Friday, 24 November 2017

مولود بن زادي للمجلة الثقافية الجزائرية أدافع عن اللغة العربية

حوار مع الكاتب والباحث اللغوي مولود بن زادي \
في (المجلة الثقافية الجزائرية)
حاورته الإعلامية القديرة

مولود بن زادي: "أدافع عن اللغة العربية والمشهد الأدبي مغلق بأبواب من حديد!"

رابط الصفحة:
http://thakafamag.com/?p=7322

يُعد الأديب الجزائري مولود بن زادي واحداً من الوجوه الثقافية العربية البارزة في المهجر، فهو روائي ومترجم وناقد وباحث لغوي مهتم بقضايا اللغة العربية الفصحى، في رصيده الإبداعي ثلاث روايات وهي :(عَبَرَاتٌ وعِبَر) و(رياحُ القدر) و(مَا وَرَاءَ الأُفُقِ الأزْرَق)، ومن مؤلفاته قصة أطفال بعنوان (الغزالة المغرورة)، وقاموس (الأفعال المركبة الإنجليزية باللغة العربية) و(معجم الزّاد للمترادفات والمتجانسات العربية)..
المجلة الثقافية الجزائرية حاورته حول تجربته الإبداعية ورأيه بخصوص الدور الذي يمكن أن يؤديه أدباء المهجر في محاربة التشدد ونشر القيم الإنسانية والحضارية، فإلى تفاصيل الحوار:

المجلة الثقافية الجزائرية: لو طلبت من مولود بن زادي أن يقدم نفسه ماذا يقول؟

مولود بن زادي: كاتب وباحث لغوي مقيم بالمملكة المتحدة، عضو في رابطة الأدباء العرب وعضو سابق في اتحاد الكتاب الجزائريين. مقيم بالمملكة المتحدة منذ عام 1991. من مؤلفاتي قصة أطفال بعنوان (الغزالة المغرورة)، وقاموس (الأفعال المركبة الإنجليزية باللغة العربية) إنجليزي – عربي، ورواية (عَبَرَاتٌ وعِبَر) 2011، وهي رواية اجتماعية درامية مقتبسة من قصّة واقعية. وأيضاً (معجم الزّاد للمترادفات والمتجانسات العربية) 2013، أكثر من 600 صفحة وهو الأول من نوعه في الجزائر وفي المغرب العربي. ورواية (رياحُ القدر) 2014، عاطفية اجتماعية مقتبسة من قصّة حقيقية. ومؤخراً رواية “مَا وَرَاءَ الأُفُقِ الأزْرَق” 2017، وهي رواية سيرة تقع أحداثها في لندن إنجلترا.

المجلة الثقافية الجزائرية: من اللافت للانتباه أن تجربتك الإبداعية تتميز بالتنوع بين الرواية، الترجمة، المقالة، النقد، المعاجم.. أين يجد مولود بن زادي نفسه أكثر؟

مولود بن زادي: تتلاطم هذه الأصناف في مخيلتي كالأمواج في البحر، فتتقاذفني فيما بينها. ولست أغالي إن قلت إني لحسن حظي أحسن السباحة حيثما ألقتني هذه الأمواج.
المعاجم أكتبها لأني درست الترجمة وأحب اللغة. وهي من اختصاصي. وأريد أن أفيد المجتمع والأجيال بهذه الأعمال الكبيرة التي تتطلب الكثير من الوقت والجهد وليست أبدا بالشيء اليسير. الرواية الواقعية كتبتها في البداية تخليداً لذكريات. وفي روايتي الجديدة “ما وراء الأفق الأزرق” تعبيراً عن أفكاري ودفاعاً عن الإنسانية. المقالة أتناول من خلالها مواضيع هامة مثل اللغة وتسمح لي بالتعبير عن أفكاري.. فللرد على سؤالك أقول: لعلي أفضِّل المقالة والرواية لأنهما تسمحان لي بالتعبير عن أفكاري. فأنا أفضِّل العقل على العاطفة أو العمل الآلي الروتيني.

