Sunday, 8 March 2015

رواية عبرات وعبر للكاتب المهجري مولود بن زادي 
فصل من الرواية 

إلى روح والدتي

... 


"في يوم من أيام مطلع شهر أفريل، نزل على خديجة ضيفٌ عزيز في زيارة مفاجئة. كان ذلك والدها موسى الذي كلّف نفسه مشقّة قطع مسافة شاسعة من سطيف إلى الجزائر في سبيل رؤية ابنته الصغيرة والاطّلاع على أحوالها بعد أن طال غيابها. 

أجهشت خديجة بالبكاء فانهمرت العبرات بغزارة من عينيها وهي ترى والدها بعد فراق طويل، وكأنّ صورته بعثت الحياة في نفسها المنهارة التي عبث بها الزمان وهدّتها الأحداث التي ألمّت بها منذ حلولها في هذه المدينة النائية وهذه الأسرة القاسية. 

أمّا موسى فقد أصابه الذهول وهو يرى ابنته في هذه الحال. فوقف مذهولا، مشلولا، لا يصدّق ما تشاهده عيناه، متسائلا في أعماق نفسه المتأثّرة أهذه المرأة هي حقّا ابنته التي نشأت في كنفه.

دنت خديجة من والدها وارتمت في حضنه وأسبلت عبرتها فوجدت في صدره حنانا ودفئا طالما افتقدتهما وسط هذا المحيط الذي استقبلها بجفائه وغدره ولم تذق فيه غير طعم الشقاء والعذاب.

سألها والدها وقد لاح في وجهه الهلع والحيرة:
- ما بك يا ابنتي؟! ما بك؟!...
أطرقت خديجة رأسها ولم تنبس، وما لبثت أن أجهشت بالبكاء فبكت بكاء مريراً، واستخرطت في العويل كثيراً.
لم يعد الشيخ موسى يرجو منها جواباً بعد أن رآها في هذه الحال، فاحتدم صدرُه غيظاً، فاندفع نحو الغرفة المجاورة وهو يرتجف من شدّة الاستياء والغضب وراح يقرع الباب بشدّة وهو يصيح بأعلى صوته كمن فقد صوابه:
- أين أنتم أيّها المكرة؟! ماذا فعلتم لابنتي يا خونة؟!...
ففتح حكيم باب الغرفة وقال للشيخ موسى:
- خير يا عمّي موسى؟! ماذا جرى ؟
فأزلقه الشيخ موسى ببصره وصاح وهو يكاد يخرج من إهابه من شدّة الغيظ:
- أيّ خير هذا؟! ماذا فعلتم لابنتي؟! ماذا جرى لها في غيابي؟! 
فردّ حكيم: 
- هوِّنْ عليك يا عمّي فنحن لم نفعل شيئا! 
فصاح الشيخ موسى وهو يشير بيده باتّجاه غرفة خديجة:
- هذا ليس شكل ابنتي يا خونة!...
فقاطعه حكيم بنبرة غاضبة:
- اتّقي الله يا شيخ! ماذا نكون قد فعلنا لابنتك؟! نحن لم ننهشها! نحن فتحنا لها بيتنا وأطعمناها ووقفنا بجانبها، وفي مقابل ذلك خاصمتنا وانعزلت عنّا بغير سبب! فهل الذنبُ ذنبَـنا؟!
فقال الشيخ موسى بصوت واجف:
- كلاّ، كلاّ، الذنب ذنبي! فأنا الذي رضيت بتقديم ابنتي لكم!...
فقال حكيم:
- أنا لم أطلب منك شيئا وأنت لم تقدّم لي شيئا! فلِمَ جئت تحاسبني أنا؟!
فردّ الشيخ موسى وأمرات الغيظ والسآمة تلوح في وجهه:
- من حقّك أن تقول ذلك ولن ألومك على ذلك مطلقا! أنا حسابي مع إبراهيم! أين هو إبراهيم؟! أين هو هذا الجبان؟!
فردّ حكيم:
- هو مرمي بالمستشفى! لِمَ لا تأتيه وتسوّي حسابك معه واتركنا وشأننا؟!
فقـال الشيخ موسى:
- إذا أراد أن يرمي نفسه إلى الأذى فهو حرّ، لكنّني لن أدعه يرمي ابنتي إلى التهلكة وأنا حيّ أُرزَق! وكّلت الله عليكم جميعا! وكّلت الله عليكم جميعا يا مكرة!...

ورجع إلى خديجة وقال لها:
- اجمعي أغراضك يا ابنتي! سترحلين معي الآن! لم يعد لك بقاء في هذا المكان الرّهيب! لن أتركك وسط هؤلاء الوحوش تنهش لحمك!... "

No comments:

Post a Comment