ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ويفيد اليقين، ومثال على ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء/64).
صفحة 34:
الخطأ الأول: "وجد في العنف المتنفس الوحيد الذي ينتقم فيها من مجتمع عاقبه" لا نقول فيها وإنما فيه لأنّه يعود على العنف المتنفّس الوحيد وهو بطبيعة الحال مذكر.
الخطأ الثاني: "فريد زيتوني، الذي تعرض للعنف قبل زمن الإرهاب من قبل موح الكحل رئيس المفرزة، إذا اتهم بسرقة": إذا في هذا السياق في غير محلها، والصواب ربما هو أن نقول: إذ أنّه اتهم بسرقة.
صفحة 35:
"فما أن أتت الفرصة المواتية، سعى جاهدا ليرد ثأره." استعملت الناقدة تركيب 'ما أن' بمعنى المفاجأة، فالمعنى الذي تريده من غير شكّ هو "أتت الفرصة المواتية، فإذا به يسعى جاهدا ليرد ثأره." غير أنها أساءت استعمال التركيب ولم تستعمل فيه حرف الجر 'حتى' فنحن هنا نحتاج إلى تركيب (ما إن... حتى) على منوال البيت الشعري التالي:
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ***حتى تعجل بالبعادِ فراقها (8)
فالصواب أن نقول: " فما إن أتت الفرصة المواتية حتى سعى جاهدا ليرد ثأره."
وخلاصة القول إنّه يحزنني أن أرى نقادا من أمثال سعاد العنزي والناقد خليل حشلاف ينشرون دراسات ومقالات نقدية على أنقاض لغة في مقام اللغة العربية، وقد لا ينتبه لذلك المصححون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه، فتسلك طريقها من غير رقابة إلى أعلى قمم النجاح والمجد، وتدرّس في المعاهد والجامعات، وتقع بين أيادي الشباب، وفيها ما فيها من أخطاء وشوائب.
إنّا لنفحص المؤلفات النقدية الغربية فلا نرى فيها للأخطاء أثرا، ونفحص مؤلفاتنا فنرى فيها خطأ خطيراً وضرراً. ومع ذلك تتعالى عندنا الأصوات لتقلّل من شأن هذه الأخطاء، ولتقلّل من شأن النقد اللغوي الذي أقوم به محاربةً آفة الأخطاء في مؤلفاتنا، وحمايةً لغتنا. والنقد في أصله نقد لغوي، تقول عنه الباحثة فريدة بوﻟﻜﻌﻴﺒﺎﺕ: 'هو أكثر أنواع النقد التي لفتت انتباهي، لما كان فيه من حرص النقاد على المحافظة على اللغة العربية لغة القرآن لصيانتها من كل لحن فساد، يتسرب إليها نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأعجمية.' (9)
فقد كان النقد اللغوي الأصل والمحرك وكان له بالغ الأثر في الأدب العربي، فلا يمكن بحالٍ من الأحوال حصر النقد فيما نراه اليوم من مناهج والاستهانة بالنقد اللغوي وهو الأصل والمنبع في عصر يتميّز بتفشّي العامية وتأثيرات اللغات الأجنبية وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والعجز عن إتقان اللغة العربية.
بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا
رابط المقالة:
http://arabiclanguageic.org/view_page.php?id=6288
___________________________
(1). أثر المنهج اللغوي في النقد العربي القديم
(2). لسان العرب
(3). معجم الوسيط
(4). معجم الغني
(5). زينب الكبرى عليها السلام من المهد إلى اللحد بقلم السيد محمد كاظم القزويني
(6). معجم الوسيط
(7). معجم الغني
(8). الشاعر محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني، شمس الدين
(9). النقد اللغوي في القرن الرابع - فريدة بولكعيبات)
Sunday, 12 April 2015
أمثال وحكم مولود بن زادي في الصداقة
Friendship quotes by M. Benzadi
أمثال وحكم الكاتب والمترجم مولود بن زادي في موضوع الصداقة.
في زمن طغت عليه المصالح الشخصية، صار يدخل حياتنا أشخاص ويخرجون منها سريعا ومن بابها الواسع وحتى من غير وداع إلا من أتى رغبة في صداقتنا، لا بحثا عن أغراض ومصالح فينا..
هذه المقولة مقتبسة من قصتي الجديدة التي تتناول موضوع الصداقة في هذا العصر.
مودتي وتقديري
M. Benzadi
United Kingdom
Royaume-Uni
"يَتَسَاقَطُ الأصْدِقَاءُ كَأوْرَاقِ الشَّجَرِ في الخَرِيف،
ولا يَبْقَى مِنْهُمْ إلاَّ الصَّادِقُ، المُخْلِصُ، العَفِيف."
أمثال وحكم الكاتب والمترجم مولود بن زادي في موضوع الصداقة.
في زمن طغت عليه المصالح الشخصية، صار يدخل حياتنا أشخاص ويخرجون منها سريعا ومن بابها الواسع وحتى من غير وداع إلا من أتى رغبة في صداقتنا، لا بحثا عن أغراض ومصالح فينا..
هذه المقولة مقتبسة من قصتي الجديدة التي تتناول موضوع الصداقة في هذا العصر.
مودتي وتقديري
M. Benzadi
United Kingdom
Royaume-Uni
"يَتَسَاقَطُ الأصْدِقَاءُ كَأوْرَاقِ الشَّجَرِ في الخَرِيف،
ولا يَبْقَى مِنْهُمْ إلاَّ الصَّادِقُ، المُخْلِصُ، العَفِيف."
Saturday, 11 April 2015
نقد سعاد العنزي كتاب "صور العنف في الرواية الجزائرية المعاصرة
"عَبَثُ النُّقَّادِ، بِلُغَةِ الأجْدَادِ"
أخْطَاءُ النُّقَّادِ: قِرَاءَةٌ في كِتَابِ "صُوَر العُنْفِ السِّياسِي في الرِّوَايَةِ الجَزائِريَةِ المُعَاصِرَةِ للنّاقِدَةِ الكويتية سُعَاد عَبْد الله العَنْزي"
نشرت آنفا عددا من المقالات النقدية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية التي وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، لا حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.
وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم لا يخضع ما أكتبه لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّهم هاجموني وانتقدوا منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم الناقد خليل حشلاف على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر في مقاله مما ذكره عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير خير شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي توخّى الكتابة به، وقواعد المضاف والمضاف إليه. وهذا دليل على أنّه في واقع الأمر يفكر بلغة أجنبية ثم يكتب بالعربية، وهذا أفظع خطأ يقع فيه الكاتب، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية بفضل المضاف والمضاف إليه في غنى عن ذلك.
ويرمي الناقد خليل حشلاف اللّغويين من أمثالي بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، يجهل أبسط قواعد اللغة العربية التي تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
يبدو أنه قد غاب عن هؤلاء النقاد بأنَّ 'المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.'(1) وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات.
وقد أكون اليوم أوّل باحث لغوي يقوم بنقد دراسة نقدية أو بعبارة أخرى يقوم بنقد النقد، من خلال نقد لغويّ يتناول كتابا بعنوان "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" وهو دراسة مقارنة للباحثة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، (الكويت: دار الفراشة، 2010) وهو في أصله رسالة ماجستير.
ما أثار انتباهي وأنا أطالع كتاب سعاد العنزي هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، إذ لا تكاد تخلو منها صفحة من الصفحات.
وتبدأ هذه الأخطاء اللغوية في مقدمة الكتاب، ولكثرتها اكتفيت بجملة قليلة من الصفحات من 13 إلى 35، ولو تناولتُ الكتابَ من أوّله إلى آخره وأحصيت ُكلَّ ما فيه من أخطاء لألَّفْتُ في ذلك كتابا يعادل كتاب سعاد العنزي حجما أو يزيد عليه. فمن جملة هذه الأخطاء أذكر:
صفحة 13
"واستبعدت المكتوبة باللغة الفرنسية. وذلك لسببين: الأول شخصي يتمثل في عدم قدرتي لفهم تلك النصوص في لغتها الأم"
قادر على وليس قادر ل، 'فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة'(2) وخير ما نستدلّ به آية من الذكر الحكيم: "قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (البقرة\259)
صفحة 14
الخطأ الأول: "الفصل الثالث: «تجليات الحياة العنيفة»، ويشتغل في الأثر المعنوي والمادي للعنف": اشتغل في هذا السياق خطأ لغوي وهو استعمال الكلمة في غير محلها، إذ أنّ 'اشْتَغَلَ بكذا: عَمِل وتَلَهَّى به عن غيره. واشْتَغَلَ الدواء في جسمه: سَرَى ونجع'(3) وهذا مختلف عن المعنى الذي تريده الناقدة التي تبدو في هذا التعبير متأثّرة باللّهجات العامية التي في بعض الأحيان تستخدم هذا الفعل استخداما خاطئا في غير محله.
الخطأ الثاني: "الحصول إلى إجابة هذا السؤال": لا يقال الحصول إلى الشيء وإنما الحصول عليه: 'حَصَل حَصَلْتُ، أَحْصُلُ، اُحْصُلْ، مص. حُصُولٌ، مَحْصُولٌ حَصَلَ عَلَى الجَائِزَةِ الأُولَى: نَالَهَا حَصَلَ عَلَى شهَادَةِ البَكَالُورْيا: أَحْرَزَ عَلَيْهَا'(4)
صفحة 13 و14:
تنتقل بنا الكاتبة فجأة من ضمير المتحدث "أنا"(فمن بين الروايات لم يكن متوفرا لدي...) إلى ضمير الغائب (فحاولت الباحثة أن تقترب من ثلاث علامات...) فقد يلتبس الأمر على القراء والناقدة في غنى عن ذلك، إذ يمكنها التعبير بضمير المتكلم" أنا" أو إعادة صياغة ذلك الكلام باستعمال ضمير الغائب، فيبدو الكلام عندئذ منسجما، متناسقا، لا يثير الالتباس وسوء الفهم.
صفحة 19:
"ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل يشتمل على العنف اللغوي والنفسي... "
الخطأ الأول: خطأ صرفي وهو خطأ في استعمال القاعدة الصرفية بالوجه المراد، وفي هذا السياق تذكير ما حقّه التأنيث. فكلمة "أعمال" جمع تكسير يشار إليه بالمفرد المؤنّث، فالصواب إذا هو أن تقول: "تشتمل على العنف اللغوي والنفسي" وليس "يشتمل..."