المجلة الثقافية الجزائرية: روايتك “رياح القدر” رواية رومانسية .. هل هي حنين للذكريات والوطن؟ وكيف راودتك فكرتها؟

مولود بن زادي: هي آخر ذكريات لي في الجزائر قبل رحيلي عنها. ولشدَّ ما رغبت في كتابة هذه الرواية تخليداً لهذه الذكرى الجميلة والمؤلمة معاً. ولسوء الحظ، عندما شرعتُ في كتابتها فقدت والدتي، وكان لذلك بالغ الأثر في نفسي وكتابتي. فقد قررت أن أكتب رواية تخلّد ذكرى والدتي رحمها الله بعنوان “عبرات وعبر”. ولم تكن تلك الرواية يسيرة، لأنها كانت مقتبسة من قصّة واقعية تروي حياة أم وأسرة كبيرة، تتطلب وقتاً طويلاً وجهدا كبيراً، جمعتُ فيها شهادات من أفراد الأسرة بما في ذلك والدي رحمه الله، وشارك في تسجيل أحداثها عدد من أفراد الأسرة. فتأخرت رواية “رِيَاحُ القَدَر” لسنوات. لكن، في الأخير سعدت بما حققته من نجاح رغم مشاكل التوزيع. فقد أقبل عليها الجماهير في عدد من المدن، ودخلت الجامعة الجزائرية من خلال مذكرات تخرج ماستر. حصل كل ذلك رغم بعدي عن الأوطان وعدم مشاركتي في الصالون الدولي للكتاب في الجزائر.

المجلة الثقافية الجزائرية: قلت مرة :”إن كان الجند حماة الأوطان، فنحن اللغويون حماة لغة القرآن، نذود عنها بكل سِنان، لكي تحيا قبل فوات الأوان” .. برأيك كمثقف مهتم بقضايا اللغة ..كيف يؤدي المثقف العربي واجباته حيال لغة الضّاد في ظل ما تتعرض له من محاولات تقزيمها في الجزائر مثلاً؟

مولود بن زادي: اللغة العربية هي اليوم للأسف رهينة بين أيدي تيارين متصارعين. وإن كانا يختلفان في كل شيء إلاَّ أنهما يشتركان في أمر واحد هو التعصب.. التيار الإخواني الذي جعل من اللغة منصة لإطلاق خطابات الكراهية. والتيار اليساري الذي لم يعد يفرق بين الإيديولوجية المتطرفة واللغة، فكلاهما عدو مبين. فقد صار المثقف يسيء إلى اللغة. وصار هو عدو اللغة. واللغة في واقع الأمر بريئة من كل ذنب. لهذا فإني أطالب بفصل اللغة عن الدين حتى لا يساء فهمها وحتى لا تتعرض للأذى. أعود إلى سؤالك لأقول إن المثقف العربي عادة ما يدافع عن اللغة العربية لارتباطها بالدين وربما لولا ذلك لما اهتم. أنا أختلف عن هؤلاء في التفكير لأني أدافع عن اللغة العربية كلغة وكوسيلة تواصل يشترك فيها بشر من مختلف الديانات. فإن كانت لغة القرآن فهي أيضا لغة جبران خليل جبران.. هي اللغة التي كتب بها أدباء المهجر وكانوا مسيحيين.. وهي اللغة التي كتب بها أدباء الأندلس اليهود.. وهي اللغة التي نشر فيها مسيحيو الشرق الأوسط أكبر معاجم عربية. هكذا أنظر إلى اللغة العربية.. وهكذا أدافع عن هذه اللغة.. كلغة ووسيلة تواصل وليس شيئاً آخر.

المجلة الثقافية الجزائرية: في هذا الإطار.. ما الذي دفعك بعد 100 عام على الرد على كتاب (الغربال) لميخائيل نعيمة الذي يحمل موقفاً متشدداً تجاه اللغويين والأدباء المحافظين المتمسكين بأصول اللغة وأحكامها؟

