Tuesday 10 March 2015

حوار صحيفة الاتحاد Press مع الكاتب المهجري مولود بن زادي


1_ استاذ مولود ما هي نشاطاتك في الحقل الادبي ؟
في شهر أكتوبر  2014  نشرت رواية بعنوان "رِيَاحُ القَدَر"  وهي رواية عاطفية اجتماعية مقتبسة من قصّة واقعية ضمن أدب المهجر مختلفة من حيث الأسلوب والفكرة عن أدب الزملاء المحليين وبشخصيات حقيقية تحيا بيننا، تفرح حيناً وتتألم أحياناً. وإن كانت الرواية أساسا قصة عاطفية إلا أنها تتناول  مسائل مختلفة مثل موضوع اللغة في الجزائر بحكم أني مترجم ولغوي، وموضوع العنصرية، والعنف على المرأة في مجتمعاتنا. وتتعدّى هذه الرواية حدود الجزائر لتكون أول رواية في تاريخ الأدب العربي تتحدث عن جمهورية بورندي بإفريقيا والحرب الأهلية فيها لأن بعض شخوصها من هناك.  تقع أحداث الرواية في كل من الجزائر وبريطانيا وفرنسا وجمهورية بورندي الإفريقية، وهي جزء من أدب المهجر الذي له سماته ومنها الحنين إلى الوطن والنزعة الإنسانية والتحرر والنزعة التشاؤمية والانفراد بالأسلوب.  يمثل أدوار هذه الرواية فؤاد وهو طالب من الجزائر العاصمة، وأمل وهي فتاة من أب جزائري وأم ألمانية يفرّ بها والدها من أوربا، وجون بول وفرانسواز من جمهورية بورندي وآخرون.

وشرعت الآن في كتابة قصة عاطفية جديدة حواراتية لأول مرة وعلى منوال رواية "يا ابن آدم" للأديب الشامي المهجري الرائع ميخائيل نعيمة وتتناول موضوع الصداقة في هذا العصر.

أنا أهتم أيضا بكتابة المقالة ومنها المقالة النقدية وقبل قليل فقط انتهيت من كتابة مقالة جديدة تتناول موضوع تعثّر الرواية الجزائرية في جائزة البوكر ستنشر بحول الله خلال الساعات القادمة في إحدى الصحف العربية.

2_ معجم الزاد يعد الأول من نوعه حبذا لو تعطينا فكرة عنه .
بالطبع، "معجم الزّاد للمترادفات والمتجانسات العربية" هو الأول من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي. ومن مميّزات هذا المعجم:
. إنّه أحدث عمل ينجز إلى حدّ السّاعة في مجال المترادفات والمتجانسات في اللّغة العربيّة.
. يضمّ عشرات الآلاف من المترادفات والمتجانسات فليس من شكّ في أنه أوسع عمل في هذا المجال في اللغة العربية.
. إضافةً إلى الألفاظ المترادفة والمتجانسة، يضمّ هذا المعجم الكثير من التّعابير المتقاربة المعنى مثل: ما له شاةٌ ولا بعيرٌ، ليس له مبرك جمل، ما له ثاغيةٌ ولا راغيةٌ، ما له شاةٌ ولا ناقةٌ، ما له عالٌ ولا مالٌ (أي ليس له شيءٌ)
. يضمّ هذا المعجم أمثلة تساعد على توضيح معاني المترادفات والمتجانسات العربيّة خلافاً للمعاجم العربيّة السّابقة التي ركّزت في غالبيّتها على ذكر هذه الألفاظ دون أمثلة توضّح طرق استعمالها. ومعلوم أنّه لا معنى للكلمة خارج السّياق. والأمثلة الّتي ذكرتها في هذا المعجم مأخوذةٌ من القٌرآن الكريم والحديث النّبويّ الشّريف ومؤلّفات عربيّة قيّمة مثل ديوان الخنساء ومؤلفات ابن الأثير وبديع الزّمان الهمذاني ومصطفى لطفي المنفلوطي وأحمد شوقي...
. يعتمد هذا المعجم على ترتيب أبجديّ متكامل يمكّن الباحث من إيجاد مرادفات كلّ لفظة من الألفاظ المترادفة بكلّ سهولة بطلبها مباشرةً وفق ترتيبها الأبجدي، على عكس المعاجم القديمة الّتي ركّزت على ذكر المترادفات والمتجانسات ضمن أبواب أو مواضيع أو حسب المعنى ممّا يصعّب البحث عنها.