الخطأ الثاني: خلط الأزمنة والانتقال غير المسوّغ من الماضي إلى المضارع في جملة واحدة معطوف آخر فعلها مع أوّله، والصواب أن تقول: "ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل شملت العنف اللغوي والنفسي..." على منوال: "ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب عليها السلام بل شملت أخواتها الطاهرات من آل رسول الله..." (5)
صفحة 20:
"صور العنف التي تطرقت لها الرواية"
لا يقال تطرّق له وإنما تطرّق إليه: "تطرق إِلَيْهِ ابْتغى إِلَيْهِ طَرِيقا وتوسل وَيُقَال تطرق إِلَى ذهنه كَذَا وتطرق إِلَى الْمَوْضُوع وَمَا أشبه ذلك" (6)
صفحة 20:
"وجد نفسه بين ثلاث اتجاهات": "ثلاث اتجاهات" خطأ والصواب "ثلاثة اتجاهات" لأنّ العدد المفرد من ثلاثة إلى عشرة يؤنّثُ مع المعدود المذكر، ويذكّرُ مع المعدود المؤنث ومثال على ذلك: ثلاثة أقلام، ثلاث صفحات. والحكم على العدد بالتأنيث أو التذكير لا يكون بمراعاة لفظ المعدود إذا كان هذا المعدود جمعاً وإنما يكون بالرجوع إلى المفرد، فنقول "ثلاثة قطارات" بتأنيث العدد "ثلاثة" مع أن المعدود "قطارات" مؤنث وذلك لأن مفرد المعدود وهو "قطار" وهو اسم مذكر. وخير مثال آية بينة من الذكر الحكيم: "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود\7)، وأيضا قوله عزّ وجلّ: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"(يوسف\43)
صفحة 22:
"كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهم أصحاب الطاغوت" ثمة خلط بين المفرد والجمع، فكلمة "كلّ" تدلّ على الشمول وحكمها الإفراد والتذكير كما جاء في الذكر الحكيم "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن/26)، وعليه فالصواب أن نتقيّد بذلك في بقية الجملة فنقول: "كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهو من أصحاب الطاغوت"
صفحة 25:
"تسبب هذا الأمر بردة فعل لدى الشارع الجزائري" تسبّب ب خطأ لغويّ وهو إحلال الكلمة في غير محلّها لغةً، والصواب تَسَبَّبَ في، مص. تَسَبُّبٌ. تَسَبَّبَ الوَلَدُ فِي كُلِّ مَا حَدَثَ: كَانَ سَبَباً فِي ذَلِكَ'(7) أما تسبّب ب فلها معنى مختلف اختلافا شاسعاً عن المعنى الذي تقصده الناقدة وهو تَسَبَّبَ بِهِ إِلَيْهِ: تَوَسَّلَ(7)
صفحة 30:
الخطأ الأول: "وما يقابله من غنى وثراء": هذا نوع من الحشو ويسمى في علم البلاغة التطويل، كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب لغير موجب يوجبه المقام نثراً أو نظماً، ومثال على ذلك النعاس والنوم، والبعد والنوى، والحظّ والنصيب، وحذف إحدى الكلمتين لن يؤثر في المعنى.
الخطأ الثاني: "هذا الفقر والعوز الذي يعيشه المجتمع": هذا خطأ صرفي لأنّ الفقر والعوز مثنى، فلا بدّ أن نحوّل العبارة إلى صيغة المثنّى، فالصواب أن نقول: هذا الفقر والعوز اللّذان يعيشُهُما المجتمع.
ملاحظة: ما علمتُ العرب قالوا "عشتُ الفقرَ أو البؤسَ، لكنهم قالوا: "عرفتُ الفقر..." وجربته وابتُليتُ به وهلم جرا.
صفحة 31:
"المتأمل في المجتمع الجزائري يجده خليط من العرب...": خليط خطأ نحوي والصواب خليطاً، ففعل "وجد" فعل متعدٍّ ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ويفيد اليقين، ومثال على ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء/64).
صفحة 34:
الخطأ الأول: "وجد في العنف المتنفس الوحيد الذي ينتقم فيها من مجتمع عاقبه" لا نقول فيها وإنما فيه لأنّه يعود على العنف المتنفّس الوحيد وهو بطبيعة الحال مذكر.
الخطأ الثاني: "فريد زيتوني، الذي تعرض للعنف قبل زمن الإرهاب من قبل موح الكحل رئيس المفرزة، إذا اتهم بسرقة": إذا في هذا السياق في غير محلها، والصواب ربما هو أن نقول: إذ أنّه اتهم بسرقة.
صفحة 35:
"فما أن أتت الفرصة المواتية، سعى جاهدا ليرد ثأره." استعملت الناقدة تركيب 'ما أن' بمعنى المفاجأة، فالمعنى الذي تريده من غير شكّ هو "أتت الفرصة المواتية، فإذا به يسعى جاهدا ليرد ثأره." غير أنها أساءت استعمال التركيب ولم تستعمل فيه حرف الجر 'حتى' فنحن هنا نحتاج إلى تركيب (ما إن... حتى) على منوال البيت الشعري التالي:
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ***حتى تعجل بالبعادِ فراقها (8)
فالصواب أن نقول: " فما إن أتت الفرصة المواتية حتى سعى جاهدا ليرد ثأره."
وخلاصة القول إنّه يحزنني أن أرى نقادا من أمثال سعاد العنزي والناقد خليل حشلاف ينشرون دراسات ومقالات نقدية على أنقاض لغة في مقام اللغة العربية، وقد لا ينتبه لذلك المصححون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه، فتسلك طريقها من غير رقابة إلى أعلى قمم النجاح والمجد، وتدرّس في المعاهد والجامعات، وتقع بين أيادي الشباب، وفيها ما فيها من أخطاء وشوائب.
إنّا لنفحص المؤلفات النقدية الغربية فلا نرى فيها للأخطاء أثرا، ونفحص مؤلفاتنا فنرى فيها خطأ خطيراً وضرراً. ومع ذلك تتعالى عندنا الأصوات لتقلّل من شأن هذه الأخطاء، ولتقلّل من شأن النقد اللغوي الذي أقوم به محاربةً آفة الأخطاء في مؤلفاتنا، وحمايةً لغتنا. والنقد في أصله نقد لغوي، تقول عنه الباحثة فريدة بوﻟﻜﻌﻴﺒﺎﺕ: 'هو أكثر أنواع النقد التي لفتت انتباهي، لما كان فيه من حرص النقاد على المحافظة على اللغة العربية لغة القرآن لصيانتها من كل لحن فساد، يتسرب إليها نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأعجمية.' (9)
فقد كان النقد اللغوي الأصل والمحرك وكان له بالغ الأثر في الأدب العربي، فلا يمكن بحالٍ من الأحوال حصر النقد فيما نراه اليوم من مناهج والاستهانة بالنقد اللغوي وهو الأصل والمنبع في عصر يتميّز بتفشّي العامية وتأثيرات اللغات الأجنبية وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والعجز عن إتقان اللغة العربية.
بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا
رابط المقالة:
http://arabiclanguageic.org/view_page.php?id=6288
_
أخْطَاءُ النُّقَّادِ: قِرَاءَةٌ في كِتَابِ "صُوَر العُنْفِ السِّياسِي في الرِّوَايَةِ الجَزائِريَةِ المُعَاصِرَةِ للنّاقِدَةِ الكويتية سُعَاد عَبْد الله العَنْزي"
نشرت آنفا عددا من المقالات النقدية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية التي وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، لا حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.
وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم لا يخضع ما أكتبه لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّهم هاجموني وانتقدوا منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم الناقد خليل حشلاف على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر في مقاله مما ذكره عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير خير شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي توخّى الكتابة به، وقواعد المضاف والمضاف إليه. وهذا دليل على أنّه في واقع الأمر يفكر بلغة أجنبية ثم يكتب بالعربية، وهذا أفظع خطأ يقع فيه الكاتب، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية بفضل المضاف والمضاف إليه في غنى عن ذلك.
ويرمي الناقد خليل حشلاف اللّغويين من أمثالي بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، يجهل أبسط قواعد اللغة العربية التي تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
يبدو أنه قد غاب عن هؤلاء النقاد بأنَّ 'المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.'(1) وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات.
وقد أكون اليوم أوّل باحث لغوي يقوم بنقد دراسة نقدية أو بعبارة أخرى يقوم بنقد النقد، من خلال نقد لغويّ يتناول كتابا بعنوان "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" وهو دراسة مقارنة للباحثة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، (الكويت: دار الفراشة، 2010) وهو في أصله رسالة ماجستير.
ما أثار انتباهي وأنا أطالع كتاب سعاد العنزي هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، إذ لا تكاد تخلو منها صفحة من الصفحات.
وتبدأ هذه الأخطاء اللغوية في مقدمة الكتاب، ولكثرتها اكتفيت بجملة قليلة من الصفحات من 13 إلى 35، ولو تناولتُ الكتابَ من أوّله إلى آخره وأحصيت ُكلَّ ما فيه من أخطاء لألَّفْتُ في ذلك كتابا يعادل كتاب سعاد العنزي حجما أو يزيد عليه. فمن جملة هذه الأخطاء أذكر:
صفحة 13
"واستبعدت المكتوبة باللغة الفرنسية. وذلك لسببين: الأول شخصي يتمثل في عدم قدرتي لفهم تلك النصوص في لغتها الأم"
قادر على وليس قادر ل، 'فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة'(2) وخير ما نستدلّ به آية من الذكر الحكيم: "قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (البقرة\259)
صفحة 14
الخطأ الأول: "الفصل الثالث: «تجليات الحياة العنيفة»، ويشتغل في الأثر المعنوي والمادي للعنف": اشتغل في هذا السياق خطأ لغوي وهو استعمال الكلمة في غير محلها، إذ أنّ 'اشْتَغَلَ بكذا: عَمِل وتَلَهَّى به عن غيره. واشْتَغَلَ الدواء في جسمه: سَرَى ونجع'(3) وهذا مختلف عن المعنى الذي تريده الناقدة التي تبدو في هذا التعبير متأثّرة باللّهجات العامية التي في بعض الأحيان تستخدم هذا الفعل استخداما خاطئا في غير محله.
الخطأ الثاني: "الحصول إلى إجابة هذا السؤال": لا يقال الحصول إلى الشيء وإنما الحصول عليه: 'حَصَل حَصَلْتُ، أَحْصُلُ، اُحْصُلْ، مص. حُصُولٌ، مَحْصُولٌ حَصَلَ عَلَى الجَائِزَةِ الأُولَى: نَالَهَا حَصَلَ عَلَى شهَادَةِ البَكَالُورْيا: أَحْرَزَ عَلَيْهَا'(4)
صفحة 13 و14:
تنتقل بنا الكاتبة فجأة من ضمير المتحدث "أنا"(فمن بين الروايات لم يكن متوفرا لدي...) إلى ضمير الغائب (فحاولت الباحثة أن تقترب من ثلاث علامات...) فقد يلتبس الأمر على القراء والناقدة في غنى عن ذلك، إذ يمكنها التعبير بضمير المتكلم" أنا" أو إعادة صياغة ذلك الكلام باستعمال ضمير الغائب، فيبدو الكلام عندئذ منسجما، متناسقا، لا يثير الالتباس وسوء الفهم.
صفحة 19:
"ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل يشتمل على العنف اللغوي والنفسي... "
الخطأ الأول: خطأ صرفي وهو خطأ في استعمال القاعدة الصرفية بالوجه المراد، وفي هذا السياق تذكير ما حقّه التأنيث. فكلمة "أعمال" جمع تكسير يشار إليه بالمفرد المؤنّث، فالصواب إذا هو أن تقول: "تشتمل على العنف اللغوي والنفسي" وليس "يشتمل..."