مولود بن زادي: لابد أن أوضح أولا أنّي من المعجبين بشخصية ميخائيل نعيمة وأدبه وأسلوبه في الكتابة ودفاعه المستميت عن المحبة و الإنسانية، حتى أنّ الإهداء في روايتي الجديدة “ما وراء الأفق الأزرق” كان لروحه الطاهرة. لكن للأسف، بعدما اطلعت على كتاب (الغربال)، لم أجد بداً من نقده لأني رأيت أنّه تدخل في حقل ليس من اختصاصه، وأصدر أحكاماً قاسية – وبعضها لا أساس له من الصحة – في حق اللغة واللغويين وهو ليس لغوياً. واليوم للأسف، مثلما نشاهد، يتدخل في اللغة أشخاص ليست اللغة من اختصاصهم وبعضهم لا يتقن قواعدها ولا يحسن الحديث بها. وهذا في تصوري شبيه برجل يحاول أن يشخّص مرضاً وأن ويصف علاجاً وهو لم يدرس الطب! فاني أقول لهؤلاء دعوا اللغة لأهلها فهم أدرى بمسائلها. إن تهجم أحد على اللغة وكانت حجته باطلة، سيأتي يوم يرد عليه فارس من فرسان اللغة العربية حتى لو كان ذلك بعد مائة سنة! لا يدخل حقلاً ملغماً إلا من كان خبيراً قادراً على الكشف عن القنابل وإبطال مفعولها.

المجلة الثقافية الجزائرية: إلى أي حد استطاع أدباء المهجر – وأنت واحد منهم- أن يلعبوا دوراً إيجابياً في نشر القيم الإنسانية والحضارية في المجتمعات الغربية؟

مولود بن زادي: نحن كتاب المهجر نتعلم المبادئ الإنسانية في المجتمعات الغربية المتفتحة من خلال احتكاكنا بالأجناس الأخرى. وخير مثال على ذلك لندن التي يجتمع فيها كل أجناس الدنيا ودياناتها ولغاتها وثقافاتها. فنتعلم حتماً تقبل الآخر واحترام رأي الآخر و التعايش مع الآخر. ولا شيء أجمل من التنوع. فتتضح معالم الإنسانية في أذهاننا، وتضرب بجذورها في أعماقنا، وتنعكس آثارها في تفكيرنا وكتاباتنا. تجدون ذلك على سبيل المثال في روايتي الجديدة “مَا وَرَاءَ الأُفُقِ الأزْرَق” التي حاولت من خلالها تصوير الإنسانية والتعبير عن أسمى معانيها مثلما أراها.. تجدون ذلك أيضا في مؤلفات رائدة خلفها لنا زعماء الأدب المهجري مثل كتاب “مرداد” الذي كتبه ميخائيل نعيمة بالإنجليزية وقال عنه إنه خلاصة عقيدته وفكره وهذا الأدب المكتوب باللغات الأجنبية أو المترجم إليها يحمل للمجتمعات الغربية رسائل المحبة والسلام والإنسانية التي لا نعرف الحياة ولا حتى الكتابة من غيرها. مهم جدا الاجتهاد لإيصال رسالة المحبة والإنسانية إلى مجتمعاتنا العربية. لكن للأسف الأمر صعب. فإن كان رواد الأدب المهجري في القارتين الأمريكيتين أواخر القرن 19 ومطلع القرن 20 قد استفادوا من الرابطة القلمية والصحف التي جمعت شملهم وكانت لسان حالهم، فإننا اليوم للأسف الشديد مشتتون في بقاع الدنيا. وعندما نسعى لإيصال مؤلفاتنا وأفكارنا إلى الجماهير العربية نصطدم بواقع مخيب للأمل ومثبط للعزيمة: فالمشهد الأدبي مغلق بأبواب من حديد تحتكره أقلام محلية قليلة منذ أجيال لا تقبل مشاركتنا من باب الأنانية والحسد لأنّ الساحة تتسع لما لا يحصى من الأقلام ولن يؤثر فيها أبداً إضافة بعض الأقلام مثلما لا تؤثر إضافة بعض قطرات الماء إلى نهر كبير يصب في خدمة الأدب والثقافة والإنسانية. نصطدم أيضاً بعدم تعامل الهيئات الثقافية والإعلام ودور النشر في البلدان العربية معنا. فكيف يمكننا حمل رسالة الإنسانية إلى مجتمعاتنا؟! من جهتي سأمضي في طريقي رغم هذه العراقيل. وإني واثق أن أفكاري ستصل إلى هذه المجتمعات يوماً. قد لا يكون ذلك في حياتي.. قد يكون في الأجيال القادمة وللأجيال القادمة.. ولابد لي أن أتقبل أن أثر بعض الكتاب والمفكرين قد لا يظهر إلاّ بعد أجيال.. ولن يكونوا موجودين للأسف للرد والتوضيح إن أسيء تأويل وفهم أفكارهم.. هكذا هي الحياة ولابد أن نتقبلها.

