🔵سألت أحد النقاد الأكاديميين المعروف منذ سنوات بانحيازه /وحقده على الأقلام الجديدة:
-لمَ أراك دوماً تُعجب بمنشورات تسخر من زملائك الأدباء حضرة الأستاذ الجامعي؟! هل تطاوعك نفسك حقا بأن تشمت بزملاء لم يفعلوا لك شيئا!
فقال:
-أشركني (الشقي) في منشوره فأعجبت به والسلام.
فقلت له:
-كيف لك أن تعجب بشيء تجهله؟!
وهل تمضي عقدا دون أن تقرأ بنوده؟!
حاولت التحدث معه لنهيه لكنه أبى واستكبر وأثر تسجيل اسمه في التاريخ كناقد أساء إلى رسالة النقد الطاهرة والتي تتطلب الحكمة والموضوعية والتعقل وبعد النظر.. والحياد طبعا الذي خرج عنه.. وكان في غنى عن كل ذلك لو فكّر قليلا..
كتبت عن هذا "الناقد الأكاديمي" والأستاذ الجامعي مربي أجيال ومنظم ندوات أدبية في جامعة بسكرة هذه المقالة التي أدعوكم إلى قراءتها لفهم ما يدور في ذهن الرجل الإقصائي الذي يزعجه نجاح أقلام جديدة..
هذا الشخص بالذات، حاولت شخصيا التحدث معه من خلال رسائل خاصة بعيدا عن أي ضجة، ودعوته إلى الحياد وعدم دعم منشورات معادية تسخر منا. وبدلا من الاعتراف بالذنب والاعتذار، استكبر ورفض الإصغاء.. فلم أجد بدا من فضحه أمام العالم:
🔵المقال:
العنوان: عندما يخرج الناقد عن حياده!..
النقد الأدبي هو دراسة الأعمال الأدبية وشرحها وتحليلها وموازنتها بغيرها من الأعمال.
ومن شروطه الموضوعية والحياد والعدل والإنصاف وتجنب تدخل المصالح الشخصية والميول والرغبات الذاتية والأحكام المسبقة والعامة.
ولا يتحقق ذلك مطلقا من خلال الثناء والمديح والتزكية لشخص ما لمنزلته أو أقدميته أو شهرته، أو تأثرا بالضجة الإعلامية المضللة المحيطة به، أو ربما لعلاقات خاصة تجمعنا به، على حساب شخص آخر قد يشاء القدر أن يكون في بداية مشواره الأدبي، أقل منزلة وحظا من الكاتب القديم. فالنقد الحقيقي يأتي من خلال الاجتهاد لكشف ما في الأعمال من سلبيات وإيجابيات من خلال دراستها على حدى، بموضوعية وانضباط، بغض النظر عن أصحابها، ومن غير أحكام مسبقة أو شاملة عليها.
فإلى أي حد يا ترى يكون قد وفق الناقد محمد أمين بحري في أداء هذه الرسالة؟ إنها أمانة عظيمة تقع على كاهل الناقد، قد يتوقَّف على خلاصتها مصير الأديب المبتدئ وهو يخطو خطواته الأولى في عالم الكتابة، وهو بذلك في أمس الحاجة إلى من يضيئ له الطريق و يعينه على المضي بعيداً في سبيل النجاح والرقي. فإن أحسن الناقد أداء مهمته، كان للأديب سراجا وهاجا ينير له مواطن الجمال والقبح، والقوة والضعف في أعماله، فيصلح ما بها من خلل، ويأتي بما هو أجمل وأرقى وأفضل في المستقبل. وتنفجّر طاقاته الإبداعية فتحمله عاليا في الفضاء إلى عالم التألق والمجد الذي سبقه إليه الأولون، وليس ذلك حكرا على أحد، فكل ما هو في الوجود كبير، أوله صغير.
لشدَّ ما استغربت وأنا أطالع مقالة محمد لمين بحري، وهو أحد النقاد الأكاديميين المعروفين في الساحة الأدبية الجزائرية.. مقالة دافع فيها عن الأقلام القديمة وتهجَّم على المواهب الجديدة بغير حق.
