مقالات نقدية\( الجزء ٢ من الدراسة)
رواية: الطلياني للكاتب شكري البختي الفائزة بجائزة البوكر ٢٠١٥
بقلم: الكاتب والمترجم: مولود بن زادي - المملكة المتحدة
الصحيفة المنشورة فيها: يومية جزان نيوز السعودية
إليكم مقالتي النقدية التي تتناول رواية الطلياني الفائزة بجائزة البوكر منشورة في اليومية السعودية "جزان نيوز" أتقدم بخالص الشكر والتقدير للقائمين على هذه الصحيفة الموقرة وأخصّ بالذكر الكاتب القدير محمد المنصور.
في هذا الجزء ستكتشفون:
- أسلوب شكري المبخوت في رواية الطلياني
-أي فئة ستهتم بهذه الرواية
-هل وفق شكري المبخوت فيما فشل فيه رواد الأدب العربي وهو تجنب الأخطاء اللغوية خاصة وأنه كاتب أكاديمي ومترجم وناقد؟
-ما السر في تألق هذه الرواية وتفوقها على 179 رواية مشاركة في مسابقة البوكر؟
بقلم مترجم وكاتب صاحب معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية الأول من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي
المقالة:
ويبدو النص خبريا أقرب إلى التقارير الصحفية التي تطالعنا بها الجرائد والمجلات منه إلى السرد الروائي الفني الذي عادة ما يحرص فيه الأديب على انتقاء الألفاظ والتعابير وإدراج الصور البيانية، وهي جوهر الأدب، بما يسمح بالتعبير عن الأحاسيس والهواجس والمخاوف والأحلام والتطلعات ونقلها إلى القارئ والتأثير في المتلقي. فإنِ اقتطعنا أجزاء من هذه الرواية ومزجناها بالمقالات التقريرية لما تيسّر للقارئ - الذي لم يطّلع بعد على هذه الرواية - تمييزها منها. ولعل أبسط مثال على ذلك ما ذكره الروائي في الصفحة 16: " كان يرى، بمنطق رجل الاقتصاد والخبير المطّلع على الاقتصاد العالمي وتوجهاته، أنّ المسألة ترتبط باختيارات محدّدة للتموقع في الفضاءات الاقتصادية وبالخصوص في علاقة الاقتصاد التونسي بالاقتصادات الأوربية وعلى رأسها فرنسا وألمانيا. ويركز على أن السياسة الاجتماعية في التعامل مع الملف الاقتصادي مجرد شعبوية أدّت إلى أزمة مع الاتحاد العام التونسي سنة 1978 وإلى أحداث الخبز سنة 1984." فكأنّنا نطالع تقريرا صحفيا في أحد الجرائد اليومية.
فيا ترى ما هي الفئة التي يحتمل أن يثير اهتمامها مثل هذا المؤلَّف؟ يردّ على هذا السؤال بعض النقاد فيقول إنّ الرواية موجّهة إلى كل فئات المجتمع، وهذا، في اعتقادي، تصوّر خاطئ لا أساس له. فالأمر يتعلّق برواية سياسية تاريخية أسرف المؤلِّف في ملئها بالأحداث والأحاديث السياسية وانعكس ذلك على الحوارات فبدت مثقلة بالحديث السياسي الإيديولوجي وكثرت فيها المصطلحات السياسية وأسماء الأعلام، وهو عادة ما يستدعي شرحا وتوضيحا ويثير نقاشا واسعا وجدلا حادّا في المعاهد والجامعات. ومثال على ذلك هذا الوصف في الصفحة 54: " كانت تمجد كاوتسكي والحال أن جميع كتابات لينين تسبّه. تتحدّث حديث العارف عن روزا لوكسمبورغ وبانكوك وكارل كورش وجماعة فرانكفورت. ذكرت أسماء كوسترياديس وإدغار موران. قالت كلاما مختلفا عما قرأته وسمعته في شأن ألتوسير وغرامشي."
ومثال آخر في الصفحة 69: "مفاهيم عديدة لبيار بورديو" و"الهابيتوس"و"رأس المال الرمزي".
ويتكرّر ذلك كثيرا في هذا العمل، وهو ما يجعلنا نقول بكل ثقة إنّ الرواية قطعا موجّهة إلى الفئة الأكاديمية المثقفة وليس لعامة الناس. ولو أنّها ستحظى لا محالة بترويج ثقافي هام يشجّع على قراءتها ويثير فضول الجماهير على اختلاف مستوياتهم لمحاولة مطالعتها واكتشاف أسرارها وتلمس جمالياتها والتعرّف على الرواية التي هزمت كلّ الروايات المنافسة الأخرى لتفوز بجائزة في حجم البوكر.
