Saturday, 28 March 2015
عندما يعبث النقاد، بلغةِ الأجداد أخطاء سعاد العنزي وخليل حشلاف في حق اللغة العربية
"عَبَثُ النُّقَّادِ، بِلُغَةِ الأجْدَادِ"
أخْطَاءُ الكَاتِبِ خَلِيل حَشلاف، والنّاقِدَةِ سُعَاد عَبْد الله العَنْزي
في كِتَابِها "صُوَر العُنْفِ السِّياسِي في الرِّوَايَةِ الجَزائِريَةِ المُعَاصِرَةِ"
نشرت آنفا عددا من المقالات النقدية تناولت أعمالا روائية رائدة كشفتُ فيها جملة من الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية التي وقع فيها الواقعون من كبار الأدباء، لا حطّاً من قيمتها، ولا إساءةً إلى أصحابها، وإنما لننتبه جميعاً لأخطائها، ونسعى معا لتصحيحها، ونحرص على عدم الوقوع في مثلها، وحتى لا يتعلّمها أطفالنا منّا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا.
وما لبث أن انهال عليّ الأدباء والنقاد لوماً وذمّاً. قال قائل منهم لا يخضع ما أكتبه لمناهج النقد المعروفة، وقال آخر هذا شيء من الضبط اللّغوي لا صلة له بالنقد. والغريب في الأمر أنّهم هاجموني وانتقدوا منهجي في مقالات تعجّ بالأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية والإملائية التي إن ارتكب مثلها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا، وأذكر هنا على سبيل المثال تهجّم الناقد خليل حشلاف على النقد اللغوي في مقال بعنوان "الأخطاء النحوية والإبداع"، إذ ذكر في مقاله مما ذكره عبارة: 'عشرات من الأخطاء'، وذلك خطأ والصواب أن يقول 'عشرات الأخطاء'، فهذا التعبير خير شاهد على عدم إتقانه أحكام اللسان العربي الذي توخّى الكتابة به، وقواعد المضاف والمضاف إليه. وهذا دليل على أنّه في واقع الأمر يفكر بلغة أجنبية ثم يكتب بالعربية، وهذا أفظع خطأ يقع فيه الكاتب، فاللّغة الفرنسية على سبيل المثال تحتاج في مثل هذا السياق إلى حرف الجر (de) (من) فنقول: Des dizaines de fautes والعربية بفضل المضاف والمضاف إليه في غنى عن ذلك.
ويرمي الناقد خليل حشلاف اللّغويين من أمثالي بالفشل فيقول 'إنّهم كتاب فاشلين جماليا' وهو لا يدري أنّه، بذلك التعبير، فاشل لغويا ونحويا، يجهل أبسط قواعد اللغة العربية التي تقول 'إنّ وأخواتها' ترفع الخبر ولا تنصبه، فيقع في خطأ إلزام الجمع المذكر السالم الياء بدلاً من الواو! فالصواب هو أن يقول: 'إنّهم كتّاب فاشلون جماليا'.
يبدو أنه قد غاب عن هؤلاء النقاد بأنَّ 'المنهج الأدبي قد ولد من رحم المنهج اللغوي الذي يعدُّ الركيزة الرئيسة التي استند إليها النقاد العرب في بلورة آرائهم النقدية.'(1) وغاب عنهم أنّ جلّ الباحثين الأوائل الذين درسوا الشعر العربي كانوا في واقع الأمر علماء لغة قبل أن يكونوا نقاداً أو أدباء!
وحتى النقد المعاصر كان في بداية نشأته في القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين يتميز بغلبة الطابع اللغوي عليه. وقد تجلّى ذلك في أعمال ثلاثة من كبار كتاب هذه الحقبة وهم: أحمد فارس الشدياق وإبراهيم اليازجي وحسين المرصفي، فقد عني الشدياق بنقد المعاجم وألّف في ذلك كتابه (الجاسوس على القاموس)، وعني اليازجي بنقد لغة الجرائد وألف في ذلك كتابه (لغة الجرائد) الذي أحصى فيه أخطاء لغوية مختلفة وكشف عن الوجه الصحيح لها. وعني حسين المرصفي في كتابه (الوسيلة الأدبية) بدعوة الأديب للعناية باللغة وقواعدها وضبط مفرداتها.
ولستُ أدري لماذا يخلط هؤلاء النقاد المحدثون بين الضبط اللغوي والنقد، والفرق بينهما شاسع بيّن. فالتصحيح يكون عادة قبل نشر الأعمال الأدبية، يقوم به الكاتب نفسه وهو طبعاً الناقد الأول لأعماله وقد يقوم بذلك مصحّح رفقته أو بدلاً منه. أما بعد النشر فكل دراسة لتلك الأعمال تُعدّ نقداً بما في ذلك كشف الأخطاء النحوية والشوائب اللغوية وما أكثرها في مؤلفات هذا العصر.
وإني أوضح لهؤلاء أنه يحق للناقد أن ينقد أي عمل من الأعمال المنشورة من روايات وأشعار ومعاجم ومقالات صحفية، ويحق له نقد كلّ ما أعدّ في النقد من دراسات ومقالات.
وقد أكون اليوم أوّل باحث لغوي يقوم بنقد دراسة نقدية أو بعبارة أخرى يقوم بنقد النقد، من خلال نقد لغويّ يتناول كتابا بعنوان "صور العنف السياسي في الرواية الجزائرية المعاصرة" وهو دراسة مقارنة للباحثة الكويتية سعاد عبد الله العنزي، (الكويت: دار الفراشة، 2010) وهو في أصله رسالة ماجستير.
ما أثار انتباهي وأنا أطالع كتاب سعاد العنزي هو كثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية، إذ لا تكاد تخلو منها صفحة من الصفحات.
وتبدأ هذه الأخطاء اللغوية في مقدمة الكتاب، ولكثرتها اكتفيت بجملة قليلة من الصفحات من 13 إلى 35، ولو تناولتُ الكتابَ من أوّله إلى آخره وأحصيت ُكلَّ ما فيه من أخطاء لألَّفْتُ في ذلك كتابا يعادل كتاب سعاد العنزي حجما أو يزيد عليه. فمن جملة هذه الأخطاء أذكر:
صفحة 13
"واستبعدت المكتوبة باللغة الفرنسية. وذلك لسببين: الأول شخصي يتمثل في عدم قدرتي لفهم تلك النصوص في لغتها الأم"
قادر على وليس قادر ل، 'فالقادر اسم فاعل من قَدَرَ يَقْدِرُ، والقَدِير فعيل منه، وهو للمبالغة'(2) وخير ما نستدلّ به آية من الذكر الحكيم: "قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير"ٌ (البقرة\259)
صفحة 14
الخطأ الأول: "الفصل الثالث: «تجليات الحياة العنيفة»، ويشتغل في الأثر المعنوي والمادي للعنف": اشتغل في هذا السياق خطأ لغوي وهو استعمال الكلمة في غير محلها، إذ أنّ 'اشْتَغَلَ بكذا: عَمِل وتَلَهَّى به عن غيره. واشْتَغَلَ الدواء في جسمه: سَرَى ونجع'(3) وهذا مختلف عن المعنى الذي تريده الناقدة التي تبدو في هذا التعبير متأثّرة باللّهجات العامية التي في بعض الأحيان تستخدم هذا الفعل استخداما خاطئا في غير محله.
الخطأ الثاني: "الحصول إلى إجابة هذا السؤال": لا يقال الحصول إلى الشيء وإنما الحصول عليه: 'حَصَل حَصَلْتُ، أَحْصُلُ، اُحْصُلْ، مص. حُصُولٌ، مَحْصُولٌ حَصَلَ عَلَى الجَائِزَةِ الأُولَى: نَالَهَا حَصَلَ عَلَى شهَادَةِ البَكَالُورْيا: أَحْرَزَ عَلَيْهَا'(4)
صفحة 13 و14:
تنتقل بنا الكاتبة فجأة من ضمير المتحدث "أنا"(فمن بين الروايات لم يكن متوفرا لدي...) إلى ضمير الغائب (فحاولت الباحثة أن تقترب من ثلاث علامات...) فقد يلتبس الأمر على القراء والناقدة في غنى عن ذلك، إذ يمكنها التعبير بضمير المتكلم" أنا" أو إعادة صياغة ذلك الكلام باستعمال ضمير الغائب، فيبدو الكلام عندئذ منسجما، متناسقا، لا يثير الالتباس وسوء الفهم.
صفحة 19:
"ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل يشتمل على العنف اللغوي والنفسي... "
الخطأ الأول: خطأ صرفي وهو خطأ في استعمال القاعدة الصرفية بالوجه المراد، وفي هذا السياق تذكير ما حقّه التأنيث. فكلمة "أعمال" جمع تكسير يشار إليه بالمفرد المؤنّث، فالصواب إذا هو أن تقول: "تشتمل على العنف اللغوي والنفسي" وليس "يشتمل..."