أول ما يلفت انتباهنا ونحن نقرأ هذه المقالة هو العاطفة والذاتية بدلاً من العقل والموضوعية.. مقالة تطبعها لغةٌ انفعالية تعبِّر عن مشاعر ورغبات ونزعات، تخاطب مشاعر المتلقي بدلا من عقله وتسعى للتأثير فيه. وتتجلّى مظاهر اللغة الانفعالية في عبارات وألفاظ مثل “بربكم” وعلامات التعجب والاستفهام الكثيرة والمتتالية حتى أننا نرى ثلاث علامات استفهام كاملة في نهاية سؤال واحد على غير العادة في قوله: “بربكم .. إلى أية نتيجة ستصلون أصدقائي بمثل هذه الأحكام الشمولية التي تضعون فيها روايات بن هدوقة ووطار إلى جانب الخربشات النابتة التي تطلع علينا كل يوم بحزمة خربشات وتنشرها نشراً افتراضياً ،وتسميها رواية ، وهي لم تقرأ في حياتها نصاً ؟؟؟”
فنحن الآن أمام أحكام تصطبغ بالذاتية مع أنّ النقد يتطلب الموضوعية والتحرر من الاستنتاجات القائمة على العواطف أو الاعتبارات شخصية!
الناقد في هذه المقالة يبدو منحازا كل الانحياز لأسماء أدبية قديمة تحظى بمنزلة عالية، وشهرة واسعة في الساحة الأدبية من أمثال الطاهر وطار وبن هدوقة؛ مطلقاً النار على الأقلام الأدبية الجديدة، واصفا أعمالها بالخربشة وصفاً شاملاً وبغير استثناء. فمن شأن مثل هذه المواقف أن ينشر الفرقة والتشتُّتَ وحتى العداوة بين أدباء الوطن الواحد، وأن يؤجج سعير صراع الأجيال الذي لا نرى له أثرا في المجتمعات الغربية المتقدمة التي يظلّ مقياس نجاح الأعمال الأدبية فيها مقدار رواجها، وحجم مبيعاتها، ومدى تجاوب الجماهير معها، بغض النظر عن شهرة الأدباء أو الجيل الذي ينتمي إليه هؤلاء.
ويأتي تصريح الأستاذ محمد لمين إثر إحياء ذكرى وفاة الروائي الجزائري الطاهر وطار. وكنتُ قد شاركت في ملف خاص بهذه المناسبة أعدته إحدى الصحف الجزائرية حيث عبّرت عن تحفظي فيما يخص أدب هذا الرجل. فقد شعرت أنّ ما خلّفه لنا لا يستحق كل هذه الضجة الإعلامية والدعوة في السنوات الأخيرة إلى إنشاء جائزة أدبية تحمل اسمه كما لو خلا السجل الأدبي الجزائري من أقلام كان لها وزنها وتأثيرها في الأدب الجزائري من أمثال محمد ديب وكاتب ياسين ومولود فرعون وغيرهم. فقد وجدت أسلوبه كلاسيكيا، بسيطا، تتخلله ألفاظا عامية، مجرّدا من الصور البيانية، وأدركت أن بعض أعماله لم يصور الشخصية الجزائرية تصويرا واقعيا. فقد قلت في مشاركتي: “إذا أمعنا النظر في أعمال الطاهر وطار وجدناها مجردة من الإطار الزمني الدقيق، كما أنّ المشاهد التي تصورها تبدو عامة، وبعضها للأسف لا يمت للواقع بصلة. ومثال على ذلك شخصية “اللاز”، فهي تبدو عنيفة وشريرة أبعد ما يكون عن شخصية الجزائري المعروف بخلقه ورشده ولطفه ومسؤوليته تجاه الآخرين، وبذلك شخصية اللاز الشاذة لا تمثل على الإطلاق شخصية الجزائري الأصيل ولا تعكس سلوكه في الواقع، وبذلك لن تكون لها مصداقية تاريخية..”
وها هو الناقد – وهو اسم معروف في الساحة الأدبية، يحظى فيها بمنزلة عالية، وبحضور واسع في الملتقيات الأدبية، ويكتب في أكبر الصحف العربية – يناقض نفسه وهو لا يدري بأن ينهى عن خلق ويأتي بمثله. فهو يأمرنا بتجنب الأحكام الشاملة عند التحدث عن الأعمال الروائية الجزائرية، وفي نفس الوقت يصدر هو نفسه أحكاما تعسفية شاملة معتبراً إبداعات الأجيال الجديدة كلها مجرّد خربشة!
ولا يكتفي الناقد محمد لمين بحري بإصداره أحكام شاملة في حق المبدعين المبتدئين بوصف كل أعمالهم بالرداءة والخربشة، وإنما يذهب أبعد من ذلك في أحكامه الجائرة باتهام الأقلام الجديدة بعدم القراءة في قوله: “وهي (الأقلام الجديدة) لم تقرأ في حياتها نصاً ؟؟؟” وهنا نتساءل عن أساس مثل هذا الحكم.. فهذا الحكم في جوهره لا يقل خطورة عن حكمه الأول على الأعمال الحديثة بأنها مجرّد خربشة؟! وما دليله على ذلك؟! وما أدراه أن المبدعين الجدد جهلة، لم يقرؤوا كتابا واحدا في حياتهم؟! إنه حكم جائر واتهام باطل، وتعبير سافر عن استخفاف بالأقلام المبتدئة البريئة من مثل هذه التهم.