3_ ككاتب مهجري كيف ترى الواقع الثقافي العربي اليوم ؟
والله أشاهد الكثير من الكتاب يدافع عن الوضع الثقافي والأدبي في البلاد العربية ويرسمه في أجمل صورة، غير أنّي مع كل احترامي لهؤلاء الأدباء، لا أشاطرهم الرأي ولا أعتقد أن المناخ ملائم للإبداع، وكنت بلا ريب أوّل كاتب عربي يقول إن الأدب العربي يمّر بعصر انحطاط رغم تألّق بعض الكتاب وعلى رأسهم أحلام مستغانمي، وإنّي مقتنع كلّ الاقتناع أنّ الأجيال القادمة عند تقييمها لأدب هذا العصر ستتحدّث عن عصر انحطاط لا غير، ومظاهر ذلك كثيرة ولا تخفى على أحد:
-ثمّة عزوف لا يوصف عن القراءة والإحصائيات العالمية تؤكّد ذلك. ففي حين تُشجِّع بريطانيا، التي أعيش فيها، الأطفال على قراءة حوالي 50 كتابا في السنة ويقرأ الأوربي نحو 35 كتابا في السنة، لا يقرأ المواطن العربي أكثر من 6 صفحات في السنة، ولا يكاد يهتمّ إلا بالجرائد والدردشة في البيت والشارع والمواقع الاجتماعية!
- ثمّة تأخّر النشر في أوطاننا، فما ينشر عندنا من كتب يقدّر بحوالي 1 بالمائة مما ينشر في العالم.
-ثمة آفة محاكاة خطيرة في حقل الأدب حتى أنّنا أصبحنا نشاهد مؤلفات تتشابه من حيث الأسلوب، تشعر وأنت تتصفحها أنها لكاتب ما معروف وإذا بها لكُتَّاب آخرين. إذا مزجت نصوص هذه الكتب لن تستطيع أن تميّزها من بعضها!
-نقص المنافسة، فالأدب العربي الحديث يفتقد للمنافسة التي كنا نراها في عهد طه حسين والمازني والعقاد، أو المنافسة الكبيرة بين أمير الشعراء أحمد شوقي في الوطن العربي وهو من حافظ على أوزان الشعر العربي وقافيته وشعراء المهجر من أمثال جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي الذين تحرّروا من تلك القيود. لقد قلتها من قبل وسأكررها: "الأدب مثل الاقتصاد، إن خلا من المنافسة ركد" وتلك هي حال الأدب العربي اليوم...
-كثرة الأدباء والكثير منهم لا يتقن حتى أحكام اللغة التي يكتب بها. وخير مثال الفايسبوك فالكثير من الأصدقاء يلقّب نفسه شاعرا ولم ينشر قصيدة، أو روائيا ولم يؤلف كتابا! والكثير من الأدباء يتسارع من أجل نشر رواية كل سنة يشارك بها في معرض الكتاب وهو لا يدري أنّه يقلّد نفسه ويعيد صياغة ما كتبه وألّفه غيره قبله. صار الأديب يبحث عن الكم ولا يهتم بالجودة!
-هذا إضافة إلى الرداءة التي طغت على الأدب العربي الحديث نتيجة الإسراف في استعمال اللهجات العامية والتعابير الأجنبية مع أنّ اللغة العربية ثرية بألفاظها وتعابيرها. يضاف إلى ذلك كثرة الأخطاء اللغوية في مؤلفاتنا الحديثة. فإن فحصنا المؤلفات الحديثة وجدناها تعجّ بالأخطاء، لأننا بصراحة لم نعد نتقن اللغة التي نكتب بها ولا نبالي حتى بما نرتكبه في حقّها من أخطاء وهذا ما يحث في لغتنا فقط ولا نجده أبدا في اللغات الغربية! وهذا ما أكدته الكاتبة البحرينية بروين حبيب وهي في لجنة تحكيم جائزة البوكر في مقال طالعتنا به صحيفة القدس العربي يوم 22 فبراير الجاري حيث أكدت أن لجنة تحكيم جائزة البوكر تقصي روايات كثيرة مشاركة في المسابقة لأنها مليئة بأخطاء فادحة في حق اللغة العربية وإنها صدمت لفداحة هذه الأخطاء لا يميز فيها الكتاب بين الرفع والنصب والجر ولا أثر للجزم!
4_ما هو سبب انتقادك للكاتبة أحلام مستغانمي مؤخرا ؟
انتقدت أحلام مستغانمي لأني مترجم وكاتب اهتم باللغة ومن المدافعين عن اللغة العربية ولم أكن راضيا على الأخطاء اللغوية والحوارات العامية التي كنت أشاهدها في رواياتها. أحلام مستغانمي هي بلا شك رائدة الأدب العربي في هذا العصر ورواياتها تصل إلي ملايين القراء في الوطن العربي وهي مثال يقتدى به في العالم العربي، فلا نريد أن يتعلّم أطفالنا مثل هذه الأخطاء أو ترثها من بعدنا الأجيال القادمة. كلّ بني آدم خطاء وفي كلّ كتاب أخطاء عدا كتاب الله، ولا عيب في الخطأ وإنّما في عدم الانتباه له أو تجاهله وعدم تصحيحه.
واخترت أحلام مستغانمي بين كلّ الروائيين العرب لأنها في قمة الهرم الأدبي في الوطن العربي. فنحن بطبيعتنا ننظر إلى الأشياء الكبيرة الملفتة للانتباه قبل الأشياء الصغيرة، فإن نظرنا إلى لوحة زيتية تمثّل منظرا طبيعيا فإننا في بادئ الأمر لن ننظر إلى الأشياء الصغيرة الدقيقة فيها وإنّما إلى الأشياء الكبيرة الملفتة للانتباه مثل الحقول الرحبة، والبحار الواسعة، والأشجار الباسقة، والجبال الشامخة. وإن نظرنا إلى الجبال فإننا في العادة نجلّي بأبصارنا إلى قممها المرتفعة وهذه هي طبيعة البشر. فكان من الطبيعي أن أنظر في بادئ الأمر إلى كاتبة في حجم أحلام مستغانمي تعتلي الهرم الأدبي ليس فحسب في الجزائر وإنّما في الوطن العربي، بدلا من كُتَّاب آخرين يحاكونها ويقلّدون أسلوبها وهي الأصل والكل في الكل.
لكنّي لم أقصد الإساءة إلى أحلام بأي حال من الأحوال وخير دليل على ذلك أني كشفت فيما بعد في مقالة نقدية أخرى أخطاء طه حسين بعنوان "من أخطاء أحلام مستغانمي والمحدثين إلى أخطاء عميد الأدب العربي طه حسين" مع أني من عشاق هذا الأديب ومن المتأثرين به. وكشفت في وقت لاحق أخطاء نجيب محفوظ أيضا في مقالتي الأخيرة التي نشرتها اليومية الجزائرية "صدى الشرق". فأنا لا أمقت أحدا وإنّما أمقت الأخطاء وانتهاك أحكام اللغة.