الخطأ الثاني: خلط الأزمنة والانتقال غير المسوّغ من الماضي إلى المضارع في جملة واحدة معطوف آخر فعلها مع أوّله، والصواب أن تقول: "ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل شملت العنف اللغوي والنفسي..." على منوال: "ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب عليها السلام بل شملت أخواتها الطاهرات من آل رسول الله..." (5)
صفحة 20:
"صور العنف التي تطرقت لها الرواية"
لا يقال تطرّق له وإنما تطرّق إليه: "تطرق إِلَيْهِ ابْتغى إِلَيْهِ طَرِيقا وتوسل وَيُقَال تطرق إِلَى ذهنه كَذَا وتطرق إِلَى الْمَوْضُوع وَمَا أشبه ذلك" (6)
صفحة 20:
"وجد نفسه بين ثلاث اتجاهات": "ثلاث اتجاهات" خطأ والصواب "ثلاثة اتجاهات" لأنّ العدد المفرد من ثلاثة إلى عشرة يؤنّثُ مع المعدود المذكر، ويذكّرُ مع المعدود المؤنث ومثال على ذلك: ثلاثة أقلام، ثلاث صفحات. والحكم على العدد بالتأنيث أو التذكير لا يكون بمراعاة لفظ المعدود إذا كان هذا المعدود جمعاً وإنما يكون بالرجوع إلى المفرد، فنقول "ثلاثة قطارات" بتأنيث العدد "ثلاثة" مع أن المعدود "قطارات" مؤنث وذلك لأن مفرد المعدود وهو "قطار" وهو اسم مذكر. وخير مثال آية بينة من الذكر الحكيم: "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود\7)، وأيضا قوله عزّ وجلّ: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"(يوسف\43)
صفحة 22:
"كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهم أصحاب الطاغوت" ثمة خلط بين المفرد والجمع، فكلمة "كلّ" تدلّ على الشمول وحكمها الإفراد والتذكير كما جاء في الذكر الحكيم "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن/26)، وعليه فالصواب أن نتقيّد بذلك في بقية الجملة فنقول: "كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهو من أصحاب الطاغوت"
صفحة 25:
"تسبب هذا الأمر بردة فعل لدى الشارع الجزائري" تسبّب ب خطأ لغويّ وهو إحلال الكلمة في غير محلّها لغةً، والصواب تَسَبَّبَ في، مص. تَسَبُّبٌ. تَسَبَّبَ الوَلَدُ فِي كُلِّ مَا حَدَثَ: كَانَ سَبَباً فِي ذَلِكَ'(7) أما تسبّب ب فلها معنى مختلف اختلافا شاسعاً عن المعنى الذي تقصده الناقدة وهو تَسَبَّبَ بِهِ إِلَيْهِ: تَوَسَّلَ(7)
صفحة 30:
الخطأ الأول: "وما يقابله من غنى وثراء": هذا نوع من الحشو ويسمى في علم البلاغة التطويل، كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب لغير موجب يوجبه المقام نثراً أو نظماً، ومثال على ذلك النعاس والنوم، والبعد والنوى، والحظّ والنصيب، وحذف إحدى الكلمتين لن يؤثر في المعنى.
الخطأ الثاني: "هذا الفقر والعوز الذي يعيشه المجتمع": هذا خطأ صرفي لأنّ الفقر والعوز مثنى، فلا بدّ أن نحوّل العبارة إلى صيغة المثنّى، فالصواب أن نقول: هذا الفقر والعوز اللّذان يعيشُهُما المجتمع.
ملاحظة: ما علمتُ العرب قالوا "عشتُ الفقرَ أو البؤسَ، لكنهم قالوا: "عرفتُ الفقر..." وجربته وابتُليتُ به وهلم جرا.
صفحة 31:
"المتأمل في المجتمع الجزائري يجده خليط من العرب...": خليط خطأ نحوي والصواب خليطاً، ففعل "وجد" فعل متعدٍّ ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ويفيد اليقين، ومثال على ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء/64).
صفحة 34:
الخطأ الأول: "وجد في العنف المتنفس الوحيد الذي ينتقم فيها من مجتمع عاقبه" لا نقول فيها وإنما فيه لأنّه يعود على العنف المتنفّس الوحيد وهو بطبيعة الحال مذكر.
الخطأ الثاني: "فريد زيتوني، الذي تعرض للعنف قبل زمن الإرهاب من قبل موح الكحل رئيس المفرزة، إذا اتهم بسرقة": إذا في هذا السياق في غير محلها، والصواب ربما هو أن نقول: إذ أنّه اتهم بسرقة.
صفحة 35:
"فما أن أتت الفرصة المواتية، سعى جاهدا ليرد ثأره." استعملت الناقدة تركيب 'ما أن' بمعنى المفاجأة، فالمعنى الذي تريده من غير شكّ هو "أتت الفرصة المواتية، فإذا به يسعى جاهدا ليرد ثأره." غير أنها أساءت استعمال التركيب ولم تستعمل فيه حرف الجر 'حتى' فنحن هنا نحتاج إلى تركيب (ما إن... حتى) على منوال البيت الشعري التالي:
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ***حتى تعجل بالبعادِ فراقها (8)
فالصواب أن نقول: " فما إن أتت الفرصة المواتية حتى سعى جاهدا ليرد ثأره."
وخلاصة القول إنّه يحزنني أن أرى نقادا من أمثال سعاد العنزي والناقد خليل حشلاف ينشرون دراسات ومقالات نقدية على أنقاض لغة في مقام اللغة العربية، وقد لا ينتبه لذلك المصححون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه، فتسلك طريقها من غير رقابة إلى أعلى قمم النجاح والمجد، وتدرّس في المعاهد والجامعات، وتقع بين أيادي الشباب، وفيها ما فيها من أخطاء وشوائب.
إنّا لنفحص المؤلفات النقدية الغربية فلا نرى فيها للأخطاء أثرا، ونفحص مؤلفاتنا فنرى فيها خطأ خطيراً وضرراً. ومع ذلك تتعالى عندنا الأصوات لتقلّل من شأن هذه الأخطاء، ولتقلّل من شأن النقد اللغوي الذي أقوم به محاربةً آفة الأخطاء في مؤلفاتنا، وحمايةً لغتنا. والنقد في أصله نقد لغوي، تقول عنه الباحثة فريدة بوﻟﻜﻌﻴﺒﺎﺕ: 'هو أكثر أنواع النقد التي لفتت انتباهي، لما كان فيه من حرص النقاد على المحافظة على اللغة العربية لغة القرآن لصيانتها من كل لحن فساد، يتسرب إليها نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأعجمية.' (9)
فقد كان النقد اللغوي الأصل والمحرك وكان له بالغ الأثر في الأدب العربي، فلا يمكن بحالٍ من الأحوال حصر النقد فيما نراه اليوم من مناهج والاستهانة بالنقد اللغوي وهو الأصل والمنبع في عصر يتميّز بتفشّي العامية وتأثيرات اللغات الأجنبية وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والعجز عن إتقان اللغة العربية.
بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا
رابط المقالة:
http://arabiclanguageic.org/view_page.php?id=6288
_
سعاد العنزي كتاب مظاهر العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة
مقالتي في صحيفة (اللغة.. '
"عَبَثُ النُّقَّادِ، بِلُغَةِ الأجْدَادِ"
أخْطَاءُ الكَاتِبِ خَلِيل حَشلاف، والنّاقِدَةِ سُعَاد عَبْد الله العَنْزي
في كِتَابِها "صُوَر العُنْفِ السِّياسِي في الرِّوَايَةِ الجَزائِريَةِ المُعَاصِرَةِ"
نشرت آنفا عددا من المقالات النقدية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية التي وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، لا حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.
وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم لا يخضع ما أكتبه لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّهم هاجموني وانتقدوا منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم الناقد خليل حشلاف على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر في مقاله مما ذكره عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير خير شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي توخّى الكتابة به، وقواعد المضاف والمضاف إليه. وهذا دليل على أنّه في واقع الأمر يفكر بلغة أجنبية ثم يكتب بالعربية، وهذا أفظع خطأ يقع فيه الكاتب، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية بفضل المضاف والمضاف إليه في غنى عن ذلك.
ويرمي الناقد خليل حشلاف اللّغويين من أمثالي بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، يجهل أبسط قواعد اللغة العربية التي تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
يبدو أنه قد غاب عن هؤلاء النقاد بأنَّ 'المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.'(1) وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات.
وقد أكون اليوم أوّل باحث لغوي يقوم بنقد دراسة نقدية أو بعبارة أخرى يقوم بنقد النقد، من خلال نقد لغويّ يتناول كتابا بعنوان "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" وهو دراسة مقارنة للباحثة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، (الكويت: دار الفراشة، 2010) وهو في أصله رسالة ماجستير.
ما أثار انتباهي وأنا أطالع كتاب سعاد العنزي هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، إذ لا تكاد تخلو منها صفحة من الصفحات.
وتبدأ هذه الأخطاء اللغوية في مقدمة الكتاب، ولكثرتها اكتفيت بجملة قليلة من الصفحات من 13 إلى 35، ولو تناولتُ الكتابَ من أوّله إلى آخره وأحصيت ُكلَّ ما فيه من أخطاء لألَّفْتُ في ذلك كتابا يعادل كتاب سعاد العنزي حجما أو يزيد عليه. فمن جملة هذه الأخطاء أذكر:
صفحة 13
"واستبعدت المكتوبة باللغة الفرنسية. وذلك لسببين: الأول شخصي يتمثل في عدم قدرتي لفهم تلك النصوص في لغتها الأم"
قادر على وليس قادر ل، 'فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة'(2) وخير ما نستدلّ به آية من الذكر الحكيم: "قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (البقرة\259)
صفحة 14
الخطأ الأول: "الفصل الثالث: «تجليات الحياة العنيفة»، ويشتغل في الأثر المعنوي والمادي للعنف": اشتغل في هذا السياق خطأ لغوي وهو استعمال الكلمة في غير محلها، إذ أنّ 'اشْتَغَلَ بكذا: عَمِل وتَلَهَّى به عن غيره. واشْتَغَلَ الدواء في جسمه: سَرَى ونجع'(3) وهذا مختلف عن المعنى الذي تريده الناقدة التي تبدو في هذا التعبير متأثّرة باللّهجات العامية التي في بعض الأحيان تستخدم هذا الفعل استخداما خاطئا في غير محله.