إنّ مواقف الناقد محمد لمين بحري المعادية للأقلام المبتدئة ليست جديدة، فهي ما فتئت تتردّد في تصريحاته ومقالاته، أذكر منها على سبيل المثال نقده الكاتب التونسي شكري المبخوت الفائز بجائزة البوكر سنة 2015، في مقالة بعنوان “الرواية العربية تتحدث الطلياني” بتاريخ 07 مايو 2015 (مجلة الفكر). قال فيها:
“كيف لأول رواية في حياة كاتب أن تتبوأ الصدارة، و تختطف المركز الأول في الجائزة العالمية للرواية العربية؟؟ العربية؟؟ فضلا عن أن صاحبها ليس معروفا في عالم الرواية كبقية المشاركين!”
هذا دليل واضح على أنّ في منطق الناقد محمد أمين، لا سبيل إلى النجاح في عالم الكتابة لمن لم يكن قديما أو معروفا! فالنجاح في الكتابة والفوز بالجوائز يشترطان الشهرة والأقدمية!
ولم يكتف ناقدنا المحترم بالتشكيك في أحقية شكري المبخوت بالفوز بالجائزة العالمية، فقد ذهب في مقالته هذه أبعد من ذلك ليشكك في نزاهة لجنة تحكيم جائزة البوكر معتمدا على نفس النظرية المتمثلة في اقتصار النجاح على من كان قديما ومعروفا فحسب! فهو يعتقد أنّ شكري المبخوت فاز بالبوكر لأنه كان معروفا لدى لجنة تحكيم البوكر، إذ يقول: “حيث ترك (شكري المبخوت) اسمه محفوراً في ذهن كل مثقف وناقد عربي بمن فيهم طاقم تحكيم جائزة البوكر نفسه، بكتاباته و ترجماته ودراساته.”…
وخلاصة القول لا يجوز للناقد أن يصدر أحكاما تعسفية شاملة في حق ابداعاتنا. فالأدب تعبير عن الأفكار والرؤي والتجارب والخبرات والقناعات والتصورات والمشاعر. وهو بذلك يختلف من شخص إلى آخر، ومن بيئة إلى أخرى، شكلا ومضمونا. وقد يختلف أسلوب الأديب الواحد أكثر من مرة في مراحل حياته، فيتجلّى الاختلاف في شتى مؤلفاته. فيجب أن يُدرس كل عمل من الأعمال على حدى دون أفكار مسبقة، ووفق مناهج موضوعية واضحة، مع مراعاة انتقاء الألفاظ الدقيقة والتعابير المناسبة. ولا نشك مطلقا في أن الناقد محمد لمين يستطيع أن يستغني عن ألفاظ ساقطة مثل “خربشة” في إشارته إلى الأعمال الأدبية الحديثة، فهي من الكلمات المهينة، غير اللائقة، ولا نراها مطلقا في الدراسات النقدية الأكاديمية، وهو يمتلك ناصية اللغة العربية، وهي من أثرى لغات الدنيا. وإني أؤكد ما ذكرته من قبل في صحيفة القدس العربي اللندنية أنّ الأمم الأخرى أحقّ منا بالجوائز الأدبية. وكيف تجازى أوطان يحارب فيها القديمُ الجديدَ، والكبيرُ الصغيرَ، ويسود مشاهدَها الأدبي قانونُ الغاب، فليس البقاء فيه للأفضل والأظرف، وإنما للأقوى والأعنف!
وإن لم يراجع محمد لمين بحري نفسه، ولم يتراجع عن موقفه الواضح في تصريحه الموجه إلى الأدباء والنقاد، يكون قد أساء كل الإساءة إلى رسالة النقد النبيلة التي اختار أداءها والتي تتطلب الأمانة والحياد والعدل بعيدا عن الأحكام المسبقة الجائرة في حق جيل جديد يبحث عن الاعتراف والوجود إلى جانب الأدباء القدامى والمساهمة في إثراء المشهد الأدبي بإبداعاته التي لن تقل قدرا عن إبداعات أي جيل من الأجيال. فلكل جيل رجال وطموحات وأمال وأعمال تنقش بأحرف من ذهب في سجل التاريخ.
مولود بن زادي كاتب جزائري مقيم في بريطانيا