الخطأ الثاني: خلط الأزمنة والانتقال غير المسوّغ من الماضي إلى المضارع في جملة واحدة معطوف آخر فعلها مع أوّله، والصواب أن تقول: "ولم تقتصر أعمال العنف على القتل وحده، بل شملت العنف اللغوي والنفسي..." على منوال: "ولم تقتصر هذه المصيبة على السيدة زينب عليها السلام بل شملت أخواتها الطاهرات من آل رسول الله..." (5)
صفحة 20:
"صور العنف التي تطرقت لها الرواية"
لا يقال تطرّق له وإنما تطرّق إليه: "تطرق إِلَيْهِ ابْتغى إِلَيْهِ طَرِيقا وتوسل وَيُقَال تطرق إِلَى ذهنه كَذَا وتطرق إِلَى الْمَوْضُوع وَمَا أشبه ذلك" (6)
صفحة 20:
"وجد نفسه بين ثلاث اتجاهات": "ثلاث اتجاهات" خطأ والصواب "ثلاثة اتجاهات" لأنّ العدد المفرد من ثلاثة إلى عشرة يؤنّثُ مع المعدود المذكر، ويذكّرُ مع المعدود المؤنث ومثال على ذلك: ثلاثة أقلام، ثلاث صفحات. والحكم على العدد بالتأنيث أو التذكير لا يكون بمراعاة لفظ المعدود إذا كان هذا المعدود جمعاً وإنما يكون بالرجوع إلى المفرد، فنقول "ثلاثة قطارات" بتأنيث العدد "ثلاثة" مع أن المعدود "قطارات" مؤنث وذلك لأن مفرد المعدود وهو "قطار" وهو اسم مذكر. وخير مثال آية بينة من الذكر الحكيم: "خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ" (هود\7)، وأيضا قوله عزّ وجلّ: "وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ"(يوسف\43)
صفحة 22:
"كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهم أصحاب الطاغوت" ثمة خلط بين المفرد والجمع، فكلمة "كلّ" تدلّ على الشمول وحكمها الإفراد والتذكير كما جاء في الذكر الحكيم "كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ" (الرحمن/26)، وعليه فالصواب أن نتقيّد بذلك في بقية الجملة فنقول: "كل من يخالف آراء الحزب الإسلامي هو كافر وهو من أصحاب الطاغوت"
صفحة 25:
"تسبب هذا الأمر بردة فعل لدى الشارع الجزائري" تسبّب ب خطأ لغويّ وهو إحلال الكلمة في غير محلّها لغةً، والصواب تَسَبَّبَ في، مص. تَسَبُّبٌ. تَسَبَّبَ الوَلَدُ فِي كُلِّ مَا حَدَثَ: كَانَ سَبَباً فِي ذَلِكَ'(7) أما تسبّب ب فلها معنى مختلف اختلافا شاسعاً عن المعنى الذي تقصده الناقدة وهو تَسَبَّبَ بِهِ إِلَيْهِ: تَوَسَّلَ(7)
صفحة 30:
الخطأ الأول: "وما يقابله من غنى وثراء": هذا نوع من الحشو ويسمى في علم البلاغة التطويل، كاستعمال مترادفات لها نفس المعنى أو معنى متقارب لغير موجب يوجبه المقام نثراً أو نظماً، ومثال على ذلك النعاس والنوم، والبعد والنوى، والحظّ والنصيب، وحذف إحدى الكلمتين لن يؤثر في المعنى.
الخطأ الثاني: "هذا الفقر والعوز الذي يعيشه المجتمع": هذا خطأ صرفي لأنّ الفقر والعوز مثنى، فلا بدّ أن نحوّل العبارة إلى صيغة المثنّى، فالصواب أن نقول: هذا الفقر والعوز اللّذان يعيشُهُما المجتمع.
ملاحظة: ما علمتُ العرب قالوا "عشتُ الفقرَ أو البؤسَ، لكنهم قالوا: "عرفتُ الفقر..." وجربته وابتُليتُ به وهلم جرا.
صفحة 31:
"المتأمل في المجتمع الجزائري يجده خليط من العرب...": خليط خطأ نحوي والصواب خليطاً، ففعل "وجد" فعل متعدٍّ ينصب مفعولين أصلهما مبتدأ وخبر ويفيد اليقين، ومثال على ذلك قوله تعالى: " وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا (النساء/64).
صفحة 34:
الخطأ الأول: "وجد في العنف المتنفس الوحيد الذي ينتقم فيها من مجتمع عاقبه" لا نقول فيها وإنما فيه لأنّه يعود على العنف المتنفّس الوحيد وهو بطبيعة الحال مذكر.
الخطأ الثاني: "فريد زيتوني، الذي تعرض للعنف قبل زمن الإرهاب من قبل موح الكحل رئيس المفرزة، إذا اتهم بسرقة": إذا في هذا السياق في غير محلها، والصواب ربما هو أن نقول: إذ أنّه اتهم بسرقة.
صفحة 35:
"فما أن أتت الفرصة المواتية، سعى جاهدا ليرد ثأره." استعملت الناقدة تركيب 'ما أن' بمعنى المفاجأة، فالمعنى الذي تريده من غير شكّ هو "أتت الفرصة المواتية، فإذا به يسعى جاهدا ليرد ثأره." غير أنها أساءت استعمال التركيب ولم تستعمل فيه حرف الجر 'حتى' فنحن هنا نحتاج إلى تركيب (ما إن... حتى) على منوال البيت الشعري التالي:
ما إن رأى روحي تحنُّ لقربهِ ***حتى تعجل بالبعادِ فراقها (8)
فالصواب أن نقول: " فما إن أتت الفرصة المواتية حتى سعى جاهدا ليرد ثأره."
وخلاصة القول إنّه يحزنني أن أرى نقادا من أمثال سعاد العنزي والناقد خليل حشلاف ينشرون دراسات ومقالات نقدية على أنقاض لغة في مقام اللغة العربية، وقد لا ينتبه لذلك المصححون والمشرفون على رسائل الماجستير والدكتوراه، فتسلك طريقها من غير رقابة إلى أعلى قمم النجاح والمجد، وتدرّس في المعاهد والجامعات، وتقع بين أيادي الشباب، وفيها ما فيها من أخطاء وشوائب.
إنّا لنفحص المؤلفات النقدية الغربية فلا نرى فيها للأخطاء أثرا، ونفحص مؤلفاتنا فنرى فيها خطأ خطيراً وضرراً. ومع ذلك تتعالى عندنا الأصوات لتقلّل من شأن هذه الأخطاء، ولتقلّل من شأن النقد اللغوي الذي أقوم به محاربةً آفة الأخطاء في مؤلفاتنا، وحمايةً لغتنا. والنقد في أصله نقد لغوي، تقول عنه الباحثة فريدة بوﻟﻜﻌﻴﺒﺎﺕ: 'هو أكثر أنواع النقد التي لفتت انتباهي، لما كان فيه من حرص النقاد على المحافظة على اللغة العربية لغة القرآن لصيانتها من كل لحن فساد، يتسرب إليها نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من العناصر الأعجمية.' (9)
فقد كان النقد اللغوي الأصل والمحرك وكان له بالغ الأثر في الأدب العربي، فلا يمكن بحالٍ من الأحوال حصر النقد فيما نراه اليوم من مناهج والاستهانة بالنقد اللغوي وهو الأصل والمنبع في عصر يتميّز بتفشّي العامية وتأثيرات اللغات الأجنبية وكثرة الأخطاء اللغوية والنحوية والعجز عن إتقان اللغة العربية.
بقلم الكاتب والمترجم مولود بن زادي - بريطانيا
رابط المقالة:
http://arabiclanguageic.org/view_page.php?id=6288
___________________________
(1). أثر المنهج اللغوي في النقد العربي القديم
(2). لسان العرب
(3). معجم الوسيط
(4). معجم الغني
(5). زينب الكبرى عليها السلام من المهد إلى اللحد بقلم السيد محمد كاظم القزويني
(6). معجم الوسيط
(7). معجم الغني
(8). الشاعر محمد بن سليمان بن علي بن عبد الله التلمساني، شمس الدين
(9). النقد اللغوي في القرن الرابع - فريدة بولكعيبات)
Tuesday, 10 March 2015
حوار صحيفة الاتحاد Press مع الكاتب المهجري مولود بن زادي
1_ استاذ مولود ما هي نشاطاتك في الحقل الادبي ؟
في شهر أكتوبر 2014 نشرت رواية بعنوان "رِيَاحُ القَدَر" وهي رواية عاطفية اجتماعية مقتبسة من قصّة واقعية ضمن أدب المهجر مختلفة من حيث الأسلوب والفكرة عن أدب الزملاء المحليين وبشخصيات حقيقية تحيا بيننا، تفرح حيناً وتتألم أحياناً. وإن كانت الرواية أساسا قصة عاطفية إلا أنها تتناول مسائل مختلفة مثل موضوع اللغة في الجزائر بحكم أني مترجم ولغوي، وموضوع العنصرية، والعنف على المرأة في مجتمعاتنا. وتتعدّى هذه الرواية حدود الجزائر لتكون أول رواية في تاريخ الأدب العربي تتحدث عن جمهورية بورندي بإفريقيا والحرب الأهلية فيها لأن بعض شخوصها من هناك. تقع أحداث الرواية في كل من الجزائر وبريطانيا وفرنسا وجمهورية بورندي الإفريقية، وهي جزء من أدب المهجر الذي له سماته ومنها الحنين إلى الوطن والنزعة الإنسانية والتحرر والنزعة التشاؤمية والانفراد بالأسلوب. يمثل أدوار هذه الرواية فؤاد وهو طالب من الجزائر العاصمة، وأمل وهي فتاة من أب جزائري وأم ألمانية يفرّ بها والدها من أوربا، وجون بول وفرانسواز من جمهورية بورندي وآخرون.
وشرعت الآن في كتابة قصة عاطفية جديدة حواراتية لأول مرة وعلى منوال رواية "يا ابن آدم" للأديب الشامي المهجري الرائع ميخائيل نعيمة وتتناول موضوع الصداقة في هذا العصر.
أنا أهتم أيضا بكتابة المقالة ومنها المقالة النقدية وقبل قليل فقط انتهيت من كتابة مقالة جديدة تتناول موضوع تعثّر الرواية الجزائرية في جائزة البوكر ستنشر بحول الله خلال الساعات القادمة في إحدى الصحف العربية.
