Monday 29 October 2018

سمات الأدب المهجري الحنين إلى الوطن رواية ما وراء الأفق الأزرق

ها هو الليل يرخي سدوله على أرجاء المدينة. يقف خالد عند النافذة وينظر إلى الحديقة الغارقة في الظلمة والسكون ويغرق في بحر التأمّل ويهيم على وجهه في بيداء الأفكار والهواجس.

ويستيقظ بغتة على وقع نغمة على هاتفه المحمول. إنها رسالة جديدة من وفاء بعد نحو أسبوعين من الانقطاع:
-صديقي العزيز خالد،

عجيبة هي الحياة! لا ندرك فيها قيمة الأشياء إلاَّ بعد ضياعها منَّا، ولا قيمة الأشخاص إلاَّ بعد رحيلهم عنّا، ولا قيمة الأوطان إلا بعد تغرّبِنا عنها وبعدِها عنَّا. وكأنَّ القربَ منها ضبابٌ يحجب عنَّا أشعّتَها. أو كأنّ البُعْدَ عنها منظارٌ به نرى صورتَها، ونتبيّن طبيعتها، وندرك حقيقتها!

لكم سمعتُ المجتمع من حولي يردّد عبارة "ما هو بعيد عن العين بعيد عن القلب"! وإني لِشدّة ما سَمِعْتُها صدّقتُها، ورسخَتْ في أعماقي كلماتُها، وآمنتُ بها إيماني بربِّ الفلقِ، إلى أن رمتني الأقدار في ديار الغربة بعيدا عن الأوطان. فمع أنّه مرّ على رحيلي منها اليومَ أعوام إلاَّ أنّي ما زلتُ منصهرة فيها، متّصلة بها بدمي ووجداني وذاتي، اتّصال الجنين بأمّه، بحبل السرّة.

وإني اليوم لا أجد بداً من أن أقول لبلادي والدموع تنهال على خدي: "لكَم أحبّك يا بلادي! أحبك حبّا ليس قبله ولا بعده حبّ! أحبّك وحدك، ولن أحبّ في الكون سواك! أحبّك وأحنّ إليك وأنا في غربتي بعيدة عنك! وإنّي حتماً سأصْلَى نارَ الحنين، وأُسْقَى من عين الأنين حتى أعود إليك، وأرتمي في حضنك، وأنعم ثانية بدفئك، وأرتوي من حنانك!..
أجل! لكَم أحنّ إليك، وإلى هوائك، وصيفك، وضجّة شوارعك، وزحمة طرقاتك، وصخب وسائل نقلك، وفوضى أسواقك، وكلّ شيء فيك!"

مولود بن زادي - لندن المملكة المتحدة

No comments:

Post a Comment