الخطأ الثاني: "الحصول إلى إجابة هذا السؤال": لا يقال الحصول إلى الشيء وإنما الحصول عليه: 'حَصَل حَصَلْتُ، أَحْصُلُ، اُحْصُلْ، مص. حُصُولٌ، مَحْصُولٌ حَصَلَ عَلَى الجَائِزَةِ الأُولَى: نَالَهَا حَصَلَ عَلَى شهَادَةِ البَكَالُورْيا: أَحْرَزَ عَلَيْهَا'(4)
صفحة 13 و14:
تنتقل بنا الكاتبة فجأة من ضمير المتحدث "أنا"(فمن بين الروايات لم يكن متوفرا لدي...) إلى ضمير الغائب (فحاولت الباحثة أن تقترب من ثلاث علامات...) فقد يلتبس الأمر على القراء والناقدة في غنى عن ذلك، إذ يمكنها التعبير بضمير المتكلم" أنا" أو إعادة صياغة ذلك الكلام باستعمال ضمير الغائب، فيبدو الكلام عندئذ منسجما، متناسقا، لا يثير الالتباس وسوء الفهم.
صفحة 19:
"ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل يشتمل على العنف اللغوي والنفسي... "
الخطأ الأول: خطأ صرفي وهو خطأ في استعمال القاعدة الصرفية بالوجه المراد، وفي هذا السياق تذكير ما حقّه التأنيث. فكلمة "أعمال" جمع تكسير يشار إليه بالمفرد المؤنّث، فالصواب إذا هو أن تقول: "تشتمل على العنف اللغوي والنفسي" وليس "يشتمل..."
الخطأ الثاني: خلط الأزمنة والانتقال غير المسوّغ من الماضي إلى المضارع في جملة واحدة معطوف آخر فعلها مع أوّله، والصواب أن تقول: "ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل شملت العنف اللغوي والنفسي..." على منوال: "ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب عليها السلام بل شملت أخواتها الطاهرات من آل رسول الله..." (5)
صفحة 20:
"صور العنف التي تطرقت لها الرواية"
لا يقال تطرّق له وإنما تطرّق إليه: "تطرق إِلَيْهِ ابْتغى إِلَيْهِ طَرِيقا وتوسل وَيُقَال تطرق إِلَى ذهنه كَذَا وتطرق إِلَى الْمَوْضُوع وَمَا أشبه ذلك" (6)
صفحة 20:
"وجد نفسه بين ثلاث اتجاهات": "ثلاث اتجاهات" خطأ والصواب "ثلاثة اتجاهات" لأنّ العدد المفرد من ثلاثة إلى عشرة يؤنّثُ مع المعدود المذكر، ويذكّرُ مع المعدود المؤنث ومثال على ذلك: ثلاثة أقلام، ثلاث صفحات. والحكم على العدد بالتأنيث أو التذكير لا يكون بمراعاة لفظ المعدود إذا كان هذا المعدود جمعاً وإنما يكون بالرجوع إلى المفرد، فنقول "ثلاثة قطارات" بتأنيث العدد "ثلاثة" مع أن المعدود "قطارات" مؤنث وذلك لأن مفرد المعدود وهو "قطار" وهو اسم مذكر. وخير مثال آية بينة من الذكر الحكيم: "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود\7)، وأيضا قوله عزّ وجلّ: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"(يوسف\43)
صفحة 22:
"كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهم أصحاب الطاغوت" ثمة خلط بين المفرد والجمع، فكلمة "كلّ" تدلّ على الشمول وحكمها الإفراد والتذكير كما جاء في الذكر الحكيم "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن/26)، وعليه فالصواب أن نتقيّد بذلك في بقية الجملة فنقول: "كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهو من أصحاب الطاغوت"
صفحة 25:
"تسبب هذا الأمر بردة فعل لدى الشارع الجزائري" تسبّب ب خطأ لغويّ وهو إحلال الكلمة في غير محلّها لغةً، والصواب تَسَبَّبَ في، مص. تَسَبُّبٌ. تَسَبَّبَ الوَلَدُ فِي كُلِّ مَا حَدَثَ: كَانَ سَبَباً فِي ذَلِكَ'(7) أما تسبّب ب فلها معنى مختلف اختلافا شاسعاً عن المعنى الذي تقصده الناقدة وهو تَسَبَّبَ بِهِ إِلَيْهِ: تَوَسَّلَ(7)
صفحة 30:
الخطأ الأول: "وما يقابله من غنى وثراء": هذا نوع من الحشو ويسمى في علم البلاغة التطويل، كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب لغير موجب يوجبه المقام نثراً أو نظماً، ومثال على ذلك النعاس والنوم، والبعد والنوى، والحظّ والنصيب، وحذف إحدى الكلمتين لن يؤثر في المعنى.
الخطأ الثاني: "هذا الفقر والعوز الذي يعيشه المجتمع": هذا خطأ صرفي لأنّ الفقر والعوز مثنى، فلا بدّ أن نحوّل العبارة إلى صيغة المثنّى، فالصواب أن نقول: هذا الفقر والعوز اللّذان يعيشُهُما المجتمع.
ملاحظة: ما علمتُ العرب قالوا "عشتُ الفقرَ أو البؤسَ، لكنهم قالوا: "عرفتُ الفقر..." وجربته وابتُليتُ به وهلم جرا.
صفحة 31:
"المتأمل في المجتمع الجزائري يجده خليط من العرب...": خليط خطأ نحوي والصواب خليطاً، ففعل "وجد" فعل متعدٍّ ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ويفيد اليقين، ومثال على ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء/64).
صفحة 34:
الخطأ الأول: "وجد في العنف المتنفس الوحيد الذي ينتقم فيها من مجتمع عاقبه" لا نقول فيها وإنما فيه لأنّه يعود على العنف المتنفّس الوحيد وهو بطبيعة الحال مذكر.
الخطأ الثاني: "فريد زيتوني، الذي تعرض للعنف قبل زمن الإرهاب من قبل موح الكحل رئيس المفرزة، إذا اتهم بسرقة": إذا في هذا السياق في غير محلها، والصواب ربما هو أن نقول: إذ أنّه اتهم بسرقة.
صفحة 35:
"فما أن أتت الفرصة المواتية، سعى جاهدا ليرد ثأره." استعملت الناقدة تركيب 'ما أن' بمعنى المفاجأة، فالمعنى الذي تريده من غير شكّ هو "أتت الفرصة المواتية، فإذا به يسعى جاهدا ليرد ثأره." غير أنها أساءت استعمال التركيب ولم تستعمل فيه حرف الجر 'حتى' فنحن هنا نحتاج إلى تركيب (ما إن... حتى) على منوال البيت الشعري التالي:
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ***حتى تعجل بالبعادِ فراقها (8)
فالصواب أن نقول: " فما إن أتت الفرصة المواتية حتى سعى جاهدا ليرد ثأره."
وخلاصة القول إنّه يحزنني أن أرى نقادا من أمثال سعاد العنزي والناقد خليل حشلاف ينشرون دراسات ومقالات نقدية على أنقاض لغة في مقام اللغة العربية، وقد لا ينتبه لذلك المصححون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه، فتسلك طريقها من غير رقابة إلى أعلى قمم النجاح والمجد، وتدرّس في المعاهد والجامعات، وتقع بين أيادي الشباب، وفيها ما فيها من أخطاء وشوائب.
إنّا لنفحص المؤلفات النقدية الغربية فلا نرى فيها للأخطاء أثرا، ونفحص مؤلفاتنا فنرى فيها خطأ خطيراً وضرراً. ومع ذلك تتعالى عندنا الأصوات لتقلّل من شأن هذه الأخطاء، ولتقلّل من شأن النقد اللغوي الذي أقوم به محاربةً آفة الأخطاء في مؤلفاتنا، وحمايةً لغتنا. والنقد في أصله نقد لغوي، تقول عنه الباحثة فريدة بوﻟﻜﻌﻴﺒﺎﺕ: 'هو أكثر أنواع النقد التي لفتت انتباهي، لما كان فيه من حرص النقاد على المحافظة على اللغة العربية لغة القرآن لصيانتها من كل لحن فساد، يتسرب إليها نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأعجمية.' (9)
فقد كان النقد اللغوي الأصل والمحرك وكان له بالغ الأثر في الأدب العربي، فلا يمكن بحالٍ من الأحوال حصر النقد فيما نراه اليوم من مناهج والاستهانة بالنقد اللغوي وهو الأصل والمنبع في عصر يتميّز بتفشّي العامية وتأثيرات اللغات الأجنبية وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والعجز عن إتقان اللغة العربية.
بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا
___________________________
(1). أثر المنهج اللغوي
"عَبَثُ النُّقَّادِ، بِلُغَةِ الأجْدَادِ"
أخْطَاءُ الكَاتِبِ خَلِيل حَشلاف، والنّاقِدَةِ سُعَاد عَبْد الله العَنْزي
في كِتَابِها "صُوَر العُنْفِ السِّياسِي في الرِّوَايَةِ الجَزائِريَةِ المُعَاصِرَةِ"
نشرت آنفا عددا من المقالات النقدية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية التي وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، لا حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.
وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم لا يخضع ما أكتبه لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّهم هاجموني وانتقدوا منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم الناقد خليل حشلاف على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر في مقاله مما ذكره عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير خير شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي توخّى الكتابة به، وقواعد المضاف والمضاف إليه. وهذا دليل على أنّه في واقع الأمر يفكر بلغة أجنبية ثم يكتب بالعربية، وهذا أفظع خطأ يقع فيه الكاتب، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية بفضل المضاف والمضاف إليه في غنى عن ذلك.
ويرمي الناقد خليل حشلاف اللّغويين من أمثالي بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، يجهل أبسط قواعد اللغة العربية التي تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
يبدو أنه قد غاب عن هؤلاء النقاد بأنَّ 'المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.'(1) وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات.
وقد أكون اليوم أوّل باحث لغوي يقوم بنقد دراسة نقدية أو بعبارة أخرى يقوم بنقد النقد، من خلال نقد لغويّ يتناول كتابا بعنوان "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" وهو دراسة مقارنة للباحثة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، (الكويت: دار الفراشة، 2010) وهو في أصله رسالة ماجستير.
ما أثار انتباهي وأنا أطالع كتاب سعاد العنزي هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، إذ لا تكاد تخلو منها صفحة من الصفحات.
وتبدأ هذه الأخطاء اللغوية في مقدمة الكتاب، ولكثرتها اكتفيت بجملة قليلة من الصفحات من 13 إلى 35، ولو تناولتُ الكتابَ من أوّله إلى آخره وأحصيت ُكلَّ ما فيه من أخطاء لألَّفْتُ في ذلك كتابا يعادل كتاب سعاد العنزي حجما أو يزيد عليه. فمن جملة هذه الأخطاء أذكر:
صفحة 13
"واستبعدت المكتوبة باللغة الفرنسية. وذلك لسببين: الأول شخصي يتمثل في عدم قدرتي لفهم تلك النصوص في لغتها الأم"
قادر على وليس قادر ل، 'فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة'(2) وخير ما نستدلّ به آية من الذكر الحكيم: "قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (البقرة\259)
صفحة 14
الخطأ الأول: "الفصل الثالث: «تجليات الحياة العنيفة»، ويشتغل في الأثر المعنوي والمادي للعنف": اشتغل في هذا السياق خطأ لغوي وهو استعمال الكلمة في غير محلها، إذ أنّ 'اشْتَغَلَ بكذا: عَمِل وتَلَهَّى به عن غيره. واشْتَغَلَ الدواء في جسمه: سَرَى ونجع'(3) وهذا مختلف عن المعنى الذي تريده الناقدة التي تبدو في هذا التعبير متأثّرة باللّهجات العامية التي في بعض الأحيان تستخدم هذا الفعل استخداما خاطئا في غير محله.