2_ معجم الزاد يعد الأول من نوعه حبذا لو تعطينا فكرة عنه .
بالطبع، "معجم الزّاد للمترادفات والمتجانسات العربية" هو الأول من نوعه في الجزائر وبلاد المغرب العربي. ومن مميّزات هذا المعجم:
. إنّه أحدث عمل ينجز إلى حدّ السّاعة في مجال المترادفات والمتجانسات في اللّغة العربيّة.
. يضمّ عشرات الآلاف من المترادفات والمتجانسات فليس من شكّ في أنه أوسع عمل في هذا المجال في اللغة العربية.
. إضافةً إلى الألفاظ المترادفة والمتجانسة، يضمّ هذا المعجم الكثير من التّعابير المتقاربة المعنى مثل: ما له شاةٌ ولا بعيرٌ، ليس له مبرك جمل، ما له ثاغيةٌ ولا راغيةٌ، ما له شاةٌ ولا ناقةٌ، ما له عالٌ ولا مالٌ (أي ليس له شيءٌ)
. يضمّ هذا المعجم أمثلة تساعد على توضيح معاني المترادفات والمتجانسات العربيّة خلافاً للمعاجم العربيّة السّابقة التي ركّزت في غالبيّتها على ذكر هذه الألفاظ دون أمثلة توضّح طرق استعمالها. ومعلوم أنّه لا معنى للكلمة خارج السّياق. والأمثلة الّتي ذكرتها في هذا المعجم مأخوذةٌ من القٌرآن الكريم والحديث النّبويّ الشّريف ومؤلّفات عربيّة قيّمة مثل ديوان الخنساء ومؤلفات ابن الأثير وبديع الزّمان الهمذاني ومصطفى لطفي المنفلوطي وأحمد شوقي...
. يعتمد هذا المعجم على ترتيب أبجديّ متكامل يمكّن الباحث من إيجاد مرادفات كلّ لفظة من الألفاظ المترادفة بكلّ سهولة بطلبها مباشرةً وفق ترتيبها الأبجدي، على عكس المعاجم القديمة الّتي ركّزت على ذكر المترادفات والمتجانسات ضمن أبواب أو مواضيع أو حسب المعنى ممّا يصعّب البحث عنها.
3_ ككاتب مهجري كيف ترى الواقع الثقافي العربي اليوم ؟
والله أشاهد الكثير من الكتاب يدافع عن الوضع الثقافي والأدبي في البلاد العربية ويرسمه في أجمل صورة، غير أنّي مع كل احترامي لهؤلاء الأدباء، لا أشاطرهم الرأي ولا أعتقد أن المناخ ملائم للإبداع، وكنت بلا ريب أوّل كاتب عربي يقول إن الأدب العربي يمّر بعصر انحطاط رغم تألّق بعض الكتاب وعلى رأسهم أحلام مستغانمي، وإنّي مقتنع كلّ الاقتناع أنّ الأجيال القادمة عند تقييمها لأدب هذا العصر ستتحدّث عن عصر انحطاط لا غير، ومظاهر ذلك كثيرة ولا تخفى على أحد:
-ثمّة عزوف لا يوصف عن القراءة والإحصائيات العالمية تؤكّد ذلك. ففي حين تُشجِّع بريطانيا، التي أعيش فيها، الأطفال على قراءة حوالي 50 كتابا في السنة ويقرأ الأوربي نحو 35 كتابا في السنة، لا يقرأ المواطن العربي أكثر من 6 صفحات في السنة، ولا يكاد يهتمّ إلا بالجرائد والدردشة في البيت والشارع والمواقع الاجتماعية!
- ثمّة تأخّر النشر في أوطاننا، فما ينشر عندنا من كتب يقدّر بحوالي 1 بالمائة مما ينشر في العالم.
-ثمة آفة محاكاة خطيرة في حقل الأدب حتى أنّنا أصبحنا نشاهد مؤلفات تتشابه من حيث الأسلوب، تشعر وأنت تتصفحها أنها لكاتب ما معروف وإذا بها لكُتَّاب آخرين. إذا مزجت نصوص هذه الكتب لن تستطيع أن تميّزها من بعضها!
-نقص المنافسة، فالأدب العربي الحديث يفتقد للمنافسة التي كنا نراها في عهد طه حسين والمازني والعقاد، أو المنافسة الكبيرة بين أمير الشعراء أحمد شوقي في الوطن العربي وهو من حافظ على أوزان الشعر العربي وقافيته وشعراء المهجر من أمثال جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي الذين تحرّروا من تلك القيود. لقد قلتها من قبل وسأكررها: "الأدب مثل الاقتصاد، إن خلا من المنافسة ركد" وتلك هي حال الأدب العربي اليوم...
-كثرة الأدباء والكثير منهم لا يتقن حتى أحكام اللغة التي يكتب بها. وخير مثال الفايسبوك فالكثير من الأصدقاء يلقّب نفسه شاعرا ولم ينشر قصيدة، أو روائيا ولم يؤلف كتابا! والكثير من الأدباء يتسارع من أجل نشر رواية كل سنة يشارك بها في معرض الكتاب وهو لا يدري أنّه يقلّد نفسه ويعيد صياغة ما كتبه وألّفه غيره قبله. صار الأديب يبحث عن الكم ولا يهتم بالجودة!
-هذا إضافة إلى الرداءة التي طغت على الأدب العربي الحديث نتيجة الإسراف في استعمال اللهجات العامية والتعابير الأجنبية مع أنّ اللغة العربية ثرية بألفاظها وتعابيرها. يضاف إلى ذلك كثرة الأخطاء اللغوية في مؤلفاتنا الحديثة. فإن فحصنا المؤلفات الحديثة وجدناها تعجّ بالأخطاء، لأننا بصراحة لم نعد نتقن اللغة التي نكتب بها ولا نبالي حتى بما نرتكبه في حقّها من أخطاء وهذا ما يحث في لغتنا فقط ولا نجده أبدا في اللغات الغربية! وهذا ما أكدته الكاتبة البحرينية بروين حبيب وهي في لجنة تحكيم جائزة البوكر في مقال طالعتنا به صحيفة القدس العربي يوم 22 فبراير الجاري حيث أكدت أن لجنة تحكيم جائزة البوكر تقصي روايات كثيرة مشاركة في المسابقة لأنها مليئة بأخطاء فادحة في حق اللغة العربية وإنها صدمت لفداحة هذه الأخطاء لا يميز فيها الكتاب بين الرفع والنصب والجر ولا أثر للجزم!
4_ما هو سبب انتقادك للكاتبة أحلام مستغانمي مؤخرا ؟
انتقدت أحلام مستغانمي لأني مترجم وكاتب اهتم باللغة ومن المدافعين عن اللغة العربية ولم أكن راضيا على الأخطاء اللغوية والحوارات العامية التي كنت أشاهدها في رواياتها. أحلام مستغانمي هي بلا شك رائدة الأدب العربي في هذا العصر ورواياتها تصل إلي ملايين القراء في الوطن العربي وهي مثال يقتدى به في العالم العربي، فلا نريد أن يتعلّم أطفالنا مثل هذه الأخطاء أو ترثها من بعدنا الأجيال القادمة. كلّ بني آدم خطاء وفي كلّ كتاب أخطاء عدا كتاب الله، ولا عيب في الخطأ وإنّما في عدم الانتباه له أو تجاهله وعدم تصحيحه.
واخترت أحلام مستغانمي بين كلّ الروائيين العرب لأنها في قمة الهرم الأدبي في الوطن العربي. فنحن بطبيعتنا ننظر إلى الأشياء الكبيرة الملفتة للانتباه قبل الأشياء الصغيرة، فإن نظرنا إلى لوحة زيتية تمثّل منظرا طبيعيا فإننا في بادئ الأمر لن ننظر إلى الأشياء الصغيرة الدقيقة فيها وإنّما إلى الأشياء الكبيرة الملفتة للانتباه مثل الحقول الرحبة، والبحار الواسعة، والأشجار الباسقة، والجبال الشامخة. وإن نظرنا إلى الجبال فإننا في العادة نجلّي بأبصارنا إلى قممها المرتفعة وهذه هي طبيعة البشر. فكان من الطبيعي أن أنظر في بادئ الأمر إلى كاتبة في حجم أحلام مستغانمي تعتلي الهرم الأدبي ليس فحسب في الجزائر وإنّما في الوطن العربي، بدلا من كُتَّاب آخرين يحاكونها ويقلّدون أسلوبها وهي الأصل والكل في الكل.
لكنّي لم أقصد الإساءة إلى أحلام بأي حال من الأحوال وخير دليل على ذلك أني كشفت فيما بعد في مقالة نقدية أخرى أخطاء طه حسين بعنوان "من أخطاء أحلام مستغانمي والمحدثين إلى أخطاء عميد الأدب العربي طه حسين" مع أني من عشاق هذا الأديب ومن المتأثرين به. وكشفت في وقت لاحق أخطاء نجيب محفوظ أيضا في مقالتي الأخيرة التي نشرتها اليومية الجزائرية "صدى الشرق". فأنا لا أمقت أحدا وإنّما أمقت الأخطاء وانتهاك أحكام اللغة.
5_ ككاتب مهجري ما هي الصعوبات التي تواجه القلم العربي في بلدان الاغتراب ؟
ليس ثمة رابطة تجمع الأدباء في المهجر مثل الرابطة القلمية في أمريكا الشمالية أيام جبران خليل جبران وإيليا أبو ماضي وغيرهما.