وأخيراً نتساءل إلى أي حدّ وفّق شكري المبخوت فيما فشل فيه كبارُ الروائيين وهو تجنّب الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر، كما أوضحنا بالأدلة والشواهد في مقالاتنا النقدية السابقة، وهي أخطاء وصفتها الشاعرة البحرينية المشاركة في لجنة تحكيم جائزة البوكر " بروين حبيب " بالأخطاء الفادحة في حق اللغة العربية. نحن نعلم أن المبخوت باحث وأكاديمي ومترجم وسيد من سادة النقد الأدبي، وهو ما جعل صحيفة الصباح تقول إنّ روايته مجرّدة من الأخطاء. وإذا بها تخطئ في حكمها، فشكري المبخوت لم يكن معصوما من الأخطاء والهفوات، فقد أحصيتُ منها في الجزء الأول من الرواية ما يلي:
الصفحة 14:
"يربح الوقت حتى يقفل راجعا إلى سويسرا بعد يوم أو يومين": " قفل راجعا إلى المكان" خطأ والصواب أن نقول: " قفل إلى المكان" لأنّ فعل " قفل" يتضمّن الرجوع فلا نحتاج إلى تكراره كما جاء في لسان العرب: (قَفَل يَقْفُل إِذا عاد من سفره؛ " فإذا قَفَل الجيشُ إِلى دار العدوّ نالوا الفُرْصة منهم فأَغاروا عليهم". وقيل: "يحتمل أَن يكون سُئل عن قوم قَفَلوا لخوفهم أَن يَدْهَمَهم من عدوّهم مَن هو أَكثر عدداً منهم فقَفّلوا ليَستَضيفوا لهم عدداً آخر من أَصحابهم، ثم يَكُرُّوا على عدوّهم.")
الصفحة 15: "عبد الناصر لا يريد الحديث في أي شيء": الصواب: يتحدّث عن الشيء وليس فيه. وهذا التركيب بلا شيء من تأثير اللهجات العامية. جاء في تعريف معجم الغني: (تَحَدَّثَ: تَحَدَّثْتُ، أَتَحَدَّثُ، تَحَدَّثْ، مص. تَحَدُّثٌ تَحَدَّثَ الخَطِيبُ: تَكَلَّمَ تَحَدَّثَ عَنْ سَفَرِهِ: أَخْبَرَ بِهِ. "تَحَدَّثُوا عَنِ الأَحْدَاثِ الأَخِيرَةِ")
الصفحة 19: "في التلفاز تدور قناة للصور المتحركة":
الخطأ الأول: لا تدور القناة على الإطلاق وإنما تبث برامجها من حصص وأفلام وغير ذلك.
الخطأ الثاني: لا يقال "صور متحركة" وإنما "رسوم متحركة" وهو تعبير أجنبي ويُترجم إلى مختلف اللغات على ذلك النحو، فنجده مثلا في الفرنسية (dessins animés) وليس (photos animées) والتقنية تعتمد أصلا على الرسوم وليس الصور.
الصفحة 19: أهمل الكاتب استعمال أدوات الربط البلاغية فبدت الجملُ متقطّعة، فيفقد النص بذلك توازنه وجماله وبيانه وتأثيره، والكاتب في غنى عن ذلك، فاللغة العربية ثرية بأدوات الربط التي تضفي على النص تماسكا ووضوحا وجمالا مثل: "لم يكد يفعل كذا حتى حدث كذا" و"ينما كان يفعل كذا وقع كذا"، والفاء و"لذلك"... وحتى اللغات الأجنبية مثل الفرنسية والإنجليزية التي تعتمد عادة على جمل قصيرة فإنّنا لا نرى فيها مثل هذه الجمل الممزقة. ومثال على ذلك هذا النص الممزّق الذي يشبه نشر قائمة أحداث: "أمامه ترمس قهوة. في التلفاز تدور قناة للصور المتحركة. كانت الساعة تشير إلى حوالي العاشرة صباحاً. سأله أسئلة عادية عن أحواله وصحته. شكره على الزهور التي أخذ يتأملها. قال وهو يصب له فنجان القهوة."
الصفحة 27: " كان الوحيد الذي يستطيع أن يدعوَ أصدقائه إلى البيت." هذا خطأ نحوي، والصواب أن نكتب الهمزة على السطر لأن الاسم منصوب وليس مجرورا، فنقول: "يدعو أصدقاءه ".
الصفحة 34: "ما خفي عن الأم أن الأب قد اتفق سرا مع ابنه." لا يقال "خفي عنه الأمر" وإنما يقال "خفي عليه الأمر" كما جاء في تعريف المعجم الوسيط: (خَفِي الشَّيْء خَفَاء وخفية استتر وَيُقَال خَفِي عَلَيْهِ فَهُوَ خَافَ وخفي وَهِي خافية (ج) خفايا وَيُقَال هُوَ خَفِي الْبَطن ضامره).