المجلة الثقافية الجزائرية: باعتبارك مقيم في بريطانيا أود أن أسألك :ما هي أبرز التحديات التي يواجهها المبدعون المهجريون؟ وكيف يمكن لهؤلاء المساهمة في محاربة الأفكار المتطرفة؟

مولود بن زادي: نحن بلا شك نملك إمكانيات جيدة للمشاركة في إثراء المشهد الأدبي بأدب مهجري له سماته الخاصة مثل الحنين إلى الوطن والنزعة الإنسانية والتحرر في الأفكار. ونملك أسلحة متطورة نستطيع أن نستخدمها عندما تتهيأ الظروف لقصف معاقل الكراهية والتفكير الأحادي والتطرف وإعلاء راية المحبة والإنسانية. نحن تأثرنا بيئتين مختلفتين ونستطيع أن نشاهد العالم من زوايا مختلفة. ونحن اليوم نرى ما لا تراه مجتمعاتنا. من الذي يحارب التشدد اليوم يا ترى؟ إنه بشكل عام الكاتب الفرانكفوني، وغالباً ما يكون ذلك بلغة لا يفهمها إلا عدد قليل من أفراد المجتمع وبأسلوب تطغى عليه المشاعر والتهم ويفتقر إلى الأدلة والحجج. في تصوري الشخصي لن يكون ذلك كافياً ولا ناجعاً على الإطلاق لأن الرسالة لن تصل وإن وصلت لن يكون لها أثر. وهل من الحكمة مخاطبة الملحد بلغة الإنجيل والعكس صحيح. فأنا شخصياً أعتقد أن هذه الحرب لن تأتي بثمارها إلا إذا خاطبت الجماهير باللغة التي تتقنها الجماهير، إضافة إلى استخدام العقل وتقديم ما أمكن من الحجج والأدلة والشواهد المقنعة التي من شأنها التأثير في طريقة التفكير بدلاً من مجرد التأثير في المشاعر. في تصوري الشخصي مدى نجاح هذه الحرب يخضع أيضا لنوع الحجج والأدلة، وهنا بيت القصيد. فالأمر يخضع لجملة من العوامل منها ذكاء الكاتب وطريقة تفكيره وطريقة تعامله مع المسائل وعرضه الحجج، وتجاربه وغير ذلك.. هذا ما من شأنه أن يحدث الفارق. للأسف بعضنا يكسب الشهرة ولا يكسب الحجج، وبعضنا الآخر يكسب أسلحة متطورة قادرة على إلحاق الضرر ولا يكسب الشهرة. ولا جدوى من توظيف هذه القدرات قبل الوصول إلى الجماهير في وطننا العربي الكبير. بدلاً من محاربة التفكير الأحادي، نجد أنفسنا اليوم نحارب خطراً آخر علينا وعلى وجودنا في عالم الكتابة وهو الإقصاء والتهميش. فلن يكون دورنا فعالاً إلا إذا ثبتنا أقدامنا في المشهد الأدبي والثقافي العربي وتوفر لنا الدعم الكامل بما في ذلك سهولة الوصول إلى النشر والإعلام.

المجلة الثقافية الجزائرية: وهل تحتفي الأوطان الأم بأبنائها من أدباء المهجر؟

مولود بن زادي: لا نرى أثراً لذلك للأسف. فحتى بعدما نشرت معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية وهو الأول من نوعه في الجزائر لم تصلني حتى كلمة شكر. ورغم أن المعجم كان من الكتب الأكثر مبيعاً في الجزائر حيث بيع منه 3000+ نسخة ونفدت منه طبعتان، فإنّ دور النشر الكبرى ما زالت ترفض أعمالي. لكن يبقى الأمل قائماً في إمكانية تغير الأمور مستقبلاً، فلا شيء مستحيل. ومهما كان لن يتأثر حبي المقدس والسرمدي لهذه الأوطان وهو ما يظهر في مؤلفاتي من خلال الحنين الجارف إلى الأوطان التي تحيا دوماً في أعماقي.