والبعد عن الأوطان يحرمنا من المشاركة في الملتقيات الأدبية والتظاهرات الثقافية والمشاركة في البرامج التلفزيونية والإذاعية وهي كلها وسائل هامة تقرب الكاتب من القراء. لكن التطور الذي تشهده وسائل الإعلام واستحواذ منابر التواصل الاجتماعي مثل الفايسبوك على الأنظار يعوّضنا شيئا ما عن ذلك إضافة إلى التجارب الجديدة التي نعيشها في المهجر ومزايا أخرى تنعكس آثارها على ما نكتبه مثل النزعة الإنسانية والحنين على الوطن والتحرر في الأفكار... نحتاج إلى من يقرّبنا من أوطاننا لأن لنا زاد وافر نستطيع أن نقدّمه لشعوبنا وأوطاننا، وما نكتبه يختلف عما يكتبه زملاؤنا في البلاد العربية لأننا عشنا تجارب مختلفة في محيطين مختلفين كل الاختلاف. فإن وجدنا المساعدة ساهمنا في إثراء المشهد الأدبي في أوطاننا بشيء مختلف مكمل لما يقدمه الزملاء المحليون، ولا شيء أجمل من التنوع.
6_ برأيك هل انصرف القراء عن الكتاب المطبوع في ظل الثورة الرقمية ؟
بكلّ تأكيد. هذا ما نشاهده الآن وسيزداد ذلك مع مرّ الزمن وما في ذلك شكّ. صرنا نطالع الصحف والمجلات والكتب على لوح الأيباد والسامسونغ وغيرهما. وأصبح بإمكاننا نقل مكتبة كبيرة في لوح إلكتروني صغير. وحلت الرسائل الإلكترونية محل الرسائل الورقية. والكتاب الإلكتروني يعرف انتشارا كبيرا في أوربا. في تصوري ستكون الغلبة في المستقبل لما هو رقمي وهو شيء حتمي لا مفرّ منه.
ما أخشاه الآن هو انشغال الناس عن القراءة كلية في ضل الثورة الرقمية. فكما نعلم منابر التواصل الاجتماعي وعلى رأسها ما الفايسبوك ما انفكت تختلف أنظار الجماهير وتصرفهم عن شاشات التلفزيون والصحف الورقية، ومن شأنها أن تشغلهم عن القراءة كلية، فكما نعلم ينفق جل الشباب اليوم وقته في الدردشة وتبادل المنشورات من صور وفيديو وغير ذلك مع الأصدقاء في مجتمع معروف منذ القديم بعزوفه عن القراءة. فنحن الآن أمام كارثة فيما يخص قراءة الكتاب وأنا لست متفائلا على الإطلاق بشأن قراءة الكتاب في الوطن العربي.
7_ هناك العديد من الدراسات والإحصائيات التي تؤكد تدني مستوى القراءة ما هو السبب برايك ؟
إنها مسألة ثقافية، فمجتمعاتنا العربية مجتمعات لا تقرأ على عكس الأمم الغربية.
فكل التقارير الدولية تؤكد عزوف المواطن العربي عن القراءة مثلما ذكرت لك في سؤال سابق. المواطن العربي كما أراه ماهر في الحديث عن الرياضة والموسيقى، ممتاز في تتبع الفايسبوك والدردشة، خبير في شؤون السياسة والقيل والقال، لكن أبعد ما يكون عن الكتاب والقراءة.
إنها ثقافة مجتمع برمته. ثقافة يتوارثها الأبناء عن الآباء في مجتمع لا ينشر فيه من الكتب إلا قليل، وما يُخصّص للثقافة والأدب في الصحف والإذاعة والتلفزيون ضئيل. وليس من شك في أن ظهور منابر التواصل الاجتماعي قد زاد الطين بلة وزاد المجتمع سوء وعلّة، فقد صار الأطفال ينفقون جل أوقاتهم في نشر الصور والتعليقات والدردشة.
8_ كيف يتواصل كتاب المهجر مع اتحاد الكتاب العرب ؟
اتحاد الكتاب في الوطن العربي يبدو غائبا وضعيفا للأسف، وثمة خلافات وصراعات بين الكتاب تمنعه من البروز والنشاط. فمن الصعب جمعهم في هيئة واحدة. لابد أن تسترد مجتمعاتنا ثقافة نبذ الاحتكار وتقبل الآخرين واحترام كل الآراء والتوجهات.. ولابد أن يتحلى الأدباء العرب بمبادئ التواضع والانفتاح على الآخرين واحترام آراء الغير وأن يقبلوا التعاون مع غيرهم.. من غير ذلك لا يمكننا ابدا التعاون ضمن هيئة أدبية.
9_ ماذا تقول للقارئ العربي ؟
صحيح أني بعيد عن الأوطان الطيبة غير أني أطير إليها دوما بأجنحة خيالي وروحي، ولقد عبّرت عن ذلك في مقدمة روايتي الجديدة "رِيَاحُ القَدَر" مناجيا وطني كما فعل أدباء المهجر من بلاد الشام في القرن الماضي :
"ومَا غِيَابِي عَنْكِ إلاَّ بِالجَسَدِ *** فَبِرُوحِي وفِكْرِي مَعَكِ للأبَدِ."
أودّ الاقتراب أكثر من الجمهور االعربي. أدعوكم جميعا لزيارة صفحتي بالفايسبوك والاطلاع على ما ألفته بالعربية والإنجليزية والتواصل معي. وأدعو وسائل الإعلام لمساعدتي على الاقتراب من القراء في الوطن العربي وتقديم أعمالي الروائية والأكاديمية وأعدكم أنّي سأساهم في المشهد الأدبي العربي بأدب مختلف ثريّ يحمل سمات البيئة الشرقية التي نشأت فيها والبيئة الغربية التي أحيا فيها اليوم والحنين الجارف إلى الأوطان سمة من سماته. وإن شاء الله سنحسن تمثيل أوطاننا خارج الديار ونشرّفها ونشرّفكم جميعا. وإني من المتأثرين بأدباء المهجر من بلادكم بلاد الشام.. أعيش ما عاشه هؤلاء في المهجر واكتب بأسلوب شبيه بأسلوبهم كما أكد ذلك النقاد والأدباء والقراء.. بل وأصبحت أشاهد الدنيا كما كانوا يشاهدونها وأؤمن بما كانوا يؤمنون لاسيما المحبة والإنسانية.
وأشكر جزيل الشكر الكاتب الرائع أحمد خوجة وصحيفتكم الموقرة التي أتاحت لي فرصة هذا الحوار وفرصة الوصول إلى القراء الكرام في الشرق الأوسط.
الصفحة الرسمية للكاتب مولود بن زادي بالفايسبوك:
https://www.facebook.com/MouloudBenzadi?ref=hl
من أقوال الكاتب المهجري مولود بن زادي:
"وصيتي لبني آدم قبل رحيلي: لن تزول خلافاتكم بالعنف ولا حتى بالديبلوماسية، وإنما بإيمانكم جميعاً بالمحبة والإنسانية. "
" إن راقك شيء من الأشياء،
فلا تفرط في المدح والثناء،
فالورد يموت من كثرة الماء. "
Sunday, 8 March 2015
رواية عبرات وعبر للكاتب المهجري مولود بن زادي
فصل من الرواية
إلى روح والدتي
...
"في يوم من أيام مطلع شهر أفريل، نزل على خديجة ضيفٌ عزيز في زيارة مفاجئة. كان ذلك والدها موسى الذي كلّف نفسه مشقّة قطع مسافة شاسعة من سطيف إلى الجزائر في سبيل رؤية ابنته الصغيرة والاطّلاع على أحوالها بعد أن طال غيابها.
أجهشت خديجة بالبكاء فانهمرت العبرات بغزارة من عينيها وهي ترى والدها بعد فراق طويل، وكأنّ صورته بعثت الحياة في نفسها المنهارة التي عبث بها الزمان وهدّتها الأحداث التي ألمّت بها منذ حلولها في هذه المدينة النائية وهذه الأسرة القاسية.
أمّا موسى فقد أصابه الذهول وهو يرى ابنته في هذه الحال. فوقف مذهولا، مشلولا، لا يصدّق ما تشاهده عيناه، متسائلا في أعماق نفسه المتأثّرة أهذه المرأة هي حقّا ابنته التي نشأت في كنفه.
دنت خديجة من والدها وارتمت في حضنه وأسبلت عبرتها فوجدت في صدره حنانا ودفئا طالما افتقدتهما وسط هذا المحيط الذي استقبلها بجفائه وغدره ولم تذق فيه غير طعم الشقاء والعذاب.
سألها والدها وقد لاح في وجهه الهلع والحيرة:
- ما بك يا ابنتي؟! ما بك؟!...
أطرقت خديجة رأسها ولم تنبس، وما لبثت أن أجهشت بالبكاء فبكت بكاء مريراً، واستخرطت في العويل كثيراً.
لم يعد الشيخ موسى يرجو منها جواباً بعد أن رآها في هذه الحال، فاحتدم صدرُه غيظاً، فاندفع نحو الغرفة المجاورة وهو يرتجف من شدّة الاستياء والغضب وراح يقرع الباب بشدّة وهو يصيح بأعلى صوته كمن فقد صوابه:
- أين أنتم أيّها المكرة؟! ماذا فعلتم لابنتي يا خونة؟!...
ففتح حكيم باب الغرفة وقال للشيخ موسى:
- خير يا عمّي موسى؟! ماذا جرى ؟
فأزلقه الشيخ موسى ببصره وصاح وهو يكاد يخرج من إهابه من شدّة الغيظ:
- أيّ خير هذا؟! ماذا فعلتم لابنتي؟! ماذا جرى لها في غيابي؟!