الخطأ الثاني: "الحصول إلى إجابة هذا السؤال": لا يقال الحصول إلى الشيء وإنما الحصول عليه: 'حَصَل حَصَلْتُ، أَحْصُلُ، اُحْصُلْ، مص. حُصُولٌ، مَحْصُولٌ حَصَلَ عَلَى الجَائِزَةِ الأُولَى: نَالَهَا حَصَلَ عَلَى شهَادَةِ البَكَالُورْيا: أَحْرَزَ عَلَيْهَا'(4)
صفحة 13 و14:
تنتقل بنا الكاتبة فجأة من ضمير المتحدث "أنا"(فمن بين الروايات لم يكن متوفرا لدي...) إلى ضمير الغائب (فحاولت الباحثة أن تقترب من ثلاث علامات...) فقد يلتبس الأمر على القراء والناقدة في غنى عن ذلك، إذ يمكنها التعبير بضمير المتكلم" أنا" أو إعادة صياغة ذلك الكلام باستعمال ضمير الغائب، فيبدو الكلام عندئذ منسجما، متناسقا، لا يثير الالتباس وسوء الفهم.
صفحة 19:
"ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل يشتمل على العنف اللغوي والنفسي... "
الخطأ الأول: خطأ صرفي وهو خطأ في استعمال القاعدة الصرفية بالوجه المراد، وفي هذا السياق تذكير ما حقّه التأنيث. فكلمة "أعمال" جمع تكسير يشار إليه بالمفرد المؤنّث، فالصواب إذا هو أن تقول: "تشتمل على العنف اللغوي والنفسي" وليس "يشتمل..."
الخطأ الثاني: خلط الأزمنة والانتقال غير المسوّغ من الماضي إلى المضارع في جملة واحدة معطوف آخر فعلها مع أوّله، والصواب أن تقول: "ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل شملت العنف اللغوي والنفسي..." على منوال: "ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب عليها السلام بل شملت أخواتها الطاهرات من آل رسول الله..." (5)
صفحة 20:
"صور العنف التي تطرقت لها الرواية"
لا يقال تطرّق له وإنما تطرّق إليه: "تطرق إِلَيْهِ ابْتغى إِلَيْهِ طَرِيقا وتوسل وَيُقَال تطرق إِلَى ذهنه كَذَا وتطرق إِلَى الْمَوْضُوع وَمَا أشبه ذلك" (6)
صفحة 20:
"وجد نفسه بين ثلاث اتجاهات": "ثلاث اتجاهات" خطأ والصواب "ثلاثة اتجاهات" لأنّ العدد المفرد من ثلاثة إلى عشرة يؤنّثُ مع المعدود المذكر، ويذكّرُ مع المعدود المؤنث ومثال على ذلك: ثلاثة أقلام، ثلاث صفحات. والحكم على العدد بالتأنيث أو التذكير لا يكون بمراعاة لفظ المعدود إذا كان هذا المعدود جمعاً وإنما يكون بالرجوع إلى المفرد، فنقول "ثلاثة قطارات" بتأنيث العدد "ثلاثة" مع أن المعدود "قطارات" مؤنث وذلك لأن مفرد المعدود وهو "قطار" وهو اسم مذكر. وخير مثال آية بينة من الذكر الحكيم: "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود\7)، وأيضا قوله عزّ وجلّ: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"(يوسف\43)
صفحة 22:
"كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهم أصحاب الطاغوت" ثمة خلط بين المفرد والجمع، فكلمة "كلّ" تدلّ على الشمول وحكمها الإفراد والتذكير كما جاء في الذكر الحكيم "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن/26)، وعليه فالصواب أن نتقيّد بذلك في بقية الجملة فنقول: "كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهو من أصحاب الطاغوت"
صفحة 25:
"تسبب هذا الأمر بردة فعل لدى الشارع الجزائري" تسبّب ب خطأ لغويّ وهو إحلال الكلمة في غير محلّها لغةً، والصواب تَسَبَّبَ في، مص. تَسَبُّبٌ. تَسَبَّبَ الوَلَدُ فِي كُلِّ مَا حَدَثَ: كَانَ سَبَباً فِي ذَلِكَ'(7) أما تسبّب ب فلها معنى مختلف اختلافا شاسعاً عن المعنى الذي تقصده الناقدة وهو تَسَبَّبَ بِهِ إِلَيْهِ: تَوَسَّلَ(7)
صفحة 30:
الخطأ الأول: "وما يقابله من غنى وثراء": هذا نوع من الحشو ويسمى في علم البلاغة التطويل، كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب لغير موجب يوجبه المقام نثراً أو نظماً، ومثال على ذلك النعاس والنوم، والبعد والنوى، والحظّ والنصيب، وحذف إحدى الكلمتين لن يؤثر في المعنى.
الخطأ الثاني: "هذا الفقر والعوز الذي يعيشه المجتمع": هذا خطأ صرفي لأنّ الفقر والعوز مثنى، فلا بدّ أن نحوّل العبارة إلى صيغة المثنّى، فالصواب أن نقول: هذا الفقر والعوز اللّذان يعيشُهُما المجتمع.
ملاحظة: ما علمتُ العرب قالوا "عشتُ الفقرَ أو البؤسَ، لكنهم قالوا: "عرفتُ الفقر..." وجربته وابتُليتُ به وهلم جرا.
صفحة 31:
"المتأمل في المجتمع الجزائري يجده خليط من العرب...": خليط خطأ نحوي والصواب خليطاً، ففعل "وجد" فعل متعدٍّ ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ويفيد اليقين، ومثال على ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء/64).
صفحة 34:
الخطأ الأول: "وجد في العنف المتنفس الوحيد الذي ينتقم فيها من مجتمع عاقبه" لا نقول فيها وإنما فيه لأنّه يعود على العنف المتنفّس الوحيد وهو بطبيعة الحال مذكر.
الخطأ الثاني: "فريد زيتوني، الذي تعرض للعنف قبل زمن الإرهاب من قبل موح الكحل رئيس المفرزة، إذا اتهم بسرقة": إذا في هذا السياق في غير محلها، والصواب ربما هو أن نقول: إذ أنّه اتهم بسرقة.
صفحة 35:
"فما أن أتت الفرصة المواتية، سعى جاهدا ليرد ثأره." استعملت الناقدة تركيب 'ما أن' بمعنى المفاجأة، فالمعنى الذي تريده من غير شكّ هو "أتت الفرصة المواتية، فإذا به يسعى جاهدا ليرد ثأره." غير أنها أساءت استعمال التركيب ولم تستعمل فيه حرف الجر 'حتى' فنحن هنا نحتاج إلى تركيب (ما إن... حتى) على منوال البيت الشعري التالي:
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ***حتى تعجل بالبعادِ فراقها (8)
فالصواب أن نقول: " فما إن أتت الفرصة المواتية حتى سعى جاهدا ليرد ثأره."
وخلاصة القول إنّه يحزنني أن أرى نقادا من أمثال سعاد العنزي والناقد خليل حشلاف ينشرون دراسات ومقالات نقدية على أنقاض لغة في مقام اللغة العربية، وقد لا ينتبه لذلك المصححون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه، فتسلك طريقها من غير رقابة إلى أعلى قمم النجاح والمجد، وتدرّس في المعاهد والجامعات، وتقع بين أيادي الشباب، وفيها ما فيها من أخطاء وشوائب.
إنّا لنفحص المؤلفات النقدية الغربية فلا نرى فيها للأخطاء أثرا، ونفحص مؤلفاتنا فنرى فيها خطأ خطيراً وضرراً. ومع ذلك تتعالى عندنا الأصوات لتقلّل من شأن هذه الأخطاء، ولتقلّل من شأن النقد اللغوي الذي أقوم به محاربةً آفة الأخطاء في مؤلفاتنا، وحمايةً لغتنا. والنقد في أصله نقد لغوي، تقول عنه الباحثة فريدة بوﻟﻜﻌﻴﺒﺎﺕ: 'هو أكثر أنواع النقد التي لفتت انتباهي، لما كان فيه من حرص النقاد على المحافظة على اللغة العربية لغة القرآن لصيانتها من كل لحن فساد، يتسرب إليها نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأعجمية.' (9)
فقد كان النقد اللغوي الأصل والمحرك وكان له بالغ الأثر في الأدب العربي، فلا يمكن بحالٍ من الأحوال حصر النقد فيما نراه اليوم من مناهج والاستهانة بالنقد اللغوي وهو الأصل والمنبع في عصر يتميّز بتفشّي العامية وتأثيرات اللغات الأجنبية وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والعجز عن إتقان اللغة العربية.
بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا
___________________________
(1). أثر المنهج اللغوي
Wednesday, 8 April 2015
الإسلاموفوبيا الجاليات المسلمة تؤكد رفضها العنف، ومع ذلك تعيش في مضايقة وعنف
Mon article dans le quotidien algérien SADA-ACHARK
مقالتي في اليومية الجزائرية "صدى الشرق" في موضوع الإسلاموفوبيا..:
الجاليات المسلمة تؤكّد رفضها العن،
ومع ذلك تعيش في مضايقة وخوف
"كان يوما مشرقاً جميلا من أيام شهر
تشرين الأول / أكتوبر خرجت فيه رفقة أسرتي لزيارة حديقة الحيوانات في 'ريجنتس بارك' بقلب لندن. آذنت الشمس بالمغيب عندما غادرنا الحديقة يغمرنا الارتياح والحبور، وسرعان ما حدث ما أثّر فينا وعكّر صفو مزاجنا.. فبينما كنا نقترب من محطة نفق 'بيكر ستريت' في طريق العودة لمحنا أعدادا غفيرة من أنصار الفريق الإنجليزي كانوا متوجّهين إلى ملعب 'ويمبلي' لمشاهدة مباراة انجلترا. لم يكد يشاهد الأنصار بعض النساء في الزي الإسلامي التقليدي حتى راحوا يهتفون: "نحن نكره المسلمين!"
لم يكن هذا حادثا عابرا معزولا بأيّ حال من الأحوال وإنما من مظاهر ما بات يُعرف هنا في المملكة المتحدة باسم" 'الإسلاموفوبيا' أو بعبارة أخرى المشاعر المعادية للإسلام.
فقد جاء في دراسة أجرتها السنة الماضية "جامعة تيسايد" أنّ المسلمين في بريطانيا يتعرّضون لاعتداءات تصل إلى معدل حالتين يومياً، وأنّ أكثر من نصف حالات الاعتداء تستهدف النساء لارتدائهن الزي الإسلامي التقليدي وهو ما كان وراء مقتل الطالبة السعودية 'ناهد المانع' طعناً - فقد تلقت الضحية 16 طعنة - في منطقة 'ايسيكس' شرق لندن في شهر حزيران / يونيو 2014، حسب المحققين.