المجلة الثقافية الجزائرية: دعني أسألك الآن عن مدى قربك من الرواية الجزائرية الراهنة..؟

مولود بن زادي: أحاول بقدر المستطاع متابعة الرواية الجزائرية. أقرأ لأدباء مثل ياسمينة خضرة وواسيني الأعرج وأحلام مستغانمي لأن أعمال هؤلاء متوفرة ويسهل الحصول عليها. كما أتابع جديد الرواية الجزائرية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي التي اختصرت المسافات بيننا وسهلت التواصل بيننا.

المجلة الثقافية الجزائرية: ما يثير الانتباه أن عدد الروايات الصادرة سنوياً في الجزائر أو لكتاب جزائريين لم يكن إضافة حقيقية لمستوى الكتابة ككل إبداعياً ومعرفياً. لماذا؟

مولود بن زادي: هذا ما أشرت إليه في حوارات سابقة وأنذرت بعواقبه وأنا أتابع المشهد الأدبي من الجزر البريطانية. الأسباب كثيرة طبعاً، أذكر منها:
– بحث الأديب عن الكم بدلا من الجودة. فكل همه هو نشر رواية كل سنة يشارك بها في معارض الكتاب وتضاف إلى رصيده الأدبي.
– حصر المؤلفات في موضوع واحد أو فكرة واحدة. وإذا به يكرر نفسه وهو لا يدري ويغرق السوق بمؤلفات لا ترقى إلى مستوى المنافسة العالمية.
– الكتابة لأجل الجائزة. فقد بات يكتب في سبيل الفوز بالجائزة وليس في سبيل التعبير عن أفكاره ومشاعره أو في سبيل إرضاء القارئ.

المجلة الثقافية الجزائرية: لماذا عجزت الرواية الجزائرية عن التنافس على جائزة البوكر العالمية؟

مولود بن زادي: بلا شك لأنّ شروط المسابقة فيها لا تسمح للمواهب الأدبية الجديدة من المشاركة. فمن شروط المسابقة ألا يساهم الأديب في دفع تكلفة النشر. النشر المجاني في متناول الأديب المعروف وليس الأديب المبتدئ الذي يتعرض لاستغلال دور النشر. شرط آخر ينصّ على مشاركة دار النشر برواية واحدة. فالغلبة تكون حتما للكاتب المعروف. أيضاً لأنّ الأدباء في الأقطار العربية الأخرى يقدمون أعمالاً أفضل منا أذكر منها على سبيل المثال: رواية “موت صغير” للكتب محمد حسن علوان الرائعة من حيث الفكرة والأسلوب حسب رأيي. أضيف إلى ذلك ربما مسألة اللغة. فجائزة البوكر مخصصة للرواية العربية. والروائي الجزائري لا زال في صراع دائم مع نفسه لا يعرف الخروج منه. فهو لا يدري أساساً من يكون وبأي لغة يتحدث. ونراه يفكر بلغة ويكتب بأخرى. في تصوري الشخصي لا يعقل أن يفوز بجائزة كاتب يحتقر اللغة التي يكتب بها ويشارك بها في الجائزة.

المجلة الثقافية الجزائرية: ماذا تقرأ؟
مولود بن زادي: “السراب” لنجيب محفوظ.

المجلة الثقافية الجزائرية: وماذا تكتب؟
مولود بن زادي: انتهيت قبل قليل من كتابة مقالة جديده في موضوع اللغة، تتناول الأبجدية العربية. وسأشرع قريبا في كتابة روايتي القادمة بعنوان فتاة من النمسا مقتبسة من قصّة حقيقية. بعدها سأحاول ربما الخروج من المدرسة الواقعية لأجرّب لأول مرة الرواية الخيالية.