فردّ حكيم:
- هوِّنْ عليك يا عمّي فنحن لم نفعل شيئا!
فصاح الشيخ موسى وهو يشير بيده باتّجاه غرفة خديجة:
- هذا ليس شكل ابنتي يا خونة!...
فقاطعه حكيم بنبرة غاضبة:
- اتّقي الله يا شيخ! ماذا نكون قد فعلنا لابنتك؟! نحن لم ننهشها! نحن فتحنا لها بيتنا وأطعمناها ووقفنا بجانبها، وفي مقابل ذلك خاصمتنا وانعزلت عنّا بغير سبب! فهل الذنبُ ذنبَـنا؟!
فقال الشيخ موسى بصوت واجف:
- كلاّ، كلاّ، الذنب ذنبي! فأنا الذي رضيت بتقديم ابنتي لكم!...
فقال حكيم:
- أنا لم أطلب منك شيئا وأنت لم تقدّم لي شيئا! فلِمَ جئت تحاسبني أنا؟!
فردّ الشيخ موسى وأمرات الغيظ والسآمة تلوح في وجهه:
- من حقّك أن تقول ذلك ولن ألومك على ذلك مطلقا! أنا حسابي مع إبراهيم! أين هو إبراهيم؟! أين هو هذا الجبان؟!
فردّ حكيم:
- هو مرمي بالمستشفى! لِمَ لا تأتيه وتسوّي حسابك معه واتركنا وشأننا؟!
فقـال الشيخ موسى:
- إذا أراد أن يرمي نفسه إلى الأذى فهو حرّ، لكنّني لن أدعه يرمي ابنتي إلى التهلكة وأنا حيّ أُرزَق! وكّلت الله عليكم جميعا! وكّلت الله عليكم جميعا يا مكرة!...
ورجع إلى خديجة وقال لها:
- اجمعي أغراضك يا ابنتي! سترحلين معي الآن! لم يعد لك بقاء في هذا المكان الرّهيب! لن أتركك وسط هؤلاء الوحوش تنهش لحمك!... "
Saturday, 7 March 2015
جائزة البوكر :الكاتب مولود بن زادي يرد على الناقد والروائي العراقي سامي البدري
مقال الكاتب والمترجم مولود بن زادي في صحيفة "القدس العربي" لندن - بريطانيا.
العنوان:
جائزة البوكر وتعثّر الرواية الجزائرية\
هل الخطأ في لجنة التحكيم أم في أعمالنا الروائية؟
المقال:
"تتعالى هذه الأيام أصوات أدباء ونقاد في الجزائر وخارجها منتقدة لجنة تحكيم جائزة البوكر، مندّدة بقراراتها، مشكّكة في مصداقية أحكامها، ويذهب بعضها إلى حد انتقاد إدارة البوكر لاختيار شعراء ضمن عناصر لجنة تحكيمها بدلا من روائيين والتشكيك في قدرة الشعراء على تقييم الأعمال الروائية والحكم عليها، وهو ما ذهبت إليه أيضا أصوات عربية خارج الجزائر .
فما سبب كلّ هذا الإستياء والغضب من هذه اللجنة في الجزائر وما يصحب ذلك من جدل وصخب؟ إنّه تعثّر الرواية الجزائرية في مسابقة الجائزة وهو تعثّر ما برح يلازم روايتنا منذ عهد طويل. وفي ظلّ هاجس هذا الفشل المتكرّر، هل يقع اللوم على لجنة المسابقة أم روايتنا المشاركة فيها بنفس الأسماء غالبا؟
لعلّ هذه الأصوات تعجّلت شيئا ما في إساءة الظن باللجنة والتشكيك في مصداقيتها والحكم على أعضائها، فمَنْ مِنْ بين هؤلاء الأدباء والنقاد اطّلع على كلّ الأعمال المشاركة ليتبيّن ما تحمله من أسلوب وأفكار، ومحاسن ومساوئ، ولكي يتأتّى له المقارنة بينها، وتمييز الصالح والطالح منها، والحكم عليها عدا عناصر لجنة التحكيم؟
فبدلا من سبق الأحداث والتسرع في إصدار أحكام على لجنة التحكيم، كان ربما ينبغي التأني شيئا ما والتساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل المستمر، ومن ثمّ السعي لاستخلاص الدروس والعبر من ذلك والاستفادة منها لمراجعة النفس ومحاسبتها وتخليصها من أخطائها وعيوبها والاجتهاد لتقديم ما هو أفضل وأنجع وأسلم والسمو به عاليا في سماء دنيا الأدب والتحليق به فوق قلاع المنافسة العملاقة المنتشرة بين المحيط الأطلسي والخليج، نحو تحقيق ما عجزنا عن تحقيقه لسنوات طويلة.
وها هي الكاتبة البحرينية بروين حبيب المشاركة في لجنة التحكيم توضّح بعض أسباب فشل الروايات المشاركة من خلال مقالة طالعتنا بها صحيفة القدس العربي بتاريخ 22 فبراير 2015:
1. لأنّ هذه الروايات مجرد تكرار لأعمال سابقة ولم تأت بجديد.
2. لأنّ هذه الأعمال الروائية مليئة بأخطاء وصفتها الكاتبة البحرينية ب"أخطاء لا تغتفر في حق اللغة العربية"، مضيفة: "لقد أصبت بصدمة كبيرة جدا وأنا أقرأ نصوصا لكتاب أشاد بهم إعلاميون، لكنهم كارثة حقيقية، إذا سمحنا لهم أن يعيشوا في هذه الفقاعة من الوهم. والعتب هنا ليس على الكاتب وحده بل على دور النشر أيضا، التي تتسابق لترشيح أعمال لم تكلّف نفسها حتى أن توظف مصححا لتصحيحها." وتقول بعد ذلك: "من غير المقبول أن تمر رواية تكرّر فيها نصب الفاعل عشرات المرات، ورفع المفعول به، وأحرف جزم لا تجزم، وياء في نهاية كل فعل يخاطب الأنثى ..عيب أن نصل إلى هذا المستوى وهذه « الشرشحة» للغة العربية. وإن كنا نرضى بتمرير هذه الأخطاء فعلينا أن نقدم استقالاتنا أولا."
فهل يعقل أن تفوز بالجائزة رواية هي في واقع الأمر نسخة مطابقة لروايات قبلها أو تقليد لها أو ما أشبه ذلك، وقد لا يكتفي الروائي بتقليد غيره فيقلّد نفسه وقد لا يشعر بذلك؟! ولا عجب في ذلك، إذ ثمة كتاب يتسابقون ويصارعون الزمن من أجل نشر روايات كل سنة يشاركون بها في معارض الكتاب! فالكم عند هؤلاء أولى من الجودة، وبعضهم لا يجد وقتا لقراءة كتب والاستفادة منها، فإن تصفحت رواياته شاهدت في صفحاتها كل أصناف الشوائب!
وهل يعقل أن تفوز بالجائزة رواية مليئة بأخطاء لغوية؟! أخطاء نحوية وغيرها التي إن ارتكبها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا!
لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستهانة باستنتاجات الكاتبة البحرينية وأحكامها لأنها فحصت الأعمال الروائية بما تملكه من مؤهلات ومهارات وخبرات في حقلي اللغة والأدب، كما يفحص الطبيب المريضَ، والطبيب مؤهل لتشخيص الداء ووصف الدواء، ونراها تقترح الدواء لعلاج هذه الروايات العليلة وذلك بتخليصها من آفة المحاكاة والتقليد وتجريدها من الأخطاء الفادحة في حقّ اللغة التي تُكتب بها.
وعليه لستُ أوافق على الإطلاق الروائي والناقد العراقي سامي البدري فيما ذهب إليه في مقاله في القدس العربي 24 فبراير عندما اتهم الكاتبة البحرينية بالاستعراض حينما ذكرت شهاداتها العلمية ومنجزاتها الإعلامية، فمن الواضح أنّها لم تتحدث عن تلك الإنجازات من باب الفخر والاعتزاز وإنّما دفاعا عن نفسها في وجه من شكّك في قدرتها على تقييم الأعمال الروائية، فما أرادت إيصاله من خلال ذلك هو أنّ منجزاتها في حقل اللغة تؤهّلها لأن تكون في لجنة التحكيم وتخوّلها حقّ منع الأعمال الروائية الرديئة، التي لا تُميِّزُ حتى بين الرفع والنصب والجر والمثنى والجمع، من نيل الجائزة لأنها ليست جديرة بذلك. وكيف تفوز بالجائزة أعمال بها كل تلك الأخطاء والشوائب التي تطعن لغتنا، وتشوّه أدبنا، ويتعلمها أطفالنا منا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا! ثمّ كيف يمكننا الجزم أنّ الشعراء غير مطلعين على العناصر الفنية والتقانية والمقاييس النقدية المتعلقة بالرواية؟! فهذا حكم جائر غير مقبول. لا يمكن بأي حال من الأحوال حرمان الشاعر من تقييم الأعمال الروائية بحجة أنه شاعر وليس روائيا، والعكس صحيح، في زمن يتميز بتداخل الأنواع الأدبية وممارسة الكثير من الأدباء لفن الرواية والشعر معا والانتقال بينهما. لقد أصبح الكثير من النصوص السردية يرتكز على شعرية اللغة المكثفة، وصارت الرواية تنافس الشعر مستخدمة وسائله باستخدام بنية مماثلة لبنية البيت الشعري وبالتلاعب بالاستعارات وبموسيقي الألفاظ.