وحسب دراسة نشرتها صحيفة 'الدايلي ميل" الانجليزية العام الماضي فقد تعرّض 700 مسجد أو مركز إسلامي للاعتداء منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر وهو ما يناهز نصف عدد المساجد في بريطانيا.
يضاف إلى ذلك ما يشنّه المتطرّفون من تهديد وترهيب في مواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من أساليب المضايقة والعنصرية.
تاريخياً، تضرب الإسلاموفوبيا بجذورها في أعماق الماضي، فنراها تمتدّ إلى العقد الأخير من القرن المنصرم، فتنطلق مع نهاية الحرب الباردة بين الكتلة الغربية الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الشرقية الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي، وهو تزامن جعل بعض المحلّلين يرجّح أنّ يكون هذا الوضع قد نشأ ليسدّ الفراغ الذي تركه انتهاء الحرب الباردة وأنّه لا بدّ منه لبسط الهيمنة الإمريكية وخدمة المصالح الغربية. ومهما كان، فقد ازدادت الطين بلّة وزاد الأمر سوء مع مطلع القرن الحالي لا سيما بعد أحداث التاسع من شهر أيلول/ سبتمبر 2001، وتفجيرات نفق لندن 7 تموز / يوليو 2005، ومقتل الجندي البريطاني 'لي ريجبي' في شرق مدينة لندن 22 أيار / مايو 2013 في حادث وصفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ب'هجوم على بريطانيا وخيانة للإسلام'.
وجغرافياً، لا يقتصر الأمر على الجزر البريطانية، فقد استشرى وباء الإسلاموفوبيا في كيان الأمم الغربية ونذكر منها:
-السويد: في يوم 1 كانون الثاني / يناير 2015، الهجوم الثالث على التوالي خلال أسبوع واحد بالقنابل الحارقة يستهدف مسجدا في مدينة 'أوبسالا' وهي رابع أكبر مدينة في السويد.
-جمهورية التشيك: في يوم 3 كانون الثاني / يناير 2015، دعا زعيم المعارضة لجمهورية التشيك المواطنين للسير بالخنازير بالقرب من المساجد لمضايقة المسلمين.
-ألمانيا: مظاهرات معادية للإسلام تغذيها أفكار اليمين المتطرف تزداد انتشارا في أرجاء ألمانيا مع اعتداءات متكررة على المساجد ومن ذلك قيام متطرّفين بالكتابة المعادية للإسلام على جدران مسجد في مدينة 'دورماجن' في شمال غرب ألمانيا...
ليس من شك في أن بعض أفراد جالياتنا يتحمّل شيئاً من المسؤولية على هذا الوضع الشنيع لمشاركته في أعمال إجرامية أو تأييده لها أو تعاطفه مع منفذّيها، وهي أعمال دنيئة لا تمتّ للإسلام بصلة، لكن جزء من المسؤولية يقع حتما على وسائل الإعلام التي عادة ما تقوم بتضخيم الأحداث والمبالغة في وصفها وإقرانها مع الإسلام والمسلمين، ويقع جزء آخر من المسؤولية قطعا على المواطن الغربي الذي رغم ما بلغه من مستوى في العلوم والمعارف والثقافة لا يكاد أحيانا يرى فرقاً بين الإرهاب والإسلام وإن أذنب أحدنا فكأنّما أذنب جميعنا، فإن اغتاظ عاقبنا جميعاً!
إنّ انتشار المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين سيعرقل حتماً اندماج الجاليات العربية والمسلمة في المجتمعات الغربية ويحول دون مدّ الجسور بين الثقافات وتعزيز أواصر التعاون بين أفرادها بما يخدم مصالح هذه المجتمعات ويضمن الأمن والسلام والاستقرار في العالم.
لا مبرّر على الإطلاق لمثل هذه الأحداث التي يتعرّض لها أفراد جالياتنا في ألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول إن كان جلّ أفراد الجاليات الإسلامية قد عبّر عن رفضه العنف واحترامه قوانين الدول التي يقيم فيها كما يثبت أحدث التقارير.
فمن المؤسف حقا أنه في الوقت الذي يعبّر فيه 95 بالمائة من المسلمين البريطانيين عن ولائهم لبريطانيا، يعبّر 1 من 8 من مواطني ألمانيا عن تأييده للمظاهرات المعادية للإسلام واستعداده المشاركة فيها، وهو ما يُعتبر تناقضا صارخاً في هذه المسألة!
وإذا كانت الحرب الباردة الأولى قد انتهت بخضوع الكتلة الشرقية للكتلة الغربية وتخليّها عن إيديولوجيتها الشيوعية التي صنعها رجالها، فما هو سبيل إنهاء الحرب الباردة الثانية هذه التي يعيشها العالم؟ ولنَكُنْ واقعيين في إجابتنا، فالوضع هنا مختلف إذ أنّ الأمر لا يتعلّق بمجرّد إيديولوجية سياسية يمكن التنازل عنها واتباع غيرها وإنما بديانة في حجم الإسلام يدين بها ملايير البشر في العالم ولها أساس متين غير قابل للمساومة يتمثّل في القرآن الكريم.
حلّ هذه المسائل ليس بالشيء العسير إن تعاملنا معها بعقل وحكمة وتفهّم. فعلى أفراد جالياتنا بذل المزيد من الجهود لتحسين صورة المواطن العربي والمسلم في هذه المجتمعات باحترام القوانين واحترام الثقافات الأخرى وقبول التعايش مع الأجناس والديانات الأخرى وتربية الأطفال على هذه المبادئ، حتى لا نحكم على أنفسنا بالعيش في عزلة في هذه الدول.
وعلى الإعلام الغربي التوقّف عن تشويه صورة المسلم والحطّ من قيمته فلا دين في الدنيا في عصمة من التشدّد، ولابدّ أن يدرك المواطن الغربي أنّ جالياتنا بريئة من الجرائم التي قد يرتكبها بعض أفرادها، فهؤلاء لا يمثّلون إلا أنفسهم وآخر سبر آراء لا يدع مجالا للشكّ، فأكثر من 90 بالمائة من المسلمين هنا أكّدوا ولاءهم لبريطانيا واحترامهم قوانينها وهذا دليل على حسن النوايا.
وفي الأخير أقول لابدّ أن نؤمن جميعا بمبادئ الإنسانية وأن نقبل التنوع الثقافي وأن نحترم كل الأجناس والألوان والمعتقدات وأن نؤمن بمبدأ التعايش وبحق الجميع في العيش في أمن وسلام وعزة وكرامة."
مولود بن زادي - صدى الشرق لندن بريطانيا
_____________________________
رابط المقالة:
http://sadaachark.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%88%d9%81%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a9-%d8%b1%d8%ba%d9%85-%d8%b1/
مقالتي في اليومية الجزائرية "صدى الشرق" في موضوع الإسلاموفوبيا..:
الجاليات المسلمة تؤكّد رفضها العن،
ومع ذلك تعيش في مضايقة وخوف
"كان يوما مشرقاً جميلا من أيام شهر
تشرين الأول / أكتوبر خرجت فيه رفقة أسرتي لزيارة حديقة الحيوانات في 'ريجنتس بارك' بقلب لندن. آذنت الشمس بالمغيب عندما غادرنا الحديقة يغمرنا الارتياح والحبور، وسرعان ما حدث ما أثّر فينا وعكّر صفو مزاجنا.. فبينما كنا نقترب من محطة نفق 'بيكر ستريت' في طريق العودة لمحنا أعدادا غفيرة من أنصار الفريق الإنجليزي كانوا متوجّهين إلى ملعب 'ويمبلي' لمشاهدة مباراة انجلترا. لم يكد يشاهد الأنصار بعض النساء في الزي الإسلامي التقليدي حتى راحوا يهتفون: "نحن نكره المسلمين!"
لم يكن هذا حادثا عابرا معزولا بأيّ حال من الأحوال وإنما من مظاهر ما بات يُعرف هنا في المملكة المتحدة باسم" 'الإسلاموفوبيا' أو بعبارة أخرى المشاعر المعادية للإسلام.
فقد جاء في دراسة أجرتها السنة الماضية "جامعة تيسايد" أنّ المسلمين في بريطانيا يتعرّضون لاعتداءات تصل إلى معدل حالتين يومياً، وأنّ أكثر من نصف حالات الاعتداء تستهدف النساء لارتدائهن الزي الإسلامي التقليدي وهو ما كان وراء مقتل الطالبة السعودية 'ناهد المانع' طعناً - فقد تلقت الضحية 16 طعنة - في منطقة 'ايسيكس' شرق لندن في شهر حزيران / يونيو 2014، حسب المحققين.
وحسب دراسة نشرتها صحيفة 'الدايلي ميل" الانجليزية العام الماضي فقد تعرّض 700 مسجد أو مركز إسلامي للاعتداء منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر وهو ما يناهز نصف عدد المساجد في بريطانيا.
يضاف إلى ذلك ما يشنّه المتطرّفون من تهديد وترهيب في مواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من أساليب المضايقة والعنصرية.
تاريخياً، تضرب الإسلاموفوبيا بجذورها في أعماق الماضي، فنراها تمتدّ إلى العقد الأخير من القرن المنصرم، فتنطلق مع نهاية الحرب الباردة بين الكتلة الغربية الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الشرقية الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي، وهو تزامن جعل بعض المحلّلين يرجّح أنّ يكون هذا الوضع قد نشأ ليسدّ الفراغ الذي تركه انتهاء الحرب الباردة وأنّه لا بدّ منه لبسط الهيمنة الإمريكية وخدمة المصالح الغربية. ومهما كان، فقد ازدادت الطين بلّة وزاد الأمر سوء مع مطلع القرن الحالي لا سيما بعد أحداث التاسع من شهر أيلول/ سبتمبر 2001، وتفجيرات نفق لندن 7 تموز / يوليو 2005، ومقتل الجندي البريطاني 'لي ريجبي' في شرق مدينة لندن 22 أيار / مايو 2013 في حادث وصفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ب'هجوم على بريطانيا وخيانة للإسلام'.
وجغرافياً، لا يقتصر الأمر على الجزر البريطانية، فقد استشرى وباء الإسلاموفوبيا في كيان الأمم الغربية ونذكر منها:
-السويد: في يوم 1 كانون الثاني / يناير 2015، الهجوم الثالث على التوالي خلال أسبوع واحد بالقنابل الحارقة يستهدف مسجدا في مدينة 'أوبسالا' وهي رابع أكبر مدينة في السويد.
-جمهورية التشيك: في يوم 3 كانون الثاني / يناير 2015، دعا زعيم المعارضة لجمهورية التشيك المواطنين للسير بالخنازير بالقرب من المساجد لمضايقة المسلمين.
-ألمانيا: مظاهرات معادية للإسلام تغذيها أفكار اليمين المتطرف تزداد انتشارا في أرجاء ألمانيا مع اعتداءات متكررة على المساجد ومن ذلك قيام متطرّفين بالكتابة المعادية للإسلام على جدران مسجد في مدينة 'دورماجن' في شمال غرب ألمانيا...