اللغة العربية حروف اللغة الأبجدية هل العربية في حاجة إلى أحرف جديدة

"هَلِ اللّغةُ العَرَبِيَّةُ في حَاجَةٍ إلى أحْرُفٍ جَدِيدَة!"

رابط الصفحة:
http://www.alquds.co.uk/?p=832141

المقالة:

هَلِ اللّغةُ العَرَبِيَّةُ في حَاجَةٍ إلى أحْرُفٍ جَدِيدَة!

الكتابة تعبير خطيّ عن اللغة في شكل رموز وإشارات وحروف، أو كما جاء في تعريف معجم الرائد، "تصوير الكتاب والألفاظ بحروف هجائية". وهي من ابتكارات الفكر البشري. واللغة العربية من اللغات السامية المنحدرة من أسرة اللغات الأفروآسيوية التي تضم ما يناهز 300 لغة. وهي في الواقع أحدثها نشأة، وأوسعها انتشارا، وأكثرها تأثيراً في غيرها حيث ساهمت في إثراء لغات عريقة مثل الفارسية والعبرية والتركية. وتكتب من اليمين إلى اليسار بأبجدية تتألف من 28 حرف، تعالت من حولها أصواتٌ داعية إلى إعادة النظر فيها، وإضافة حروف جديدة إليها.
أودُّ في مستهل هذا البحث أن استعرضَ بعضَ المواقف المساندة لمراجعة الأبجدية العربية. أذكر منها موقف الكاتب الجزائري أمين الزاوي الذي قال في مقالة في صحيفة الشروق الجزائرية عام 2011: "لا أزال أتساءل: ألا تحتاج الأبجدية العربية التي نُدرِّسُها لأطفالنا إلى إعادة النظر وإضافة حروف جديدة بعد أن توسَّعت جغرافيتنا الثقافية والعلمية والتكنولوجية... "
وقد استعرض الزاوي هذه الحروف في قوله: "ينقص الأبجدية العربية مثلا حرف V الذي نستعمله لقول (تليفزيون)، وحرف G لقول Google أو مدينة (ورقلة)، وحرف P لقول Pentium..."
وذهب الدكتور محمد رياض العشيري في هذه المسألة إلى رأي مماثل: "صوت الجيم في العربية من الأصوات غير المستقرة، التي تعرّضت للتغير... كان يُنْطَق مثل الحرف الأخير من كلمة (leg) الإنجليزية. ثم أصبح يُنْطَق مثل الحرفين الأول والأخير في كلمة (judge)... وفي الخليج ظهرت صيغة نطق جديدة حولته إلى ما يشبه الحرف الأول من كلمة (year) الإنكليزية.
ومع انتشار الصحافة وذيوع الطباعة والاحتكاك بالغرب نشأت الحاجة إلى كتابة أسماء أعجمية برموز الحرف العربي... وتولدت مع مرور الزمن أخطاء في نطق أسماء بلدان، مثل (Ghana)، و(Yugoslavia) التي أصبحنا ننطقها بالغين وكأنها كلمات عربية تحتوي على صوت (الغين) العربي القح... ينبغي علينا استخدام خيار اللغة الفارسية... فماذا فعل الفرس عندما تبنوا الحروف العربية لكتابة أصوات لغتهم؟ أضافوا حروفا جديدة إلى الأبجدية... "