الصفحة 40: "لا أتبرّم البتة من وضعي.": تبرّم بالشيء وليس منه كما جاء في تعريف لسان العرب: (وقد أَبْرَمَهُ فلان إبْراماً أي أَمَلَّه وأَضْجَره فَبَرِمَ وتَبَرَّم به تَبَرُّما. ويقال: "لا تُبْرِمْني بكَثرة فُضولك.")
الصفحة 41: "وإن كان الكثير مما سمعته لا يروق لي." يقال: "راقه المنظر" وليس "راق له" كما جاء في تعريف الصحاح في اللغة: (راقَني الشيءُ يَروقُني، أي أعجبني.)
الصفحة 46: "ولا تدخل إلى المراحيض في أوقات الاستراحة لتعمّر رأسها. "عمّر رأسه" تعبير مأخوذ من العامية وليس بالعربية الفصحى، وكلمة "عمّر" لها معاني مختلفة أبعد ما يكون عن المعنى الذي يقصده الكاتب وهو "نشوة التدخين". فقد جاء في المنجد في اللغة والأعلام: (عمّر المنزل: جعله آهلا، وعمّر الثوب: أجاد نسجه أو غزله، وعمّره أرضا: جعلها له طول عمره، وعمّر الرجل: عاش زمنا طويلا، وعمّره الله: أبقاه.)
الصفحة 68: "تخدم أجندات مشبوهة": استعمل الكاتب كلمات أجنبية في روايته العربية مثل كلمة " أجندات " نسبة إلى كلمة (Agenda) وهو في غنى عن ذلك لوجود ما يقابل هذه الكلمة في اللغة العربية مثل "برامج، مخططات، مشاريع" واختصاصه في اللغة والترجمة يتيح له معرفة المقابلات والفصيح منها، وكثير من الأمم يمنع استعمال ألفاظ أجنبية إن توفّرت مقابلاتها في اللغة!
الصفحة 69: "سروال الدجينز": "دجينز" خطأ والصواب "جينز" وهي الترجمة المتفق عليها لكلمة (Jeans) والمستعملة حتى في برامج الترجمة الشهيرة مثل برنامج جوجل للترجمة.
وخلاصة القول إنّ رواية الطلياني قد أثبتت من الناحية اللغوية أنّ الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية باتت ظاهرة تلاحق أعمالنا الأدبية لا يفلت من قبضتها لا الكاتب الأكاديمي ولا الأديب غير الأكاديمي، مع ملاحظة هامة وهي أن أخطاء الكاتب الأكاديمي تبدو أقل عددا وفداحة من أخطاء الكاتب غير الأكاديمي.
وإن كنتُ أعيب على الكاتب استعمال ألفاظ عامية وأخرى أعجمية هو في غنى عنها لثراء اللغة العربية وحمايةً لها، فإني أحيّيه لاستعماله لغة عربية سهلة وواضحة ومشوّقة والدخول في الموضوع من غير لف أو دوران.
وبينما إعتقدَ بعضُ النقاد أنّ الأسلوب الكلاسيكي قد ولّى للأبد بعد ظهور الأسلوب الشعري في الرواية، ها هي رواية الطلياني تفوز اليوم بالجائزة العالمية بأسلوبها السردي الكلاسيكي البسيط وهو الأصل والأفضل لكتابة رواية الذاكرة ووصف الواقع.
لرواية الطلياني وزنها الخاص ومقامها المميّز بما تحمله من أفكار مرتبطة بتاريخ تونس والواقع التونسي وهذا بلا شك السر في تألقها وفوزها بالجائزة، فالتاريخ يشهد على أن الكثير من الأدباء العالميين بلغوا العالمية انطلاقاً من خصوصية ارتباط أعمالهم بواقع مجتمعاتهم، ومن هؤلاء أذكر الروائي الفرنسي باتريك موديانو مؤلِّف رواية "الشخص المفقود" الفائز بجائزة نوبل للآداب عام 2014، وهو من وُصف في تقرير لجنة نوبل بـ "أديب الذاكرة". وقبل ذلك مُنحت الجائزة للفرنسي جان ماري غوستاف لو كليزيو سنة 2008 ولماريو بارغاس يوسا الإسباني الجنسية سنة 2010 لأعماله الواقعية التي تناولت هموم بلده الأصلي البيرو وسياسته. فالأدب لا يتمثّل في ملء صفحات الكتاب بالصور البيانية والخواطر والأشعار وما شابه ذلك وإنما هو قبل كلّ شيء تعبير عن أفكار ووصف واقع وتذكر.
----------------------
مولود بن زادي - كاتب جزائري مقيم في بريطانيا
رابط المقالة:
https://m.facebook.com/JazanNews/posts/879692718792240:0