ليس من شك في أن بعض أفراد جالياتنا يتحمّل شيئاً من المسؤولية على هذا الوضع الشنيع لمشاركته في أعمال إجرامية أو تأييده لها أو تعاطفه مع منفذّيها، وهي أعمال دنيئة لا تمتّ للإسلام بصلة، لكن جزء من المسؤولية يقع حتما على وسائل الإعلام التي عادة ما تقوم بتضخيم الأحداث والمبالغة في وصفها وإقرانها مع الإسلام والمسلمين، ويقع جزء آخر من المسؤولية قطعا على المواطن الغربي الذي رغم ما بلغه من مستوى في العلوم والمعارف والثقافة لا يكاد أحيانا يرى فرقاً بين الإرهاب والإسلام وإن أذنب أحدنا فكأنّما أذنب جميعنا، فإن اغتاظ عاقبنا جميعاً!
إنّ انتشار المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين سيعرقل حتماً اندماج الجاليات العربية والمسلمة في المجتمعات الغربية ويحول دون مدّ الجسور بين الثقافات وتعزيز أواصر التعاون بين أفرادها بما يخدم مصالح هذه المجتمعات ويضمن الأمن والسلام والاستقرار في العالم.
لا مبرّر على الإطلاق لمثل هذه الأحداث التي يتعرّض لها أفراد جالياتنا في ألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول إن كان جلّ أفراد الجاليات الإسلامية قد عبّر عن رفضه العنف واحترامه قوانين الدول التي يقيم فيها كما يثبت أحدث التقارير.
فمن المؤسف حقا أنه في الوقت الذي يعبّر فيه 95 بالمائة من المسلمين البريطانيين عن ولائهم لبريطانيا، يعبّر 1 من 8 من مواطني ألمانيا عن تأييده للمظاهرات المعادية للإسلام واستعداده المشاركة فيها، وهو ما يُعتبر تناقضا صارخاً في هذه المسألة!
وإذا كانت الحرب الباردة الأولى قد انتهت بخضوع الكتلة الشرقية للكتلة الغربية وتخليّها عن إيديولوجيتها الشيوعية التي صنعها رجالها، فما هو سبيل إنهاء الحرب الباردة الثانية هذه التي يعيشها العالم؟ ولنَكُنْ واقعيين في إجابتنا، فالوضع هنا مختلف إذ أنّ الأمر لا يتعلّق بمجرّد إيديولوجية سياسية يمكن التنازل عنها واتباع غيرها وإنما بديانة في حجم الإسلام يدين بها ملايير البشر في العالم ولها أساس متين غير قابل للمساومة يتمثّل في القرآن الكريم.
حلّ هذه المسائل ليس بالشيء العسير إن تعاملنا معها بعقل وحكمة وتفهّم. فعلى أفراد جالياتنا بذل المزيد من الجهود لتحسين صورة المواطن العربي والمسلم في هذه المجتمعات باحترام القوانين واحترام الثقافات الأخرى وقبول التعايش مع الأجناس والديانات الأخرى وتربية الأطفال على هذه المبادئ، حتى لا نحكم على أنفسنا بالعيش في عزلة في هذه الدول.
وعلى الإعلام الغربي التوقّف عن تشويه صورة المسلم والحطّ من قيمته فلا دين في الدنيا في عصمة من التشدّد، ولابدّ أن يدرك المواطن الغربي أنّ جالياتنا بريئة من الجرائم التي قد يرتكبها بعض أفرادها، فهؤلاء لا يمثّلون إلا أنفسهم وآخر سبر آراء لا يدع مجالا للشكّ، فأكثر من 90 بالمائة من المسلمين هنا أكّدوا ولاءهم لبريطانيا واحترامهم قوانينها وهذا دليل على حسن النوايا.
وفي الأخير أقول لابدّ أن نؤمن جميعا بمبادئ الإنسانية وأن نقبل التنوع الثقافي وأن نحترم كل الأجناس والألوان والمعتقدات وأن نؤمن بمبدأ التعايش وبحق الجميع في العيش في أمن وسلام وعزة وكرامة."
مولود بن زادي - صدى الشرق لندن بريطانيا
_____________________________
رابط المقالة:
http://sadaachark.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%88%d9%81%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a9-%d8%b1%d8%ba%d9%85-%d8%b1/
الإسلاموفوبيا بقلم مولود بن زادي
Mon article dans le quotidien algérien SADA-ACHARK
مقالتي في اليومية الجزائرية "صدى الشرق" في موضوع الإسلاموفوبيا..
الإسلاموفوبيا:
الجاليات المسلمة تؤكّد رفضها العنف،
ومع ذلك تعيش في مضايقة وخوف
"كان يوما مشرقاً جميلا من أيام شهر
تشرين الأول / أكتوبر خرجت فيه رفقة أسرتي لزيارة حديقة الحيوانات في 'ريجنتس بارك' بقلب لندن. آذنت الشمس بالمغيب عندما غادرنا الحديقة يغمرنا الارتياح والحبور، وسرعان ما حدث ما أثّر فينا وعكّر صفو مزاجنا.. فبينما كنا نقترب من محطة نفق 'بيكر ستريت' في طريق العودة لمحنا أعدادا غفيرة من أنصار الفريق الإنجليزي كانوا متوجّهين إلى ملعب 'ويمبلي' لمشاهدة مباراة انجلترا. لم يكد يشاهد الأنصار بعض النساء في الزي الإسلامي التقليدي حتى راحوا يهتفون: "نحن نكره المسلمين!"
لم يكن هذا حادثا عابرا معزولا بأيّ حال من الأحوال وإنما من مظاهر ما بات يُعرف هنا في المملكة المتحدة باسم" 'الإسلاموفوبيا' أو بعبارة أخرى المشاعر المعادية للإسلام.
فقد جاء في دراسة أجرتها السنة الماضية "جامعة تيسايد" أنّ المسلمين في بريطانيا يتعرّضون لاعتداءات تصل إلى معدل حالتين يومياً، وأنّ أكثر من نصف حالات الاعتداء تستهدف النساء لارتدائهن الزي الإسلامي التقليدي وهو ما كان وراء مقتل الطالبة السعودية 'ناهد المانع' طعناً - فقد تلقت الضحية 16 طعنة - في منطقة 'ايسيكس' شرق لندن في شهر حزيران / يونيو 2014، حسب المحققين.
وحسب دراسة نشرتها صحيفة 'الدايلي ميل" الانجليزية العام الماضي فقد تعرّض 700 مسجد أو مركز إسلامي للاعتداء منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر وهو ما يناهز نصف عدد المساجد في بريطانيا.
يضاف إلى ذلك ما يشنّه المتطرّفون من تهديد وترهيب في مواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من أساليب المضايقة والعنصرية.
تاريخياً، تضرب الإسلاموفوبيا بجذورها في أعماق الماضي، فنراها تمتدّ إلى العقد الأخير من القرن المنصرم، فتنطلق مع نهاية الحرب الباردة بين الكتلة الغربية الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الشرقية الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي، وهو تزامن جعل بعض المحلّلين يرجّح أنّ يكون هذا الوضع قد نشأ ليسدّ الفراغ الذي تركه انتهاء الحرب الباردة وأنّه لا بدّ منه لبسط الهيمنة الإمريكية وخدمة المصالح الغربية. ومهما كان، فقد ازدادت الطين بلّة وزاد الأمر سوء مع مطلع القرن الحالي لا سيما بعد أحداث التاسع من شهر أيلول/ سبتمبر 2001، وتفجيرات نفق لندن 7 تموز / يوليو 2005، ومقتل الجندي البريطاني 'لي ريجبي' في شرق مدينة لندن 22 أيار / مايو 2013 في حادث وصفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ب'هجوم على بريطانيا وخيانة للإسلام'.
وجغرافياً، لا يقتصر الأمر على الجزر البريطانية، فقد استشرى وباء الإسلاموفوبيا في كيان الأمم الغربية ونذكر منها:
-السويد: في يوم 1 كانون الثاني / يناير 2015، الهجوم الثالث على التوالي خلال أسبوع واحد بالقنابل الحارقة يستهدف مسجدا في مدينة 'أوبسالا' وهي رابع أكبر مدينة في السويد.
-جمهورية التشيك: في يوم 3 كانون الثاني / يناير 2015، دعا زعيم المعارضة لجمهورية التشيك المواطنين للسير بالخنازير بالقرب من المساجد لمضايقة المسلمين.
-ألمانيا: مظاهرات معادية للإسلام تغذيها أفكار اليمين المتطرف تزداد انتشارا في أرجاء ألمانيا مع اعتداءات متكررة على المساجد ومن ذلك قيام متطرّفين بالكتابة المعادية للإسلام على جدران مسجد في مدينة 'دورماجن' في شمال غرب ألمانيا...
ليس من شك في أن بعض أفراد جالياتنا يتحمّل شيئاً من المسؤولية على هذا الوضع الشنيع لمشاركته في أعمال إجرامية أو تأييده لها أو تعاطفه مع منفذّيها، وهي أعمال دنيئة لا تمتّ للإسلام بصلة، لكن جزء من المسؤولية يقع حتما على وسائل الإعلام التي عادة ما تقوم بتضخيم الأحداث والمبالغة في وصفها وإقرانها مع الإسلام والمسلمين، ويقع جزء آخر من المسؤولية قطعا على المواطن الغربي الذي رغم ما بلغه من مستوى في العلوم والمعارف والثقافة لا يكاد أحيانا يرى فرقاً بين الإرهاب والإسلام وإن أذنب أحدنا فكأنّما أذنب جميعنا، فإن اغتاظ عاقبنا جميعاً!
إنّ انتشار المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين سيعرقل حتماً اندماج الجاليات العربية والمسلمة في المجتمعات الغربية ويحول دون مدّ الجسور بين الثقافات وتعزيز أواصر التعاون بين أفرادها بما يخدم مصالح هذه المجتمعات ويضمن الأمن والسلام والاستقرار في العالم.
لا مبرّر على الإطلاق لمثل هذه الأحداث التي يتعرّض لها أفراد جالياتنا في ألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول إن كان جلّ أفراد الجاليات الإسلامية قد عبّر عن رفضه العنف واحترامه قوانين الدول التي يقيم فيها كما يثبت أحدث التقارير.
فمن المؤسف حقا أنه في الوقت الذي يعبّر فيه 95 بالمائة من المسلمين البريطانيين عن ولائهم لبريطانيا، يعبّر 1 من 8 من مواطني ألمانيا عن تأييده للمظاهرات المعادية للإسلام واستعداده المشاركة فيها، وهو ما يُعتبر تناقضا صارخاً في هذه المسألة!