إننا إذا تأملنا نشأة اللغات وتطورها أدركنا أنّ اقتراحات إصلاح أنظمة الكتابة وإضافة حروف إلى الأبجديات ليست فكرة جديدة. فهي من المواضيع المستهلكة التي خاض فيها عدد كبير من الكتاب العالميين والعرب عبر العصور. أذكر من جملة ذلك محاولات العالم اللغوي الأمريكي الرائد نوح وبستر (1758-1843) مصنّف معجم وبستر الشهير. وهو من اقترح أن تُكتَب الكلمات مثلما تُنْطَق.
عربياً، أذكرُ مقالة رئيس تحرير ديوان العرب عادل سالم بتاريخ 15 تشرين الثاني/نوفمبر 2009، بعنوان "نحو تطوير وتحديث اللغة العربية"، قال فيها: "إنني أقترح أن نضيف إلى حروف العربية حرفين هو (G) و(V)، وإدخال رسم جديد لكل منهما يتناسق مع أحرف اللغة القائمة، إنها ليست دعوة لاستبدال حرف الجيم ولكن إضافة حرف(G)"
ما تغافل عنه دعاة الإصلاح هو أنّ افتقار اللغة إلى حروف أخرى ظاهرةٌ عالمية طبيعية تشترك فيها اللغات ولا تقتصر على العربية. فحروف الحاء والطاء والعين والقاف العربية غير موجودة في لغات أخرى مثل الإنكليزية أو الفرنسية، فيضطر أصحابها إلى كتابة الأسماء العربية بأحرف في تلك اللغات تختلف عن الحروف العربية نطقاً، كاستخدام حرف H الذي يُنْطَق مثل (هـ) أو (أ) لكتابة الحاء (البحرين Bahrain)، أو استعمال حرف A الذي يُنْطَق (أ) مكان حرف العين (عنبر Amber)، أو حرف Q الذي يُنْطَق مثل الكاف للتعبير عن القاف (قطر Qatar)... ورغم تردد مثل هذه الاسماء في تلك اللغات، فإننا لا نرى أي اجتهاد لإدخال حروف جديدة للتعبير عنها، حِفظاً للأبجدية الموروثة منذ قرون. ولا نرى أدباءنا الذين يكتبون بتلك اللغات يقترحون على أصحابها إضافة مثل هذه الحروف إلى أبجدياتها.

والمجتمعات الغربية معروفة منذ الماضي البعيد بمقاومتها المساس بأبجدياتها وقواعد كتابتها، وهذا ما يفسّر عدم تغير الأبجدية الإنجليزية لقرون رغم مساعي شخصيات لغوية وسياسية مؤثّرة من أمثال بنجامين فرانكلين (1706-1790) الكاتب والسياسي وأحد مؤسسي الولايات المتحدة الذي رغم اجتهاده فشل في إضافة الحرف اللاتيني Eng . كما فشل إسحاق بيتمان (1813-1897) في إضافة حروف Esh، Ezh  Schwa ،
ولعلّ "تجربة وبستر" خير شاهد على صعوبة تغيير قواعد الكتابة. فقد سعى العالم اللغوي الأمريكي الشهير نوح وبستر (1758-1843) لإصلاح الكتابة لتكون مطابقة للنطق. ولم يوفَّق إلا في القليل منها مثل إسقاط حرف U من كلمة colour، أو استبدال Centre بCenter وباءت اقتراحاته الأخرى مثل تعديل كلمة Women لتكون Wimmen بالفشل. ورغم طموحه، فقد "قرر نوح وبستر عدم إضافة حروف جديدة عند تصنيفه معجمه الشهير" مثلما ذكر الكاتب ستيف لوفليس. ولم تخرج تعديلات نوح وبستر عن الولايات المتحدة حيث احتفظت بريطانيا وأمم أخرى ناطقة باللغة الإنكليزية بقواعد الكتابة الموروثة منذ قرون.
ولا يمكننا أن نبرّر إضافة حروف جديدة بالاتساع الجغرافي والاحتكاك بالغرب. فالعرب الذين قادوا أكبر فتوحات في تاريخ البشرية، امتدت من بلاد فارس إلى جنوب غرب أوربا وأعماق القارة السمراء، احتكوا بشعوب وقبائل كثيرة ولم يكن يخفى عليهم اختلاف الألسنة والأبجديات. وخير مثال ربما الأندلس حيث عاش العرب بجوار الاسبان الذين كانوا يستخدمون حروف V و G و P ومع ذلك لم يفكروا في إضافة هذه الحروف لأنهم ببساطة لم يروا ضرورة لذلك. وما العيب في كتابة "غاز" أو "غانا" أو "باريس" أو "تلفزيون" وهي اليوم كلمات معرَّبة مألوفة نكتبها دون تفكير ونقرأها دون إشكال؟ واللغات الأخرى تسعى دوماً لتعديل الأسماء الأجنبية لتنسجم مع قواعدها، وتكتبها بحروف أبجدياتها دون إضافة حروف جديدة لأجلها. فاسم "القاهرة" يتحول إلى Cairo في الإنكليزية ويُنطق حرفه الأول (ك) وليس (ق)، وLecaire في الفرنسية، وKairo في الألمانية، وКаир في الروسية...
وأي منطق في اقتراح محاكاة التجربة الفارسية التي أضافت حروفاً جديدة ونحن نعلم أنّ لكل لغة طبيعتها وخصائصها وعبقريتها؟ فقد أشار الدكتور عبد العزيز فرج عزو في مقالة بعنوان "الفرق بين حروف اللغة الفارسية واللغة العربية" إلى أنه رغم تشابه اللغتين في الكتابة، فإنّ النطق يختلف في بعض الحروف والكلمات. فعلى سبيل المثال، حرف الثاء في الفارسية أقرب إلى حرف السين في العربية، وحرف الطاء إلى حرف التاء، وحرف الواو يُنطَق مثل حرف U في اللاتينية. فالاختلاف بيّنٌ، وما يصلح للغة قد لا يصلح لأخرى وإن اشتركتا في الأصل والأبجدية...