ونلاحظ أنّ من بين الأشخاص المحتجين أدباء وافقوا على المشاركة في الجائزة بمحض إرادتهم وهم يعلمون كل صغيرة وكبيرة عنها ويعرفون عناصر لجنة التحكيم وجنسياتهم ومؤهلاتهم! يشاركون في المسابقة، فإن فازوا صمتوا وإن انهزموا انهالوا على لجنة التحكيم لوماً! هذا في تصوّري غير عادل وغير مقبول يذكرني بلعب الصبيان .. تتشاجر ابنتي الصغيرة مع شقيقتها الأكبر من أجل لعبة، فأتدخّل وأقترح إجراء قرعة تحدد من يفوز باللعبة، فتوافقان، وما أن تعلم البنت الصغرى بالخسارة حتى تجهش بالبكاء وتحتج ولا تقبل النتيجة! ففي تصوري إن كان الأديب يشك في مصداقية اللجنة ينبغي عليه عدم المشاركة منذ البداية، فهو يعرف قوانين اللعبة حقّ المعرفة، وإن اختار المشاركة ثم احتج فلا مصداقية له.
وخلاصة القول: قبل أن نلوم غيرنا ينبغي علينا مراجعة أنفسنا وأخذ بعين الاعتبار استنتاجات عناصر لجنة التحكيم لعلّها تنفعنا فنقدّم ما هو أفضل في المستقبل.
وبحكم أني مترجم وباحث لغوي فقد كتبت مقالات نقدية أشرتُ فيها إلى كثرة الأخطاء اللغوية والألفاظ العامية في الأعمال الروائية وأشرت في مقالات وحوارات إلى نزعة كتابنا في هذا العصر إلى الابتعاد عن الواقع الاجتماعي وإبحارهم بعيدا في فضاء الوجدان والفلسفة واستغراقهم في اللف والدوران في مجتمع عربي معروف بعزوفه عن القراءة وهو ما يزيد الطين بلّة، وأنذرت أنّ ذلك من شأنه أن يسيء إلى أعمالنا الروائية وأن يحول دون تألقها خارج الديار، وهذا ما نراه يحدث للأسف!
فأستغل هذه الفرصة لأدعو كتابنا إلى مراجعة الأوراق والسعي لتوجيه الرواية الجزائرية في الاتجاه الصحيح الذي سار فيه السلف، بالعودة إلى الأصالة والواقع والمواطن.
وإن اخترنا الكتابة باللغة العربية فلابد أن نكتب بلغة عربية سليمة وواضحة يفهمها كل العرب من المغرب إلى الخليج، بعيدا عن اللهجات العربية العامية المعقدة والكثيرة التي لا يفهمها إلا القليل في الوطن العربي، ودون تشويه النص الروائي بألفاظ وتعابير فرنسية وبأحرف لاتينية لا علاقة لها مطلقا باللغة العربية، وهل شاهدنا يوما ألفاظا وتعابير عربية مكتوبة بأحرف عربية في روايات غربية؟! ولا مجال لارتكاب أخطاء فادحة في حق لغتنا وانتهاك أحكام لغة في حجم لغتنا العربية والعبث بها باسم الإبداع أو أي كلام فارغ وكأنها ملكية خاصة، فالأديب الإنجليزي لم ينتهك أحكام لغته مع أنه ينشر عشرات الأضعاف ما ننشره نحن، فلا نرى أخطاء لا في الانجليزية ولا في الفرنسية ولا في أي لغة أخرى عدا لغتنا العربية! وهذا ما ذكرته أيضا في مقالاتي النقدية السابقة التي تناولت بعض الأعمال الروائية باللغة العربية.
وإن ركبنا الغرور والعناد ولم نستخلص دروسا وعبرا من هذه التجارب الفاشلة المتكرّرة في منافسة الأعمال العربية، فإننا بلا شك سنحكم على روايتنا بالعزلة والموت البطيء وسنحكم على أدبنا بالفناء شيئا فشيئا. فحتى وإن وصلنا إلى أدوار متقدمة في مسابقة جائزة البوكر أو غيرها وحتى وإن فزنا بها بالشكوى والاحتجاج والضغط، فإننا سنفشل في الفوز بما هو أسمى من مجرّد جائزة وهو وصول أعمالنا الروائية إلى الأجيال القادمة والخلود في أحضانها من بعدنا. ولنعلم جميعا أن الأجيال القادمة لن تقدّر أعمالا مليئة بالأخطاء اللغوية وقامت على أنقاض لغتها، اللغة العربية."
مولود بن زادي - مترجم وكاتب صاحب معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية - بريطانيا
رابط المقال:
http://www.alquds.co.uk/?p=304227
أشكر جزيل الشكر القائمين على هذه الصحيفة الغراء
العنوان:
جائزة البوكر وتعثّر الرواية الجزائرية\
هل الخطأ في لجنة التحكيم أم في أعمالنا الروائية؟
المقال:
"تتعالى هذه الأيام أصوات أدباء ونقاد في الجزائر وخارجها منتقدة لجنة تحكيم جائزة البوكر، مندّدة بقراراتها، مشكّكة في مصداقية أحكامها، ويذهب بعضها إلى حد انتقاد إدارة البوكر لاختيار شعراء ضمن عناصر لجنة تحكيمها بدلا من روائيين والتشكيك في قدرة الشعراء على تقييم الأعمال الروائية والحكم عليها، وهو ما ذهبت إليه أيضا أصوات عربية خارج الجزائر .
فما سبب كلّ هذا الإستياء والغضب من هذه اللجنة في الجزائر وما يصحب ذلك من جدل وصخب؟ إنّه تعثّر الرواية الجزائرية في مسابقة الجائزة وهو تعثّر ما برح يلازم روايتنا منذ عهد طويل. وفي ظلّ هاجس هذا الفشل المتكرّر، هل يقع اللوم على لجنة المسابقة أم روايتنا المشاركة فيها بنفس الأسماء غالبا؟
لعلّ هذه الأصوات تعجّلت شيئا ما في إساءة الظن باللجنة والتشكيك في مصداقيتها والحكم على أعضائها، فمَنْ مِنْ بين هؤلاء الأدباء والنقاد اطّلع على كلّ الأعمال المشاركة ليتبيّن ما تحمله من أسلوب وأفكار، ومحاسن ومساوئ، ولكي يتأتّى له المقارنة بينها، وتمييز الصالح والطالح منها، والحكم عليها عدا عناصر لجنة التحكيم؟
فبدلا من سبق الأحداث والتسرع في إصدار أحكام على لجنة التحكيم، كان ربما ينبغي التأني شيئا ما والتساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل المستمر، ومن ثمّ السعي لاستخلاص الدروس والعبر من ذلك والاستفادة منها لمراجعة النفس ومحاسبتها وتخليصها من أخطائها وعيوبها والاجتهاد لتقديم ما هو أفضل وأنجع وأسلم والسمو به عاليا في سماء دنيا الأدب والتحليق به فوق قلاع المنافسة العملاقة المنتشرة بين المحيط الأطلسي والخليج، نحو تحقيق ما عجزنا عن تحقيقه لسنوات طويلة.
وها هي الكاتبة البحرينية بروين حبيب المشاركة في لجنة التحكيم توضّح بعض أسباب فشل الروايات المشاركة من خلال مقالة طالعتنا بها صحيفة القدس العربي بتاريخ 22 فبراير 2015:
1. لأنّ هذه الروايات مجرد تكرار لأعمال سابقة ولم تأت بجديد.
2. لأنّ هذه الأعمال الروائية مليئة بأخطاء وصفتها الكاتبة البحرينية ب"أخطاء لا تغتفر في حق اللغة العربية"، مضيفة: "لقد أصبت بصدمة كبيرة جدا وأنا أقرأ نصوصا لكتاب أشاد بهم إعلاميون، لكنهم كارثة حقيقية، إذا سمحنا لهم أن يعيشوا في هذه الفقاعة من الوهم. والعتب هنا ليس على الكاتب وحده بل على دور النشر أيضا، التي تتسابق لترشيح أعمال لم تكلّف نفسها حتى أن توظف مصححا لتصحيحها." وتقول بعد ذلك: "من غير المقبول أن تمر رواية تكرّر فيها نصب الفاعل عشرات المرات، ورفع المفعول به، وأحرف جزم لا تجزم، وياء في نهاية كل فعل يخاطب الأنثى ..عيب أن نصل إلى هذا المستوى وهذه « الشرشحة» للغة العربية. وإن كنا نرضى بتمرير هذه الأخطاء فعلينا أن نقدم استقالاتنا أولا."
فهل يعقل أن تفوز بالجائزة رواية هي في واقع الأمر نسخة مطابقة لروايات قبلها أو تقليد لها أو ما أشبه ذلك، وقد لا يكتفي الروائي بتقليد غيره فيقلّد نفسه وقد لا يشعر بذلك؟! ولا عجب في ذلك، إذ ثمة كتاب يتسابقون ويصارعون الزمن من أجل نشر روايات كل سنة يشاركون بها في معارض الكتاب! فالكم عند هؤلاء أولى من الجودة، وبعضهم لا يجد وقتا لقراءة كتب والاستفادة منها، فإن تصفحت رواياته شاهدت في صفحاتها كل أصناف الشوائب!
وهل يعقل أن تفوز بالجائزة رواية مليئة بأخطاء لغوية؟! أخطاء نحوية وغيرها التي إن ارتكبها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا!
لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستهانة باستنتاجات الكاتبة البحرينية وأحكامها لأنها فحصت الأعمال الروائية بما تملكه من مؤهلات ومهارات وخبرات في حقلي اللغة والأدب، كما يفحص الطبيب المريضَ، والطبيب مؤهل لتشخيص الداء ووصف الدواء، ونراها تقترح الدواء لعلاج هذه الروايات العليلة وذلك بتخليصها من آفة المحاكاة والتقليد وتجريدها من الأخطاء الفادحة في حقّ اللغة التي تُكتب بها.
وعليه لستُ أوافق على الإطلاق الروائي والناقد العراقي سامي البدري فيما ذهب إليه في مقاله في القدس العربي 24 فبراير عندما اتهم الكاتبة البحرينية بالاستعراض حينما ذكرت شهاداتها العلمية ومنجزاتها الإعلامية، فمن الواضح أنّها لم تتحدث عن تلك الإنجازات من باب الفخر والاعتزاز وإنّما دفاعا عن نفسها في وجه من شكّك في قدرتها على تقييم الأعمال الروائية، فما أرادت إيصاله من خلال ذلك هو أنّ منجزاتها في حقل اللغة تؤهّلها لأن تكون في لجنة التحكيم وتخوّلها حقّ منع الأعمال الروائية الرديئة، التي لا تُميِّزُ حتى بين الرفع والنصب والجر والمثنى والجمع، من نيل الجائزة لأنها ليست جديرة بذلك. وكيف تفوز بالجائزة أعمال بها كل تلك الأخطاء والشوائب التي تطعن لغتنا، وتشوّه أدبنا، ويتعلمها أطفالنا منا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا! ثمّ كيف يمكننا الجزم أنّ الشعراء غير مطلعين على العناصر الفنية والتقانية والمقاييس النقدية المتعلقة بالرواية؟! فهذا حكم جائر غير مقبول. لا يمكن بأي حال من الأحوال حرمان الشاعر من تقييم الأعمال الروائية بحجة أنه شاعر وليس روائيا، والعكس صحيح، في زمن يتميز بتداخل الأنواع الأدبية وممارسة الكثير من الأدباء لفن الرواية والشعر معا والانتقال بينهما. لقد أصبح الكثير من النصوص السردية يرتكز على شعرية اللغة المكثفة، وصارت الرواية تنافس الشعر مستخدمة وسائله باستخدام بنية مماثلة لبنية البيت الشعري وبالتلاعب بالاستعارات وبموسيقي الألفاظ.
ونلاحظ أنّ من بين الأشخاص المحتجين أدباء وافقوا على المشاركة في الجائزة بمحض إرادتهم وهم يعلمون كل صغيرة وكبيرة عنها ويعرفون عناصر لجنة التحكيم وجنسياتهم ومؤهلاتهم! يشاركون في المسابقة، فإن فازوا صمتوا وإن انهزموا انهالوا على لجنة التحكيم لوماً! هذا في تصوّري غير عادل وغير مقبول يذكرني بلعب الصبيان .. تتشاجر ابنتي الصغيرة مع شقيقتها الأكبر من أجل لعبة، فأتدخّل وأقترح إجراء قرعة تحدد من يفوز باللعبة، فتوافقان، وما أن تعلم البنت الصغرى بالخسارة حتى تجهش بالبكاء وتحتج ولا تقبل النتيجة! ففي تصوري إن كان الأديب يشك في مصداقية اللجنة ينبغي عليه عدم المشاركة منذ البداية، فهو يعرف قوانين اللعبة حقّ المعرفة، وإن اختار المشاركة ثم احتج فلا مصداقية له.
وخلاصة القول: قبل أن نلوم غيرنا ينبغي علينا مراجعة أنفسنا وأخذ بعين الاعتبار استنتاجات عناصر لجنة التحكيم لعلّها تنفعنا فنقدّم ما هو أفضل في المستقبل.
وبحكم أني مترجم وباحث لغوي فقد كتبت مقالات نقدية أشرتُ فيها إلى كثرة الأخطاء اللغوية والألفاظ العامية في الأعمال الروائية وأشرت في مقالات وحوارات إلى نزعة كتابنا في هذا العصر إلى الابتعاد عن الواقع الاجتماعي وإبحارهم بعيدا في فضاء الوجدان والفلسفة واستغراقهم في اللف والدوران في مجتمع عربي معروف بعزوفه عن القراءة وهو ما يزيد الطين بلّة، وأنذرت أنّ ذلك من شأنه أن يسيء إلى أعمالنا الروائية وأن يحول دون تألقها خارج الديار، وهذا ما نراه يحدث للأسف!
فأستغل هذه الفرصة لأدعو كتابنا إلى مراجعة الأوراق والسعي لتوجيه الرواية الجزائرية في الاتجاه الصحيح الذي سار فيه السلف، بالعودة إلى الأصالة والواقع والمواطن.
وإن اخترنا الكتابة باللغة العربية فلابد أن نكتب بلغة عربية سليمة وواضحة يفهمها كل العرب من المغرب إلى الخليج، بعيدا عن اللهجات العربية العامية المعقدة والكثيرة التي لا يفهمها إلا القليل في الوطن العربي، ودون تشويه النص الروائي بألفاظ وتعابير فرنسية وبأحرف لاتينية لا علاقة لها مطلقا باللغة العربية، وهل شاهدنا يوما ألفاظا وتعابير عربية مكتوبة بأحرف عربية في روايات غربية؟! ولا مجال لارتكاب أخطاء فادحة في حق لغتنا وانتهاك أحكام لغة في حجم لغتنا العربية والعبث بها باسم الإبداع أو أي كلام فارغ وكأنها ملكية خاصة، فالأديب الإنجليزي لم ينتهك أحكام لغته مع أنه ينشر عشرات الأضعاف ما ننشره نحن، فلا نرى أخطاء لا في الانجليزية ولا في الفرنسية ولا في أي لغة أخرى عدا لغتنا العربية! وهذا ما ذكرته أيضا في مقالاتي النقدية السابقة التي تناولت بعض الأعمال الروائية باللغة العربية.
وإن ركبنا الغرور والعناد ولم نستخلص دروسا وعبرا من هذه التجارب الفاشلة المتكرّرة في منافسة الأعمال العربية، فإننا بلا شك سنحكم على روايتنا بالعزلة والموت البطيء وسنحكم على أدبنا بالفناء شيئا فشيئا. فحتى وإن وصلنا إلى أدوار متقدمة في مسابقة جائزة البوكر أو غيرها وحتى وإن فزنا بها بالشكوى والاحتجاج والضغط، فإننا سنفشل في الفوز بما هو أسمى من مجرّد جائزة وهو وصول أعمالنا الروائية إلى الأجيال القادمة والخلود في أحضانها من بعدنا. ولنعلم جميعا أن الأجيال القادمة لن تقدّر أعمالا مليئة بالأخطاء اللغوية وقامت على أنقاض لغتها، اللغة العربية."
مولود بن زادي - مترجم وكاتب صاحب معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية - بريطانيا
رابط المقال:
http://www.alquds.co.uk/?p=304227
أشكر جزيل الشكر القائمين على هذه الصحيفة الغراء
Tuesday, 3 March 2015
مولود بن زادي في القدس العربي : جائزة البوكر وتعثر الرواية الجزائرية
مقال الكاتب والمترجم مولود بن زادي في صحيفة "القدس العربي" لندن - بريطانيا.
العنوان:
جائزة البوكر وتعثّر الرواية الجزائرية\
هل الخطأ في لجنة التحكيم أم في أعمالنا الروائية؟
المقال:
"تتعالى هذه الأيام أصوات أدباء ونقاد في الجزائر وخارجها منتقدة لجنة تحكيم جائزة البوكر، مندّدة بقراراتها، مشكّكة في مصداقية أحكامها، ويذهب بعضها إلى حد انتقاد إدارة البوكر لاختيار شعراء ضمن عناصر لجنة تحكيمها بدلا من روائيين والتشكيك في قدرة الشعراء على تقييم الأعمال الروائية والحكم عليها، وهو ما ذهبت إليه أيضا أصوات عربية خارج الجزائر .
فما سبب كلّ هذا الإستياء والغضب من هذه اللجنة في الجزائر وما يصحب ذلك من جدل وصخب؟ إنّه تعثّر الرواية الجزائرية في مسابقة الجائزة وهو تعثّر ما برح يلازم روايتنا منذ عهد طويل. وفي ظلّ هاجس هذا الفشل المتكرّر، هل يقع اللوم على لجنة المسابقة أم روايتنا المشاركة فيها بنفس الأسماء غالبا؟
لعلّ هذه الأصوات تعجّلت شيئا ما في إساءة الظن باللجنة والتشكيك في مصداقيتها والحكم على أعضائها، فمَنْ مِنْ بين هؤلاء الأدباء والنقاد اطّلع على كلّ الأعمال المشاركة ليتبيّن ما تحمله من أسلوب وأفكار، ومحاسن ومساوئ، ولكي يتأتّى له المقارنة بينها، وتمييز الصالح والطالح منها، والحكم عليها عدا عناصر لجنة التحكيم؟
فبدلا من سبق الأحداث والتسرع في إصدار أحكام على لجنة التحكيم، كان ربما ينبغي التأني شيئا ما والتساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا الفشل المستمر، ومن ثمّ السعي لاستخلاص الدروس والعبر من ذلك والاستفادة منها لمراجعة النفس ومحاسبتها وتخليصها من أخطائها وعيوبها والاجتهاد لتقديم ما هو أفضل وأنجع وأسلم والسمو به عاليا في سماء دنيا الأدب والتحليق به فوق قلاع المنافسة العملاقة المنتشرة بين المحيط الأطلسي والخليج، نحو تحقيق ما عجزنا عن تحقيقه لسنوات طويلة.