5_ ككاتب مهجري ما هي الصعوبات التي تواجه القلم العربي في بلدان الاغتراب ؟
ليس ثمة رابطة تجمع الأدباء في المهجر مثل الرابطة القلمية في أمريكا الشمالية أيام جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وغيرهما.
والبعد عن الأوطان يحرمنا من المشاركة في الملتقيات الأدبية والتظاهرات الثقافية والمشاركة في البرامج التلفزيونية والإذاعية وهي كلها وسائل هامة تقرب الكاتب من القراء. لكن التطور الذي تشهده وسائل الإعلام واستحواذ منابر التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك على الأنظار يعوّضنا شيئا ما عن ذلك إضافة إلى التجارب الجديدة التي نعيشها في المهجر ومزايا أخرى تنعكس آثارها على ما نكتبه مثل النزعة الإنسانية والحنين على الوطن والتحرر في الأفكار... نحتاج إلى من يقرّبنا من أوطاننا لأن لنا زاد وافر نستطيع أن نقدّمه لشعوبنا وأوطاننا، وما نكتبه يختلف عما يكتبه زملاؤنا في البلاد العربية لأننا عشنا تجارب مختلفة في محيطين مختلفين كل الاختلاف. فإن وجدنا المساعدة ساهمنا في إثراء المشهد الأدبي في أوطاننا بشيء مختلف مكمل لما يقدمه الزملاء المحليون، ولا شيء أجمل من التنوع.

6_ برأيك هل انصرف القراء عن الكتاب المطبوع في ظل الثورة الرقمية ؟
بكلّ تأكيد. هذا ما نشاهده الآن وسيزداد ذلك مع مرّ الزمن وما في ذلك شكّ. صرنا نطالع الصحف والمجلات والكتب على لوح الأيباد والسامسونغ وغيرهما. وأصبح بإمكاننا نقل مكتبة كبيرة في لوح إلكتروني صغير. وحلت الرسائل الإلكترونية محل الرسائل الورقية. والكتاب الإلكتروني يعرف انتشارا كبيرا في أوربا. في تصوري ستكون الغلبة في المستقبل لما هو رقمي وهو شيء حتمي لا مفرّ منه.
ما أخشاه الآن هو انشغال الناس عن القراءة كلية في ضل الثورة الرقمية. فكما نعلم منابر التواصل الاجتماعي وعلى رأسها ما الفايسبوك  ما انفكت تختلف أنظار الجماهير وتصرفهم عن شاشات التلفزيون والصحف الورقية، ومن شأنها أن تشغلهم عن القراءة كلية، فكما نعلم ينفق جل الشباب اليوم وقته في الدردشة وتبادل المنشورات من صور وفيديو وغير ذلك مع الأصدقاء في مجتمع معروف منذ القديم بعزوفه عن القراءة. فنحن الآن أمام كارثة فيما يخص قراءة الكتاب وأنا لست متفائلا على الإطلاق بشأن قراءة الكتاب في الوطن العربي.