إنّ الاختلاف في نطق بعض الحروف في وطننا العربي كحرف الجيم الذي أشار إليه العشيري لدليل على فشل قاعدة "حرف واحد لصوت واحد" التي استشهد بها. وقد آن الأوان لتقبّل إمكانية وجود "حروف متعدّدة الأصوات" تتيح للجماهير العربية المختلفة والتي لها لهجات متنوّعة إمكانية نطق حرف مثل الجيم بأصوات مختلفة مع التشبث بالحرف الواحد في الكتابة، مما يجنّبنا التفكير في إضافة أحرف جديدة لا تحصى، نحن في غنى عنها. فالاختلاف في نطق الجيم لا يمنع المصري والعراقي والمغربي من كتابته كتابة واحدة مشتركة صحيحة. ولا تقتصر هذه الظاهرة على اللغة العربية. إذ نجدها في لغات أخرى مثل الإنكليزية حيث يختلف نطق بعض الحروف من منطقة إلى أخرى مثل حرف U في كلمة Bus الذي يُنْطَق مفتوحا (بَاسْ) في جنوب إنكلترا ويُرفَع في شمالها (بُوسْ). وتبدو الهوة أوسع بين الإنكليزية البريطانية والإنكليزية الأمريكية مثل كلمة Water التي ينطق فيها البريطاني حرفَ T بينما يلغيه الأمريكي تماماً ومع ذلك لا تتغيّر الحروف التي تُكْتَب بها الكلمة. 

وخلاصة القول إنّ اقتراحات إصلاح نظام الكتابة وإضافة حروف ظاهرةٌ عالمية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ قادتها شخصيات لها معرفة في اللغة من أمثال نوح وبستر، ونفوذ في السياسة مثل بنجامين فرانكلين، ولم تكلل بإضافة حروف جديدة إلى اللغة الأكثر انتشارا في العالم، الانكليزية، رغم عجز أبجديتها عن التعبير عن العديد من الأصوات باعتراف لغوييها. فلم تتغيّر منذ عام 1755! واللغة العربية الثرية بمفرداتها قادرة على تعريب كل الألفاظ والتعابير الأعجمية  دون الحاجة إلى حروف جديدة.
وإنّ ما نحتاجه في وطننا العربي اليوم هو استبدال قاعدة "حرف واحد لصوت واحد" بقاعدة "حرف واحد متعدد الأصوات"، وهو ما أدعو إليه. فحتى إذا اختلف نطقنا لكلمات مثل "جوجل"، "فيكتوريا"، "باناما" ،فإننا نشترك دائما في كتابتها كتابة عربية مشتركة وبحروف عربية، تماماً مثلما يعدّل الإنكليزي والفرنسي أسماءنا العربية لتنسجم مع لغته ويكتبها بأحرف لغته الموروثة. ولسوء الحظ، ينتج عن ذلك أحيانا أخطاء في النطق. وهو ما ينطبق على كل لغات العالم، وليس العربية فحسب.

مولود بن زادي كاتب جزائري بريطانيا