وإذا كانت الحرب الباردة الأولى قد انتهت بخضوع الكتلة الشرقية للكتلة الغربية وتخليّها عن إيديولوجيتها الشيوعية التي صنعها رجالها، فما هو سبيل إنهاء الحرب الباردة الثانية هذه التي يعيشها العالم؟ ولنَكُنْ واقعيين في إجابتنا، فالوضع هنا مختلف إذ أنّ الأمر لا يتعلّق بمجرّد إيديولوجية سياسية يمكن التنازل عنها واتباع غيرها وإنما بديانة في حجم الإسلام يدين بها ملايير البشر في العالم ولها أساس متين غير قابل للمساومة يتمثّل في القرآن الكريم.
حلّ هذه المسائل ليس بالشيء العسير إن تعاملنا معها بعقل وحكمة وتفهّم. فعلى أفراد جالياتنا بذل المزيد من الجهود لتحسين صورة المواطن العربي والمسلم في هذه المجتمعات باحترام القوانين واحترام الثقافات الأخرى وقبول التعايش مع الأجناس والديانات الأخرى وتربية الأطفال على هذه المبادئ، حتى لا نحكم على أنفسنا بالعيش في عزلة في هذه الدول.
وعلى الإعلام الغربي التوقّف عن تشويه صورة المسلم والحطّ من قيمته فلا دين في الدنيا في عصمة من التشدّد، ولابدّ أن يدرك المواطن الغربي أنّ جالياتنا بريئة من الجرائم التي قد يرتكبها بعض أفرادها، فهؤلاء لا يمثّلون إلا أنفسهم وآخر سبر آراء لا يدع مجالا للشكّ، فأكثر من 90 بالمائة من المسلمين هنا أكّدوا ولاءهم لبريطانيا واحترامهم قوانينها وهذا دليل على حسن النوايا.
وفي الأخير أقول لابدّ أن نؤمن جميعا بمبادئ الإنسانية وأن نقبل التنوع الثقافي وأن نحترم كل الأجناس والألوان والمعتقدات وأن نؤمن بمبدأ التعايش وبحق الجميع في العيش في أمن وسلام وعزة وكرامة."
مولود بن زادي - صدى الشرق لندن بريطانيا
_____________________________
رابط المقالة:
http://sadaachark.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%88%d9%81%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a9-%d8%b1%d8%ba%d9%85-%d8%b1/
مقالتي في اليومية الجزائرية "صدى الشرق" في موضوع الإسلاموفوبيا..
الإسلاموفوبيا:
الجاليات المسلمة تؤكّد رفضها العنف،
ومع ذلك تعيش في مضايقة وخوف
"كان يوما مشرقاً جميلا من أيام شهر
تشرين الأول / أكتوبر خرجت فيه رفقة أسرتي لزيارة حديقة الحيوانات في 'ريجنتس بارك' بقلب لندن. آذنت الشمس بالمغيب عندما غادرنا الحديقة يغمرنا الارتياح والحبور، وسرعان ما حدث ما أثّر فينا وعكّر صفو مزاجنا.. فبينما كنا نقترب من محطة نفق 'بيكر ستريت' في طريق العودة لمحنا أعدادا غفيرة من أنصار الفريق الإنجليزي كانوا متوجّهين إلى ملعب 'ويمبلي' لمشاهدة مباراة انجلترا. لم يكد يشاهد الأنصار بعض النساء في الزي الإسلامي التقليدي حتى راحوا يهتفون: "نحن نكره المسلمين!"
لم يكن هذا حادثا عابرا معزولا بأيّ حال من الأحوال وإنما من مظاهر ما بات يُعرف هنا في المملكة المتحدة باسم" 'الإسلاموفوبيا' أو بعبارة أخرى المشاعر المعادية للإسلام.
فقد جاء في دراسة أجرتها السنة الماضية "جامعة تيسايد" أنّ المسلمين في بريطانيا يتعرّضون لاعتداءات تصل إلى معدل حالتين يومياً، وأنّ أكثر من نصف حالات الاعتداء تستهدف النساء لارتدائهن الزي الإسلامي التقليدي وهو ما كان وراء مقتل الطالبة السعودية 'ناهد المانع' طعناً - فقد تلقت الضحية 16 طعنة - في منطقة 'ايسيكس' شرق لندن في شهر حزيران / يونيو 2014، حسب المحققين.
وحسب دراسة نشرتها صحيفة 'الدايلي ميل" الانجليزية العام الماضي فقد تعرّض 700 مسجد أو مركز إسلامي للاعتداء منذ أحداث 11 أيلول/سبتمبر وهو ما يناهز نصف عدد المساجد في بريطانيا.
يضاف إلى ذلك ما يشنّه المتطرّفون من تهديد وترهيب في مواقع التواصل الاجتماعي، وغير ذلك من أساليب المضايقة والعنصرية.
تاريخياً، تضرب الإسلاموفوبيا بجذورها في أعماق الماضي، فنراها تمتدّ إلى العقد الأخير من القرن المنصرم، فتنطلق مع نهاية الحرب الباردة بين الكتلة الغربية الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة والكتلة الشرقية الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي، وهو تزامن جعل بعض المحلّلين يرجّح أنّ يكون هذا الوضع قد نشأ ليسدّ الفراغ الذي تركه انتهاء الحرب الباردة وأنّه لا بدّ منه لبسط الهيمنة الإمريكية وخدمة المصالح الغربية. ومهما كان، فقد ازدادت الطين بلّة وزاد الأمر سوء مع مطلع القرن الحالي لا سيما بعد أحداث التاسع من شهر أيلول/ سبتمبر 2001، وتفجيرات نفق لندن 7 تموز / يوليو 2005، ومقتل الجندي البريطاني 'لي ريجبي' في شرق مدينة لندن 22 أيار / مايو 2013 في حادث وصفه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون ب'هجوم على بريطانيا وخيانة للإسلام'.
وجغرافياً، لا يقتصر الأمر على الجزر البريطانية، فقد استشرى وباء الإسلاموفوبيا في كيان الأمم الغربية ونذكر منها:
-السويد: في يوم 1 كانون الثاني / يناير 2015، الهجوم الثالث على التوالي خلال أسبوع واحد بالقنابل الحارقة يستهدف مسجدا في مدينة 'أوبسالا' وهي رابع أكبر مدينة في السويد.
-جمهورية التشيك: في يوم 3 كانون الثاني / يناير 2015، دعا زعيم المعارضة لجمهورية التشيك المواطنين للسير بالخنازير بالقرب من المساجد لمضايقة المسلمين.
-ألمانيا: مظاهرات معادية للإسلام تغذيها أفكار اليمين المتطرف تزداد انتشارا في أرجاء ألمانيا مع اعتداءات متكررة على المساجد ومن ذلك قيام متطرّفين بالكتابة المعادية للإسلام على جدران مسجد في مدينة 'دورماجن' في شمال غرب ألمانيا...
ليس من شك في أن بعض أفراد جالياتنا يتحمّل شيئاً من المسؤولية على هذا الوضع الشنيع لمشاركته في أعمال إجرامية أو تأييده لها أو تعاطفه مع منفذّيها، وهي أعمال دنيئة لا تمتّ للإسلام بصلة، لكن جزء من المسؤولية يقع حتما على وسائل الإعلام التي عادة ما تقوم بتضخيم الأحداث والمبالغة في وصفها وإقرانها مع الإسلام والمسلمين، ويقع جزء آخر من المسؤولية قطعا على المواطن الغربي الذي رغم ما بلغه من مستوى في العلوم والمعارف والثقافة لا يكاد أحيانا يرى فرقاً بين الإرهاب والإسلام وإن أذنب أحدنا فكأنّما أذنب جميعنا، فإن اغتاظ عاقبنا جميعاً!
إنّ انتشار المشاعر المعادية للإسلام والمسلمين سيعرقل حتماً اندماج الجاليات العربية والمسلمة في المجتمعات الغربية ويحول دون مدّ الجسور بين الثقافات وتعزيز أواصر التعاون بين أفرادها بما يخدم مصالح هذه المجتمعات ويضمن الأمن والسلام والاستقرار في العالم.
لا مبرّر على الإطلاق لمثل هذه الأحداث التي يتعرّض لها أفراد جالياتنا في ألمانيا وبريطانيا وغيرها من الدول إن كان جلّ أفراد الجاليات الإسلامية قد عبّر عن رفضه العنف واحترامه قوانين الدول التي يقيم فيها كما يثبت أحدث التقارير.
فمن المؤسف حقا أنه في الوقت الذي يعبّر فيه 95 بالمائة من المسلمين البريطانيين عن ولائهم لبريطانيا، يعبّر 1 من 8 من مواطني ألمانيا عن تأييده للمظاهرات المعادية للإسلام واستعداده المشاركة فيها، وهو ما يُعتبر تناقضا صارخاً في هذه المسألة!
وإذا كانت الحرب الباردة الأولى قد انتهت بخضوع الكتلة الشرقية للكتلة الغربية وتخليّها عن إيديولوجيتها الشيوعية التي صنعها رجالها، فما هو سبيل إنهاء الحرب الباردة الثانية هذه التي يعيشها العالم؟ ولنَكُنْ واقعيين في إجابتنا، فالوضع هنا مختلف إذ أنّ الأمر لا يتعلّق بمجرّد إيديولوجية سياسية يمكن التنازل عنها واتباع غيرها وإنما بديانة في حجم الإسلام يدين بها ملايير البشر في العالم ولها أساس متين غير قابل للمساومة يتمثّل في القرآن الكريم.
حلّ هذه المسائل ليس بالشيء العسير إن تعاملنا معها بعقل وحكمة وتفهّم. فعلى أفراد جالياتنا بذل المزيد من الجهود لتحسين صورة المواطن العربي والمسلم في هذه المجتمعات باحترام القوانين واحترام الثقافات الأخرى وقبول التعايش مع الأجناس والديانات الأخرى وتربية الأطفال على هذه المبادئ، حتى لا نحكم على أنفسنا بالعيش في عزلة في هذه الدول.
وعلى الإعلام الغربي التوقّف عن تشويه صورة المسلم والحطّ من قيمته فلا دين في الدنيا في عصمة من التشدّد، ولابدّ أن يدرك المواطن الغربي أنّ جالياتنا بريئة من الجرائم التي قد يرتكبها بعض أفرادها، فهؤلاء لا يمثّلون إلا أنفسهم وآخر سبر آراء لا يدع مجالا للشكّ، فأكثر من 90 بالمائة من المسلمين هنا أكّدوا ولاءهم لبريطانيا واحترامهم قوانينها وهذا دليل على حسن النوايا.
وفي الأخير أقول لابدّ أن نؤمن جميعا بمبادئ الإنسانية وأن نقبل التنوع الثقافي وأن نحترم كل الأجناس والألوان والمعتقدات وأن نؤمن بمبدأ التعايش وبحق الجميع في العيش في أمن وسلام وعزة وكرامة."
مولود بن زادي - صدى الشرق لندن بريطانيا
_____________________________
رابط المقالة:
http://sadaachark.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%b3%d9%84%d8%a7%d9%85%d9%88%d9%81%d9%88%d8%a8%d9%8a%d8%a7-%d8%a7%d9%84%d8%ac%d8%a7%d9%84%d9%8a%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d8%a9-%d8%b1%d8%ba%d9%85-%d8%b1/
Subscribe to:
Posts (Atom)