وها هي الكاتبة البحرينية بروين حبيب المشاركة في لجنة التحكيم توضّح بعض أسباب فشل الروايات المشاركة من خلال مقالة طالعتنا بها صحيفة القدس العربي بتاريخ 22 فبراير 2015:
1. لأنّ هذه الروايات مجرد تكرار لأعمال سابقة ولم تأت بجديد.
2. لأنّ هذه الأعمال الروائية مليئة بأخطاء وصفتها الكاتبة البحرينية ب"أخطاء لا تغتفر في حق اللغة العربية"، مضيفة: "لقد أصبت بصدمة كبيرة جدا وأنا أقرأ نصوصا لكتاب أشاد بهم إعلاميون، لكنهم كارثة حقيقية، إذا سمحنا لهم أن يعيشوا في هذه الفقاعة من الوهم. والعتب هنا ليس على الكاتب وحده بل على دور النشر أيضا، التي تتسابق لترشيح أعمال لم تكلّف نفسها حتى أن توظف مصححا لتصحيحها." وتقول بعد ذلك: "من غير المقبول أن تمر رواية تكرّر فيها نصب الفاعل عشرات المرات، ورفع المفعول به، وأحرف جزم لا تجزم، وياء في نهاية كل فعل يخاطب الأنثى ..عيب أن نصل إلى هذا المستوى وهذه « الشرشحة» للغة العربية. وإن كنا نرضى بتمرير هذه الأخطاء فعلينا أن نقدم استقالاتنا أولا."
فهل يعقل أن تفوز بالجائزة رواية هي في واقع الأمر نسخة مطابقة لروايات قبلها أو تقليدا لها أو ما أشبه ذلك، وقد لا يكتفي الروائي بتقليد غيره فيقلّد نفسه وقد لا يشعر بذلك؟! ولا عجب في ذلك، إذ ثمة كتاب يتسابقون ويصارعون الزمن من أجل نشر روايات كل سنة يشاركون بها في معارض الكتاب! فالكم عند هؤلاء أولى من الجودة، وبعضهم لا يجد وقتا لقراءة كتب والاستفادة منها، فإن تصفحت رواياته شاهدت في صفحاتها كل أصناف الشوائب!
وهل يعقل أن تفوز بالجائزة رواية مليئة بأخطاء لغوية؟! أخطاء نحوية وغيرها التي إن ارتكبها تلامذة الصف الابتدائي يوم الامتحان سقطوا!
لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستهانة باستنتاجات الكاتبة البحرينية وأحكامها لأنها فحصت الأعمال الروائية بما تملكه من مؤهلات ومهارات وخبرات في حقلي اللغة والأدب، كما يفحص الطبيب المريضَ، والطبيب مؤهل لتشخيص الداء ووصف الدواء، ونراها تقترح الدواء لعلاج هذه الروايات العليلة وذلك بتخليصها من آفة المحاكاة والتقليد وتجريدها من الأخطاء الفادحة في حقّ اللغة التي تُكتب بها.
وعليه لستُ أوافق على الإطلاق الروائي والناقد العراقي سامي البدري فيما ذهب إليه في مقاله في القدس العربي 24 فبراير عندما اتهم الكاتبة البحرينية بالاستعراض حينما ذكرت شهاداتها العلمية ومنجزاتها الإعلامية، فمن الواضح أنّها لم تتحدث عن تلك الإنجازات من باب الفخر والاعتزاز وإنّما دفاعا عن نفسها في وجه من شكّك في قدرتها على تقييم الأعمال الروائية، فما أرادت إيصاله من خلال ذلك هو أنّ منجزاتها في حقل اللغة تؤهّلها لأن تكون في لجنة التحكيم وتخوّلها حقّ منع الأعمال الروائية الرديئة، التي لا تُميِّزُ حتى بين الرفع والنصب والجر والمثنى والجمع، من نيل الجائزة لأنها ليست جديرة بذلك. وكيف تفوز بالجائزة أعمال بها كل تلك الأخطاء والشوائب التي تطعن لغتنا، وتشوّه أدبنا، ويتعلمها أطفالنا منا، وتتوارثها الأجيال من بعدنا! ثمّ كيف يمكننا الجزم أنّ الشعراء غير مطلعين على العناصر الفنية والتقانية والمقاييس النقدية المتعلقة بالرواية؟! فهذا حكم جائر غير مقبول. لا يمكن بأي حال من الأحوال حرمان الشاعر من تقييم الأعمال الروائية بحجة أنه شاعر وليس روائيا، والعكس صحيح، في زمن يتميز بتداخل الأنواع الأدبية وممارسة الكثير من الأدباء لفن الرواية والشعر معا والانتقال بينهما. لقد أصبح الكثير من النصوص السردية يرتكز على شعرية اللغة المكثفة، وصارت الرواية تنافس الشعر مستخدمة وسائله باستخدام بنية مماثلة لبنية البيت الشعري وبالتلاعب بالاستعارات وبموسيقي الألفاظ.
ونلاحظ أنّ من بين الأشخاص المحتجين أدباء وافقوا على المشاركة في الجائزة بمحض إرادتهم وهم يعلمون كل صغيرة وكبيرة عنها ويعرفون عناصر لجنة التحكيم وجنسياتهم ومؤهلاتهم! يشاركون في المسابقة، فإن فازوا صمتوا وإن انهزموا انهالوا على لجنة التحكيم لوماً! هذا في تصوّري غير عادل وغير مقبول يذكرني بلعب الصبيان .. تتشاجر ابنتي الصغيرة مع شقيقتها الأكبر من أجل لعبة، فأتدخّل وأقترح إجراء قرعة تحدد من يفوز باللعبة، فتوافقان، وما أن تعلم البنت الصغرى بالخسارة حتى تجهش بالبكاء وتحتج ولا تقبل النتيجة! ففي تصوري إن كان الأديب يشك في مصداقية اللجنة ينبغي عليه عدم المشاركة منذ البداية، فهو يعرف قوانين اللعبة حقّ المعرفة، وإن اختار المشاركة ثم احتج فلا مصداقية له.
وخلاصة القول: قبل أن نلوم غيرنا ينبغي علينا مراجعة أنفسنا وأخذ بعين الاعتبار استنتاجات عناصر لجنة التحكيم لعلّها تنفعنا فنقدّم ما هو أفضل في المستقبل.
وبحكم أني مترجم وباحث لغوي فقد كتبت مقالات نقدية أشرتُ فيها إلى كثرة الأخطاء اللغوية والألفاظ العامية في الأعمال الروائية وأشرت في مقالات وحوارات إلى نزعة كتابنا في هذا العصر إلى الابتعاد عن الواقع الاجتماعي وإبحارهم بعيدا في فضاء الوجدان والفلسفة واستغراقهم في اللف والدوران في مجتمع عربي معروف بعزوفه عن القراءة وهو ما يزيد الطين بلّة، وأنذرت أنّ ذلك من شأنه أن يسيء إلى أعمالنا الروائية وأن يحول دون تألقها خارج الديار، وهذا ما نراه يحدث للأسف!
فأستغل هذه الفرصة لأدعو كتابنا إلى مراجعة الأوراق والسعي لتوجيه الرواية الجزائرية في الاتجاه الصحيح الذي سار فيه السلف، بالعودة إلى الأصالة والواقع والمواطن.
وإن اخترنا الكتابة باللغة العربية فلابد أن نكتب بلغة عربية سليمة وواضحة يفهمها كل العرب من المغرب إلى الخليج، بعيدا عن اللهجات العربية العامية المعقدة والكثيرة التي لا يفهمها إلا القليل في الوطن العربي، ودون تشويه النص الروائي بألفاظ وتعابير فرنسية وبأحرف لاتينية لا علاقة لها مطلقا باللغة العربية، وهل شاهدنا يوما ألفاظا وتعابير عربية مكتوبة بأحرف عربية في روايات غربية؟! ولا مجال لارتكاب أخطاء فادحة في حق لغتنا وانتهاك أحكام لغة في حجم لغتنا العربية والعبث بها باسم الإبداع أو أي كلام فارغ وكأنها ملكية خاصة، فالأديب الإنجليزي لم ينتهك أحكام لغته مع أنه ينشر عشرات الأضعاف ما ننشره نحن، فلا نرى أخطاء لا في الانجليزية ولا في الفرنسية ولا في أي لغة أخرى عدا لغتنا العربية! وهذا ما ذكرته أيضا في مقالاتي النقدية السابقة التي تناولت بعض الأعمال الروائية باللغة العربية.
وإن ركبنا الغرور والعناد ولم نستخلص دروسا وعبرا من هذه التجارب الفاشلة المتكرّرة في منافسة الأعمال العربية، فإننا بلا شك سنحكم على روايتنا بالعزلة والموت البطيء وسنحكم على أدبنا بالفناء شيئا فشيئا. فحتى وإن وصلنا إلى أدوار متقدمة في مسابقة جائزة البوكر أو غيرها وحتى وإن فزنا بها بالشكوى والاحتجاج والضغط، فإننا سنفشل في الفوز بما هو أسمى من مجرّد جائزة وهو وصول أعمالنا الروائية إلى الأجيال القادمة والخلود في أحضانها من بعدنا. ولنعلم جميعا أن الأجيال القادمة لن تقدّر أعمالا مليئة بالأخطاء اللغوية وقامت على أنقاض لغتها، اللغة العربية."
مولود بن زادي - مترجم وكاتب صاحب معجم الزاد للمترادفات والمتجانسات العربية - بريطانيا
رابط المقال:
http://www.alquds.co.uk/?p=304227
أشكر جزيل الشكر القائمين على هذه الصحيفة الغراء
Subscribe to:
Posts (Atom)