7_ هناك العديد من الدراسات والإحصائيات التي تؤكد تدني مستوى القراءة ما هو السبب برايك ؟
إنها مسألة ثقافية، فمجتمعاتنا العربية مجتمعات لا تقرأ على عكس الأمم الغربية.
فكل التقارير الدولية تؤكد عزوف المواطن العربي عن القراءة مثلما ذكرت لك في سؤال سابق. المواطن العربي كما أراه ماهر في الحديث عن الرياضة والموسيقى، ممتاز في تتبع الفايسبوك والدردشة، خبير في شؤون السياسة والقيل والقال، لكن أبعد ما يكون عن الكتاب والقراءة.
إنها ثقافة مجتمع برمته. ثقافة يتوارثها الأبناء عن الآباء في مجتمع لا ينشر فيه من الكتب إلا قليل، وما يُخصّص للثقافة والأدب في الصحف والإذاعة والتلفزيون ضئيل. وليس من شك في أن ظهور منابر التواصل الاجتماعي قد زاد الطين بلة وزاد المجتمع سوء وعلّة، فقد صار الأطفال ينفقون جل أوقاتهم في نشر الصور والتعليقات والدردشة.


8_ كيف يتواصل كتاب المهجر مع اتحاد الكتاب العرب ؟
اتحاد الكتاب في الوطن العربي يبدو غائبا وضعيفا للأسف، وثمة خلافات وصراعات بين الكتاب تمنعه من البروز والنشاط. فمن الصعب جمعهم في هيئة واحدة. لابد أن تسترد مجتمعاتنا ثقافة نبذ الاحتكار وتقبل الآخرين واحترام كل الآراء والتوجهات.. ولابد أن يتحلى الأدباء العرب بمبادئ التواضع والانفتاح على الآخرين واحترام آراء الغير وأن يقبلوا التعاون مع غيرهم.. من غير ذلك لا يمكننا ابدا التعاون ضمن هيئة أدبية.
9_ ماذا تقول للقارئ العربي ؟
صحيح أني بعيد عن الأوطان الطيبة غير أني أطير  إليها دوما بأجنحة خيالي وروحي، ولقد عبّرت عن ذلك في مقدمة روايتي الجديدة "رِيَاحُ القَدَر"  مناجيا وطني كما فعل أدباء المهجر من بلاد الشام في القرن الماضي :
"ومَا غِيَابِي عَنْكِ إلاَّ بِالجَسَدِ *** فَبِرُوحِي وفِكْرِي مَعَكِ للأبَدِ."
أودّ الاقتراب أكثر من الجمهور االعربي. أدعوكم جميعا لزيارة صفحتي بالفايسبوك والاطلاع على ما ألفته بالعربية والإنجليزية والتواصل معي. وأدعو وسائل الإعلام لمساعدتي على الاقتراب من القراء في الوطن العربي وتقديم أعمالي الروائية والأكاديمية وأعدكم أنّي سأساهم في المشهد الأدبي العربي بأدب مختلف ثريّ يحمل سمات البيئة الشرقية التي نشأت فيها والبيئة الغربية التي أحيا فيها اليوم والحنين الجارف إلى الأوطان سمة من سماته. وإن شاء الله سنحسن تمثيل أوطاننا خارج الديار ونشرّفها ونشرّفكم جميعا. وإني من المتأثرين بأدباء المهجر من بلادكم بلاد الشام.. أعيش ما عاشه هؤلاء في المهجر واكتب بأسلوب شبيه بأسلوبهم كما أكد ذلك النقاد والأدباء والقراء.. بل وأصبحت أشاهد الدنيا كما كانوا يشاهدونها وأؤمن بما كانوا يؤمنون لاسيما المحبة والإنسانية.
وأشكر جزيل الشكر الكاتب الرائع أحمد خوجة وصحيفتكم الموقرة التي أتاحت لي فرصة هذا الحوار وفرصة الوصول إلى القراء الكرام في الشرق الأوسط.
الصفحة الرسمية للكاتب مولود بن زادي بالفايسبوك:
https://www.facebook.com/MouloudBenzadi?ref=hl

من أقوال الكاتب المهجري مولود بن زادي:
"وصيتي لبني آدم قبل رحيلي: لن تزول خلافاتكم بالعنف ولا حتى بالديبلوماسية، وإنما بإيمانكم جميعاً بالمحبة والإنسانية. "

" إن راقك شيء من الأشياء،
فلا تفرط في المدح والثناء،
فالورد يموت من كثرة الماء. "

No comments:

Post a Comment